الخميس 30 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

ابداعات البوابة.. "زرياب نهوند" قصة قصيرة لـ"حسين عبدالعزيز"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم أنى لم أسمع منه غير «نحنحة»، لكنها تشدنى كلما مررت من أمامه، دائما يجلس فى المكان الذى تعودتْ رؤيته جالسًا فيه.. على كرسيه بجوار شجرة «الفيقس»، تلك التى يتجمع الذباب عليها ليلا كى يرتاح وينام بعد عمل شاق طوال النهار.. والشجرة مزروعة أمام مقهى «زرياب»، هذا الاسم الغريب، الذى من شدة غرابته توجهت إلى صاحب المحل، وسألته عن معنى الاسم، فقال: «ورثته عن أبى بهذا الاسم، ولم أحاول مرة أن أسأل عن معنى هذا الاسم.. الذى أوجد للمقهى شهرة واسعة جدا».
وفى بعض الأحيان، يكون بين يديه كوب من الشاى، وفى أحيان أخرى توجد جريدة بين يديه، فما أن يحس أو يستشعر بقربى من خلال عطرى الفواح أو خيالى الذى يسبقنى إليه فرحا به حتى يرفع نظره عن الجريدة أو فمه عن كوب الشاى.. بسرعة خاطفة باحثا عنى.. وما أن تلتقى العيون حتى أتكهرب وأبتعد بنظرى إلى الناحية الأخرى بطريقة لا إرادية.
وبختْ نفسى كثيرا على هذا، ولكنى لم أقدر على أن أبقى عينى فى عينيه للحظات؛ لأنه ما تكاد أن تلتقى العيون حتى أصاب بدوار وكأنه هبوط حاد فى الضغط.
وكأن الجالس شىء مخيف مع أنى أحبه، ولا أتخيل أن يمر يوم دون أن تكلمه عينى، ويتكهرب جسدى برعشة شديدة عندما ينظر ناحيتى.. وآآآآآه لو مررت بجواره ولم يتنحنح لأن نحنحته تذكرنى بنحنحة عبدالوهاب وفريد الأطرش حين يستعد ليُسمع محبيه ورفاقه لحنًا انتهى منه، أو مقطع موسيقى أعجبه وأدهشه، فأحب أن يدهش أصدقاءه ومحبيه.. ويصحو قلبى عليها.. فأغضب وأحزن لذلك، أوه! هل الذى أحبه يتبع فلسفة الملحنين فى النحنحة، أى أنه يأخذ من النحنحة أسلوب تسخين، ثم يقف ويأتى ليحدثنى بأى كلام حتى بـ «أهلا يا أمل.. أو أهلا يا آنسة» ساعتها أطير فى الهواء، وأتحول إلى نسمة، أنا اسمى «أمل» لكن ما اسمه؟ حقا لا أدرى! كيف هذا؟ كل هذا الوقت، وكل هذا الحب، ولا أعرف اسمه وكيف أعرفه؟!
لم أكد أحدث نفسى بهذا، حتى سمعت أذنى صوت ينادى بكل قوته «نهوند يا نهوند» من اسمه نهوند، ويكون الجالس على الكرسى وفى يده جريدة.. فأصابنى دوار واهتز جسدى، وأجدنى أتساند على نفسى، وأنا أهبط رويدا رويدا، وجلست فى مكانى وأنا لا أتبين الذى أمامى، ومالت رأسى لتستقر على الأرض.. وتسمع أذنى صوت سيدة «يا جماعة فليأت أحد منكم بكوب من الماء، البنت وقعت مغمى عليها»، وهنا لمحت بطرف عينى حبيب القلب قادم كما فرسان العصور الوسطى، يشق طريقه بين جموع الناس التى التفت حولى بسرعة.. ارتفع نبضى وزادت حبات العرق التى تتساقط من فوق جبينى.
انحنت علىّ السيدة، وهى تسألنى: «ماذا حدث يا بنتى؟»؛ فقلت بصعوبة: «قليل من الماء». وقبل أن أكمل وجدت وجع قلبى يقول وهو ينحنى علىّ «كوب من الماء وملح أو لمونة محدقة أو زيتونة، أصل الصبية ضغطها منخفض». ابتسمت وأنا أحدق فى وجهه، وكاد قلبى يهرب من بين ضلوعى، فخفت أن يحدث هذا فينفضح أمرى، ولم أفق من فرحتى إلا بعد أن وجدته يعود إلى الخلف كما المايسترو.. ثم يعود وفى يده كوب ماء وليمونة محدقة، وهمس كما العاشق «تفضلى»، مددت يدى وأخذت الكوب فتلامست الأنامل «لن أتفوه بما حدث لى جراء تلامس الأنامل»، نظرت فى عينيه بتركيز شديد، وقلت هامسة:
- شكرا يااااااااااا..
- نهوند.
- ماذا؟
- نعم اسمى نهوند.
وهنا وجدت المرأة التى تسندنى تهمس فى أذنى: تصدقى يا بنتى هو يريد أن يتزوج فقط من أجل أن ينجب طفل يسميه زرياب.
فقلت فى نفسى، وأنا أذهب إلى دنيا غير الدنيا «وأكون أنا أم زرياب نهوند.. يااااااااااااخبر نهوند».