«خمسة وعشرين فى الميه» هى أغنية لزاب ثروت من ألبومه المدينة، أوقفتنى كلماتها وبالأخص عندما تقول:
«خمسة وعشرين فى الميه من الشباب مكتئبين
بيعانوا أمراض نفسية وعن الحياة معزولين
ستة فى المية منهم بيفكروا فى الانتحار
وارجع لكتاب اكتئاب المراهقين والأطفال»
وهنا توقفت: نحن أمام إحصائية، أمام ظاهرة مهم التوقف عندها والتحدث عنها. الأمر لا ينتهى إذا أعجبتنى أم لا الأغنية، الأمر يخصنى ويخص من حولي، وبكونى كاهنا وأتحدث مع الشباب بدرجة كبيرة، وجدت أن هذا فعلا حقيقي. العديد من الشباب من حولى فقدوا رغبة الحياة، يستمتعون بأقصى قدر وكانهم يلهثون لملء أوان من السعادة وهى مثقبة فلا تمتلئ. ومع الوقت يملؤها خيبة الأمل ورغبة فعل اللاشيء. اكتئاب: هذا حقيقى أدركت أنه فعلا أصبح مرضا فهو ليس حالة أو «مود» كما تقول صدقا كلمات الأغنية. فلماذا وصلنا إلى هذا؟
تواصل كلمات الأغنية وتلقى بلوم كبير على التربية الخاطئة والتى سادت مجتمعنا فتقول:
«فمتربوش ولادكوا ع الأوامر والتهزيق
متكسروش مقاديفهم بالكبت والتضييق
العنف مش بس عنف مد اللسان والإيد
العنف كسر النفس وتحويلهم عبيد.»
حقيقى من خبرتى الصغيرة فى الحوار مع الشباب وجدت أن كثيرا من صعوباتهم تأتى من التربية الخاطئة التى تلقوها فى صغرهم من عنف وكبت وكما تقول الأغنية «تضييق». هذا نزع منهم رغبة الحياة، نزع منهم انطلاقة المستقبل وبدلها بانطلاقة الهروب من اللحظة وصعوباتها، الهروب من الواجب، والالتزام، إلى يسر التواصل الاجتماعى «النت» والذى فيه تعبر عما تريد دون أن تلتزم بأى نتيجة. ابعدهم عن واقع الحياة اليومى وادفعهم إلى واقع تخيلى رقمى تبنيه كما تشاء، تضع أنت قوانينه، تحدد أنت علاقاتك فيه، تقبل ما تشاء وتلغى ما تشاء، عالم افتراضى أنت فيه السيد، بعيد عن واقع «عبد» لأوامر وتصرفات الآخرين كما ذكرت الأغنية.
تواصل الكلمات وتقول:
«أنا مش جاحد لفضل أهلى ولا بدعوكوا للعقوق
أنا بوصل حقيقة مجتمعنا
مجتمع أملى وأملهم إنه يسمعنا
مش وحيد بس وحدى وسط ألمى ومحنتي
نفسى ليكوا أقول وأحكي
تبقوا سندى وقوتى.»
عزيزى الكاتب وصلت الرسالة: كما تؤكد أنت نحن ليس بصدد محاكمة الأهل أو المجتمع، وليست دعوى للتمرد أو نكران الجميل، فالكل نفترض فيه حسن النية وفعل كل المستطاع، الأمر هو رغبة أن يسمع أحد، وأن يأخذ هذا الأمر على عاتقه ويبدأ مسيرة. وهنا أجيب على كلماتك بشكر وأقول:
«احنا فى احتياج لمسيرة مجتمع مقتنع بأن شبابنا أو كتير منهم مجروحين،
لو خمسة وعشرين فى الميه منهم مكتئبين، وستة فى الميه بيفكر فى الانتحار، يبقى لازم نقف ونعلن صفارة إنذار، نعيد نظرنا فى تصرفاتنا وأفكارنا، نستمع ليهم ومعاهم نبنى مخططاتنا، كبارا كنا أو صغارا الكل مسئول وحيطلب منه الحساب، الأمر مش هدر فى مال أو جنحة أو فساد، الأمر ابنى وابنك أعلن الحداد.
أنا شخصيا مقتنع إن أتى وقت التغيير، وكما تقول الأم تريزا «التغيير يبدأ منى أنا، من تغيير ذاتي».