حين تقترب منه، وقبل أن تطأه قدماك، تجد الغبار يملأ الأركان والجنبات، والجدران رصعت بالأتربة، والوجوه غمرها «الهبو»، وروائح البناء تستقر داخل أنفك.
هنا تتوه الوجوه والعقول، كل فى شأنه؛ ولكن القلوب لا تفارق بعضها أبدًا، أنت الآن على مقربة من قلعة تصنيع البلاط اليدوى، أو «بلاط الملوك» كما يسمى.
على الرغم أنها من المهن الشاقة، التى تذوب لها الأبدان ولا تذوب هي؛ فإن العاملين بها لم يتركوها ليلتحقوا بأخرى؛ ربما لأن هناك عشقًا ممزوجًا بينهما، وربما لأنهم لا يعرفون غيرها؛ لكنها بالأحرى لا تزال تفتح بيوتهم وتُطعم أولادهم، وتغنيهم عن سؤال الناس من شفقة أو إحسانًا.
ويقول محمد طايع، صاحب مصنع بلاط: «ورثت المصنع أبًا عن جد منذ عام ١٩٥٣، والبلاط مهنة جميلة وعايزة الأمانة؛ ولكن للأسف ٩٨٪ من العاملين لا يخافون الله بسبب مصانع بير السلم، وسوء الصنعة ورداءة الخامة سبب انحدار المهنة».
ويقول عم طارق نجاتى، عامل بمصنع بلاط: «أعمل بصناعة البلاط منذ عام ١٩٧٧ وحتى الآن، وتزوجت وأنجبت ٥ أولاد وأنا أعمل بها، الصنعة كانت جميلة؛ بس دلوقتى فى انحدار بسبب الغلاء والغش ورواج السيراميك».
