الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

خطة الملالي للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي.. طهران تستعد لتشغيل شبكة إنترنت محلية قبيل فرض الحزمة الثانية من العقوبات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«السوشيال ميديا» تساعد فى تشكيل التعبئة المؤسساتية والحركات الاحتجاجية والمواطنة التفاعلية
أدى الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة تفاعل الناس وتواصلهم عالميًا؛ حيث تُمكن الأفراد والجماعات من إنشاء شبكة اجتماعية للتواصل. فى السياق ذاته، تحفز نظرية رأس المال الاجتماعى على الاستثمار فى العلاقات الإنسانية، مما يؤدى إلى وجود عائد سياسي، اقتصادى واجتماعى كبيرين. ولكن تلجأ بعض الدول إلى استثمار هذه المميزات بطريقة خاطئة من خلال محاولة التضييق على الحريات السياسية، وخلق الأطر الشبكية التى تمنحها السيطرة على الفضاء الإلكتروني، متخذة من فكرة وجود العدو الخارجى ذريعة لتحقيق مآربها الداخلية.
وعليه، تستعد طهران قبيل فرض الحزمة الثانية من العقوبات، بحلول نوفمبر ٢٠١٨، لتشغيل شبكة إنترنت محلية، إذا ما حرمتها العقوبات الأمريكية من الخدمة العالمية، لتعمل على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين. والتى ستمنع المواطنين من الوصول إلى المواقع الأجنبية، بما فيها الشبكات العملاقة مثل «جوجل» أو مواقع المنظمات العالمية، على أن تسمح فقط بالوصول إلى المواقع الداخلية.

أولًا- نبذة عن نظرية الإعلام السياسى (Political Media):
أشار عددٌ من المحللين إلى التأثير الذى خلفته وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة (فيسبوك وتوتير) على السياق السياسى داخل المجتمع، لا سيما فيما يتعلق بالمشاركة السياسية؛ عادة ما يستخدم القادة وسائل التواصل الاجتماعى للتعبئة السياسية، فضلًا عن الرغبة فى التعرف على ميول المواطنين وآرائهم، ومن هنا تساعد وسائل التواصل الاجتماعى فى تشكيل ثلاثة أنواع من التعبئة، ومنها:
١- التعبئة المؤسساتية: يُبنى هذا النوع من التعبئة على العلاقة بين المنظمات الوسيطة (المؤسسات غير الحكومية) والمواطنين بهدف تعزيز التفاعل الاجتماعي.
٢- الحركات الاحتجاجية: يهدف هذا النوع من التعبئة إلى تفعيل العمل الجماعي، وعلى الرغم من أنه أقل تنظيمًا، فإنه يتضمن هوية وهدفا واضحا، ويتسم بممارسة ضغط إنتاجى على البنية السياسية.
٣- المواطنة التفاعلية: يتحقق هذا النوع من التعبئة السياسية من خلال مشاركة الناس العاديين فى اتخاذ القرارات المؤسسية، من خلال إتاحة الفرصة للجماهير للمشاركة فى العملية السياسية، مما يجعلها مهيأة عند الحاجة إليها.


ثانيًا- دور وسائل التواصل الاجتماعى فى تأجيج الاحتجاجات داخل الجمهورية الإسلامية:
كان الإعلام الرسمى هو الموجه الأساسى للرأى العام الإيرانى منذ قيام الثورة الإسلامية فى طهران عام ١٩٧٩؛ حيث استطاع عبر سنوات عزل الإيرانيين عن ما يجرى فى العالم، بل عمل على تكوين رؤية مؤيدة لتوجهات السياسة الخارجية، وراضية عما يحدث فى الداخل. 
ولكن بعد عقد الاتفاق النووي، أصبح الإيرانيون أكثر استخدامًا لوسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث ارتفع عدد مستخدميه إلى ٤٦ مليون شخص من أصل ٨٠ مليون مواطن، معظمهم من الشباب، نتيجة تخفيف القيود والرقابة عليها، فضلًا عن انفتاح الجمهورية الإسلامية على الدول الغربية، وإقبال الشركات العالمية على الاستثمار فيها، بما يتضمن الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعى ذاتها.
لجأت طهران إلى حجب عديد من مواقع التواصل الاجتماعى مثل «يوتيوب»، بسبب دوره فى تأجيج الاحتجاجات التى قادتها الحركة الإصلاحية فى عام ٢٠٠٩ ضد الرئيس السابق «محمود أحمدى نجاد»، فضلًا عن دورها الكبير فى احتجاجات أواخر عام ٢٠١٧ وتوابعها فى عام ٢٠١٨. ومن هنا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى الأداة الأكثر تأثيرًا فى الرأى العام من خلال عرضها للحقائق التى أجبرت وسائل الإعلام التقليدية على اعتبارها المصدر الرئيسى للمعلومات.

ثالثًا- خطة الحكومة الإيرانية قبيل مرحلة فرض الحزمة الثانية من العقوبات:
تنبهت إيران بعد احتجاجات عام ٢٠٠٩ إلى الدور المهم لوسائل التواصل الاجتماعى فى تحريك المواطنين، ولذلك شرعت فى إنشاء شبكة إنترنت محلية، بحجة تحسين مستوى الأمن الإلكترونى فى البلاد. وكانت تعتزم طهران تطبيق النظام الإلكترونى المحلى بحلول مارس ٢٠١٣، ولكن عدلت عن ذلك بعد ظهور بوادر لمفاوضات مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي، ولا سيما بعد توقيع الاتفاق النووى مع دول (٤+١) فى عام ٢٠١٦.
ولكن مع بدء مرحلة فرض الحزمة الثانية من العقوبات بحلول نوفمبر المقبل، طُرحت الفكرة مرة أخرى، على خلفية إمكانية حرمان الإيرانيين من زيارة المواقع الخارجية. ولكن من أهم عيوب الشبكة الداخلية هو حرمان إيران من الوصول إلى الشبكة العالمية، وبالتالي، انعزالها عن العالم الخارجي.


رابعًا- تداعيات إنشاء الشبكة المحلية للإنترنت على المجتمع الإيراني:
ستكون هناك مجموعة من التداعيات التى من الممكن أن تترتب على تدشين الجمهورية الإسلامية للشبكة المحلية المزعومة قبيل فرض الحزمة الثانية من العقوبات بحلول الرابع من نوفمبر المقبل؛ ومنها حجب مئات المواقع الغربية التى تخاطب المواطنين، لا سيما باللغة الفارسية، تقويض مستقبل الحركات الاحتجاجية داخل الجمهورية الإسلامية، عزل الإيرانيين عن العالم الخارجي، التأثير على مستقبل الجامعات والبحث العلمي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
عزل الإيرانيين عن العالم الخارجي
سيؤدى إنشاء شبكة الإنترنت المحلية إلى حرمان إيران من الوصول إلى عديد من المواقع الأجنبية، بل سيقتصر الأمر على المواقع الحكومية التى سيتم تدشينها من قبل الحكومة، فضلًا عن خروج الشركات الأجنبية، مما يؤدى لتأثيرات سلبية على واقع المجتمع الإيراني. فعلى الرغم من أن الأوروبيين هم الأكثر تأثيرًا فى الدبلوماسية متعددة الأطراف، خاصةً ما يتعلق بالصفقة النووية، وقادرين على التغيير الإيجابى من خلال الانخراط فى الالتزام بالاتفاق، إلا أنهم يواجهون حسابات أكثر تعقيدًا، فضلًا عن أنهم من أكثر الدول تضررًا من سياسات «ترامب».
التأثير فى وضع الجامعات والبحث العلمي
ستوثر الشبكة المحلية للإنترنت المزمع تدشينها على وضع البحث العلمى للجامعات داخل الجمهورية الإسلامية، فمن المتوقع أن تحرم الباحثين، الطلاب، أساتذة الجامعات، من الوصول إلى قواعد البيانات العالمية، فضلًا عن الاطلاع على آخر ما توصل إليه العلم فى الغرب.
تقويض مستقبل الحركات الاحتجاجية 
أقر بعض المحللين أن الهدف الأساسى وراء إنشاء الشبكة العنكبوتية المحلية فى إيران، يتمثل فى منع ظهور احتجاجات فى المستقبل، خاصةً بعد فرض الحزمة الثانية من العقوبات حلول نوفمبر لعام ٢٠١٨، وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية أكثر مما هى عليه حاليًا. 
فى السياق ذاته، تعتبر طهران وسائل التواصل الاجتماعى بمثابة أدوات الحرب النفسية عليها فى المجالات السياسية، الثقافية، الأمنية، والاقتصادية.
وتضع الجمهورية الإسلامية ما تطلق عليه «تهديد وسائل التواصل الاجتماعي»، على رأس أولوياتها، معتبرة أنه تهديد لأمنها القومي. ونتيجة لذلك، حذر رئيس منظمة الدفاع المدنى الإيرانى «غلام رضا على بور»، من أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تحريض الشعب الإيرانى على الحكومة بوسائل الإعلام، فضلًا عن الهاتف والإنترنت.


ختامًا: انطلاقًا من محددات النظرية العامة للإعلام السياسي، لا سيما الإعلام الإلكتروني، نجد أن طهران تحاول تجاوز كل المعايير الديمقراطية المتعارف عليها، فيما يتعلق بالحقوق والحريات، فضلًا عن سلطات الحكومة فيما يتعلق بقدرة المواطنين على الوصول إلى الشبكات العالمية.
فى السياق ذاته؛ تتصور إيران أن هذه السياسات سوف تدوم أو تمكنها من استمرارية إحكام السيطرة على المواطنين، ولكن فى الحقيقة من الممكن أن تخدم مصالحها فى الوقت الحالى أو على المدى القصير، أما فى غضون بضع سنوات سينقلب الأمر رأسًا على عقب، كما يحدث حاليًا؛ حيث يشير عدد من المحللين إلى أن تصاعد موجة الاحتجاجات الموجودة حاليًا داخل الجمهورية الإسلامية هى نتيجة سياسات قمعية تم فرضها من قبل الدولة على مدى سنوات طويلة مضت.