الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تجديد الفكر الديني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى كلمته المهمة أمام مجلس الفيدرالية الروسى بموسكو، شرح الرئيس السيسى موقف مصر الواضح من الإرهاب المتستر بعباءة الإسلام، موضحًا ومشيرًا إلى مبادرة مصر لتجديد الخطاب الدينى التى تم إطلاقها من مصر منذ سنوات، من أجل مواجهة خطاب التطرف والأفكار المغلوطة والتفاسير الملتوية التى تجافى صحيح الدين وتتنافى مع قيمه الحميدة، منوها إلى الدور المقدر للأزهر الشريف، الذى يعلى من قيم التسامح وقبول الآخر. كما نجد أن الرئيس وفى كل مناسبة دينية أو سياسية داخل الوطن أو خارجه دائما ما يتحدث بإسهاب وبكل وضوح وصراحة عن تجديد الخطاب الديني. فى الوقت الذى تقوم فيه قواتنا المسلحة مع الشرطة بالعملية سيناء ٢٠١٨. تلك العملية التى قد وضعت حدًا لهذه التنظيمات الإرهابية فى سيناء وفى كل مكان على أرض الوطن. الشيء الذى يؤكد بلا مواربة أن محاربة الإرهاب لا تقتصر على المواجهة الأمنية فحسب، ولكن وهو الأهم تلك المواجهة الفكرية؛ حيث إن هذه الجماعات، وتلك التنظيمات تعتمد فى المقام الأول على مسمى عمليات غسيل المخ عن طريق الأفكار المتدثرة بالدين، والتى تعتمد على تفاسير مغلوطة واجتهادات لا تستهدف غير مصلحتهم، وتأويلات تلوى عنق النص لتبرير أفكارهم الهدامة، مبررين كل ذلك باسم الحفاظ على الدين وتطبيق الشريعة وإقامة الخلافة الإسلامية. والمواجهة الفكرية هنا تعتمد أول ما تعمد فى المقام الأول على تجديد الخطاب الدينى أو الفكر الديني؛ حيث إن الخطاب الدينى هو الوسيلة التى يتم من خلالها نقل الفكر الدينى إلى المتلقى سواء أكان هذا داخل دور العبارة أم خارجها، خاصة أنه الآن قد تعددت هذه الوسائل وتعملقت بعد ظهور ما يسمى بـ«السوشيال ميديا». فالخطاب والوسائل تعتمد على مبدأ الكم، أما الفكر الدينى والذى يستهدف مبدأ الكيف؛ فهو ذلك الفكر الإنسانى القاصر وغير المطلق والقابل للصواب والخطأ، الذى يقوم بالتفسير وبالتأويل، وبالاجتهاد للنص الدينى المقدس. ولذا فالفكر الدينى غير النص الديني. الفكر الدينى متغير وأحيانًا متناقض ويستهدف المصلحة المرسلة ويرصد الواقع ولا يسقط الزمان ولا يتجاهل المكان. أما النص الدينى فهو كلام الله الموحى به للبشرية داعيًا للإيمان الصحيح، مؤكدًا القيم السامية داعيًا إلى المبادئ القديمة معززًا العلاقات الإنسانية، ومؤكدًا لمبدأ التسامح وقبول الآخر. وهذه هى الخطوط العريضة والمهمة التى تمثل المقاصد العليا للأديان التى جاءت من أجل الإنسان. ولذا فلا غرابة عندما ترى بالرغم من وحدانية النص الدينى تلك التناقضات والصراعات والمواجهات التاريخية بين أبناء الدين الواحد وليس أصحاب الأديان المختلفة فقط. ذلك بسبب هذا التباين وذاك الاختلاف فى تفاسير واجتهادات ذلك الفكر الديني. فشاهدنا ذلك الصراع بين السنة والشيعة منذ أحداث الفتنة الكبرى، والذى لا يزال قائما حتى الآن، بل يتم استثماره على أرضية سياسية طوال الوقت وباسم الدين ولا علاقة للدين بذلك. يتحدث التاريخ عن ذلك الصراع المميت بين الكاثوليك والبروتستانت طوال التاريخ ومنذ العام ١٥١٧ وحتى الآن، والذى يأخذ مسارات وأشكال وأساليب، وإن اختلفت فى الشكل، ولكنها تتفق فى المضمون وتسعى إلى الهدف. فى الوقت الذى نتعامل مع النص الواحد (القرآن والإنجيل). فهل هذه الصراعات والحروب لها علاقة بالدين وبصحيح النص الديني؟ أهى مصالح ذاتية وحزبية تستغل الدين؟ فهل ترضى المسيحية وقيمها فى الحب أن بهذه الحرب التى اشتعلت لمدة ثلاثين عامًا بين الكاثوليك والبروتستانت من عام ١٦١٨ حتى عام ١٦٤٨، والتى راح ضحيتها ملايين من البشر باسم الدين والمسيحية. هذا وغيره كثير بسبب هذا الفكر الديني. وخطورة هذا الفكر واستعمالاته هو رفض الآخر وعدم قبوله. سواء كان هذا الآخر يشاركه نفس الدين ولكن لا يشاركه فكره الديني. فما بالك بالمختلف معه فى الدين؟ فكم رأينا متطرفين فى كل الأديان يرفضون هذا الآخر شكلًا وموضوعًا بما يتناقض كل التناقض مع المقاصد العليا للدين، بل مع كل المبادئ الإنسانية. وهذا الرفض وللأسف يعتمد على فكرة أن هذا الرفض للآخر يتصور خطأ ويتوهم زورًا أنه هو من يملك الحقيقة المطلقة دون سواه، سواء من يشاركه فى الدين أو من يختلف معه. وبالطبع وإن كان الدين يمثل أهم العوامل وأجلها التى تشكل وعى الإنسان وتكوّن فكره، وبالتالى تتشكل شخصيته. وما يؤخذ عن الدين نضجًا وفكرًا يبدأ مع الطفل فى تكوينه الأول فى الأسرة، ذلك التكوين الذى يتعامل مع الدين كأنه الموروثات التى يرثها الفرد من والده وعائلته تلك الموروثات التى تورث بالعصبية والتقاليد الاجتماعية والعادات القبلية، فيتحول الدين من إيمان حقيقى يوقر فى القلب لكى يصدقه العمل إلى إيديولوجية تأخذ مسمى الدين؛ فنجد هذا الصراع مع الآخر ونعيش مأساة رفض الآخر. هنا يرفض الآخر فى إطار التعامل اليومى، ليتحول لرفض الآخر من الإطار الدينى إلى الإطار السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى. هنا تكون الأرضية ممهدة وجاهزة لنشر وانتشار الفكر، أى فكر متطرف وخارج السياق الدينى والسياسى والمجتمعى، الشيء الذى يهدد الأفراد والمجتمعات والدول.
فى هذا الإطار وفى ظل هذا المفهوم بشكل عام وعى وإدراك الرئيس السيسى منذ تولى المسئولية خطورة دور ذلك الفكر الدينى غير الصحيح، والذى تعتمد عليه هذه التنظيمات وتلك الجماعات. ولذلك نجد أن قضية تجديد الخطاب والفكر الدينى هى قضية محورية ومهمة ضمن القضايا المتعددة التى يهتم بها لتحقيق الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية التى تقبل الآخر وتعلى وتؤكد حقوق المواطنة لكل المصريين فى مصر.. وطن كل المصريين.