الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

"منقذ" نادية مراد من "داعش": هربت من العراق بسبب ملاحقة التنظيم.. فوزها بـ"نوبل" أكبر تعويض لمعاناتي.. شقيقي قدم نفسه قربانا للتنظيم فداء لي وإخوتي.. والحكومة العراقية تعتبرنا تابعين للتنظيم

منقذ نادية مراد من
منقذ نادية مراد من داعش في حواره للبوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جرائم داعش.. سيشهد التاريخ بأنها الأسوأ فى عمر البشرية منذ بدء الخليقة، نظرًا لكم الجرائم الوحشية التى ارتكبها عناصره فى حق الإنسانية والشعوب التى وقعت تحت أسر تلك العناصر الدموية، والتى تفننت فى قتل وتعذيب أهل العراق من جميع الأطياف والأديان، منذ 2014 كان ملف الإيزيديين والجرائم التى ارتكبت من تنظيم داعش الإرهابى بحقهم هى الأسوأ والأشهر أيضًا.

كانت «البوابة نيوز» انفردت بالحوار مع نادية مراد فى ديسمبر 2015، حيث روت شهادتها وقصة هروبها قبل أن تدلى بشهادتها أمام مجلس الأمن بنيويورك، وهى الشهادة التى خلقت تعاطفًا كبيرًا معها ومع قضيتها، تكللت بحصولها على جائزة نوبل للسلام، ومن المنتظر أن تتسلمها فى ديسمبر المقبل بالعاصمة النرويجية أوسلو. لكن هناك عددًا من الجنود المجهولين الذين ساهموا فى حصول الأميرة الإيزيدية -كما يطلق عليها حاليًا- على الجائزة العالمية، وأبرز هؤلاء هو الشاب العراقى الشجاع عمر عبدالجبار، وهو مسلم سنى من الموصل، تمكن من احتوائها واحتضانها مع عائلته، حتى قام بتهريبها من جحيم داعش، وكان شاهدًا على خروجها من الموصل إلى إقليم كردستان العراق، قبل أن تفر إلى ألمانيا، إلا أنه لا يزال يعانى من الخطر.
يعيش عبدالجبار الآن فى ألمانيا مطاردًا من داعش والحكومة العراقية أيضًا، بعد انتشار نبأ تهريبه نادية مراد أو «مارتينا»، كما كانت تناديها أسرتها قبل سيطرة داعش على الموصل، وما ترتب عليه من تسليط الضوء عالميًا على معاناة الإيزيديين، وبمساعدة أحد العراقيين الذين يعيشون فى ألمانيا منذ سنوات «إدريس حسو» سهّل له خروجه من العراق واستقراره فى ألمانيا، وحفظ حياته مع الفتاة الإيزيدية من داعش.
الآن تكللت جهود نادية بالحصول على نوبل للسلام، ومن قبل تم اختيارها كسفيرة الأمم المتحدة للسلام، وجائزة الاتحاد الأوروبى لحقوق الإنسان، بينما يعيش عمر عبدالجبار فى المنفى إجباريًا، حيث خرج من العراق إلى تركيا، مرورًا ببلغاريا، صربيا، المجر، النمسا ثم أخيرًا ألمانيا، ويتنقل من مكان إلى آخر هربًا من خطر داعش وإمكانية استهدافه، واضطر إلى العيش بعيدًا عن أبويه وزوجته وطفليه، فى ضوء عدم قدرته على لم شمل أسرته ومكوثه للعام الثالث وحيدًا.
تواصلنا معه والاتفاق على مكان المقابلة الذى تغير أكثر من مرة، وذهبنا من برلين لمسافة ثلاث ساعات ونصف الساعة بالقطار لمقابلته، لتسليط الضوء على ما يتعرض له من مخاطر، والكشف عن تفاصيل ما حدث لنادية، مرورًا بفداء أخيه الأصغر لعائلته والاستشهاد على يد أفراد التنظيم الإرهابى، حتى استقراره فى ألمانيا على أمل رؤية زوجته وطفليه، حيث إنها كانت حاملًا فى الطفل الثانى وقت تهريبه للفتاة الإيزيدية وبسبب ذلك لم يره حتى الآن، وتفاصيل أخرى لم تكشف من قبل، وإلى الحوار..

■ كيف كانت الأجواء وقت تهريب نادية مراد؟
- عناصر داعش كانوا يستهدفون المساجد فى الموصل التى توجد بها مزارات الأنبياء والصالحين، مثل مسجد النبى يونس، وكنت أعمل «نجار مسلح»، وفى أحد أيام أكتوبر 2014 وفى الساعة ١٢ عند منتصف الليل كان باب المنزل يقرع بشدة، وكنا نشعر بخوف وقلق وتردد، حتى وجدنا فتاة منتقبة تطلب المساعدة، وتقول «أنا دخيلة»، وهى باللغة المحلية تطلب المساعدة والعون والاختباء، وسرعان ما أدخلناها المنزل، وحكت ما تعرضت له على يد داعش واغتصابها وبيعها أكثر من مرة، ومحاولتها الانتحار حتى تمكنت هذه الليلة من الهرب، ولم أستطع استكمال سماع المعاناة، وتركتها مع والدتى وأخواتى الفتيات تحكى لهن ما حدث، ثم تواصلت هى مع أخيها عبر هاتفى الخاص، واطمأن على وجودها معنا بأمان، حيث كان يحارب ضمن قوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق، وفى اليوم التالى ذهبنا بها إلى المستشفى، لأنها كانت منهكة وتمر بأزمة صحية كبيرة.
اتصل بى فى ذاك الوقت «إدريس حسو» وطلب مساعدتى فى خروج نادية مراد من الموصل وحتى خارج العراق، وتواصلنا على كيفية إرسالها إلى أقارب لها فى كركوك، وتواصلت مع أقارب لى وحصلنا على وثائق رسمية عراقية كى ننجح فى المرور من الحواجز الأمنية الشديدة التى يسيطر عليها تنظيم داعش، ونتيجة استيلاء التنظيم على المقرات الحكومية الرسمية، نجح بعض المهربين فى الحصول على أختام رسمية، ومن ثم سهل لى الحصول على وثائق تشير إلى أن نادية مراد زوجتى، ودفعت ٣٠٠ دولار مقابل هذه الوثائق، واخترت لها اسم «سوزان محمود»، واخترت لنفسى «عمار محمود» والتقطت لها صورة بهاتفى ثم قمت باستخراج صورة لها من خلال أستوديو، ووضعتها على الوثيقة، وبدأت أولى مراحل تهريبها من الموصل.

■ وكيف كانت نقاط التفتيش ومسار الهروب؟
- كانت لداعش نقاط تفتيش عديدة وشديدة الحراسة، وكانت نادية خائفة من اكتشاف أمرها، وعودتها لقبضة التنظيم مرة أخرى، ولمحت صورتها ضمن المطلوبات على أحد الحواجز الأمنية، وكنت حريصًا على عدم تواصل أى من أفراد التنظيم معها، وتعاملت معهم بلهجتى وثقافتى حتى لا يشكون بنا، وفور الخروج من آخر حصون داعش رفضت قوات البشمركة مرورنا لداخل إقليم كردستان، وتواصلت حينها مع «إدريس حسو» الذى سهّل لى دخول الإقليم من خلال التواصل مع «خيرى بوزانى» مسئول الأوقاف بإقليم كردستان، حتى نجحنا بعد معاناة لساعات فى الوصول إلى أقاربها، خاصة أنها من شدة التعب والخوف كدنا نصل إلى السليمانية، لكن حولنا المسار إلى أربيل فيما بعد، وكانت لحظات مؤثرة حين التقت بهم، وشعرت بفرحة كبيرة ممزوجة بالحزن على ما عانت منه، ووددت لو تمكنت من فعل ذلك مع فتاة أخرى لتفرح مع أسرتها مجددًا، وحينما حاولوا منحى أموالًا كمكافأة على ما قمت به رفضت ذلك، نتيجة رغبتى فى المساعدة إنسانيًا فقط.
بعد أربعة أيام من وجودى فى أربيل عدت مرة أخرى إلى أسرتى بالموصل، وهنا انتشر نبأ تهريبى لنادية، وبدأت عناصر داعش فى تتبع أسرتى حتى وصلوا إلى منزلنا بحى سومر، وجاءت ست عربات محملة بالمسلحين للقبض علىّ، وحينها هربت إلى سطح منزل الجيران ومنه إلى أماكن أخرى خارج الحى، وساعدنى على معرفة تفاصيل المكان للفرار من الوقوع فى قبضة التنظيم، حتى ساعدنى صديقى بالفرار مع زوجتى، وهى حامل بالشهر الثانى وطفلى الآخر إلى تركيا، لكن بعد مرور ثلاثة أشهر قررت الفرار إلى أوروبا لعدم توافر فرصة عمل أو مسكن مناسب، ونتيجة الأخطار التى قد تتعرض لها زوجتى وطفلى أعدتهما مع أسرة عائدة من تركيا إلى العراق.
■ صِف لنا تجربة الهروب الثانى لك وشعورك بالعزلة مجبرًا؟
- كنت أنتوى الفرار إلى إنجلترا ولم أفلح، لذا انتقلت من تركيا إلى بلغاريا، صربيا، المجر، النمسا، حتى الاستقرار فى ألمانيا، وخلال وجودى فى بلغاريا تعرضت للسجن ثلاثة أشهر نتيجة إصرارهم على ضرورة طلب اللجوء فى بلادهم، لكنى كنت أود تقديم الطلب فى ألمانيا، ودفعت ٥٠٠ يورو لأحد الضباط كى يسهل لى عملية الخروج من السجن، وبالفعل نجحت فى ذلك، حتى انتقلت إلى ألمانيا فى ١٥ مارس ٢٠١٥.

■ وهل كانت عملية الاستقرار فى ألمانيا سهلة أم واجهت صعوبات؟
- فى هذه الفترة كانت ألمانيا تتبع سياسة الباب المفتوح لجذب اللاجئين، وسلمت نفسى للشرطة طالبا اللجوء، وتم أخذ بصماتى والكشف الصحى، والبدء فى إجراءات اللجوء، وتأخرت القضية الخاصة بى لأكثر من عامين، حتى تواصلت مع الأخ إدريس حسو مجددًا، وسهل لى التواصل مع الجهات المعنية فى ألمانيا، وتدعيم طلب اللجوء بخطاب رسمى من حكومة إقليم كردستان العراق بأننى ساعدت نادية مراد فى الهرب من داعش، وحينها كانت قصتها تنتشر حول العالم، وبالفعل تم تسريع أوراقى حتى حصلت على بطاقة الحماية الثانوية، وبالرغم من أنها تسمح لى بالبقاء فى ألمانيا بشكل شرعى، لكنها لا توفر لى فرصة لم الشمل مع أسرتى وجلب زوجتى وأطفالى للعيش فى ألمانيا، على عكس حق الإقامة الذى يسمح بهذا الأمر.
■ وهل تتواصل مع نادية مراد فى هذه الفترة؟
- كنا نتواصل فور وصولها إلى ألمانيا، وكنت أشجعها على تقديم قصتها لدعم قضيتها، وأذكر أنها كانت مترددة فى الذهاب إلى الأمم المتحدة سواء فى جنيف أو نيويورك لتقديم شهادتها، ولكنى دعمتها وشجعتها على ذلك، ثم انقطع التواصل بيننا بعد انتقالها إلى الولايات المتحدة، حتى قامت بكتابة خطاب رسمى خلال زيارتها مؤخرًا للبرلمان الألمانى توضح فيه أننى كنت الشخص الذى هربها من قبضة داعش وضمه لملف قضيتى، وكما طلبت منها من قبل لم تكن تصرح باسمى وما فعلته معها خشية تعرض أسرتى لأى أخطار، لكن الفترة الأخيرة كشفت عن هويتى.
■ لماذا خشيت من قبل ولماذا كشفت هذه الأيام؟
- أهلى بالعراق كانوا فى خطر حقيقى، وكان أفراد التنظيم يمرون على منزلنا يوميًا، ويهددون والدى وأخوتى، وكلما اشتهرت نادية مراد وحازت تعاطفًا عالميًا، زاد تهديد التنظيم لأسرتى، حتى إنهم أخبروا أبى بأنهم سيأخذون أخواتى البنات عوضًا عن نادية، وهو ما دعا شقيقى الأصغر «على»، ٢٧ عامًا، بأن يبرم اتفاقًا مع أفراد التنظيم بالقتال معهم فى مقابل عدم تهديد أسرتنا مجددًا، وبالفعل انضم لهم لكنه لم يحارب كالباقين، بل كان يقوم بتقديم معلومات لى عن مقرات التنظيم وأسلحتهم، وكنت أنقلها لقوات حكومية، حتى اكتشف التنظيم أنه لا يقاتل معهم ولا يعتنق أفكارهم، ولا يقوم بالحاق العقاب بالمخالفين معهم، ما جعلهم يقومون بإعدامه من خلال إطلاق الرصاص على رأسه من الخلف، وزعموا بأنه قتل فى غارة، كما استشهدت أختى وأطفالها فى إحدى غارات تحرير الموصل.

■ وكيف تعيش أسرتك حاليًا وهل تتواصل معهم أم لا؟
- تفرقت عائلتنا منذ أن قمت بتحرير نادية، والتهديدات مستمرة من داعش، بل من الحكومة العراقية أيضًا، حيث تعتبر انضمام أخى للتنظيم هو دلالة على أننا ننتمى للتنظيم، فى حين أننى قمت بالفرار من الموصل فور دخول داعش، وتحملت كل ما مررت به من مخاطر، ونتيجة للوشاية أصبح كثير من الشباب فى السجون العراقية حاليًا، وأشعر بأننى ملاحق من الطرفين رغم كل ما قمته به، ولا تزال عائلتى تدفع ثمن ما قمت به، فأخى الأصغر استشهد على يد التنظيم، وأختى استشهدت أيضًا مع أطفالها الخمسة، بينما يعانى زوجها من فقدان عينه وأثار الحروق على جسده، ولم يعد معهم إلا أخى الأصغر محمد «١٥ عامًا» وثلاث فتيات، وأنا أعيش بالخارج وما زلت محرومًا من أسرتى الصغيرة أيضًا.
■ هل أنت نادم على ما فعلت؟
- لا لا، لو عاد بى الزمن لاخترت من قمت به مرات ومرات، ورغم صعوبة الوضع الآن فإننى لم ولن أشعر بالندم.
■ كيف ترى تعامل الألمان معك.. وهل تعانى من أى تمييز أو عوائق؟
- هم يتعاملون بقمة الإنسانية معى مثل كثير من اللاجئين، وحوالى ٨٠٪ منهم يرحبون بنا ويستفسرون عن أوضاعى، النسبة الأقل هى من ترفض بقاء اللاجئين هنا، ومررت بخطوات حكومية عديدة للبقاء، وبحثت عن فرصة عمل وسكن مناسب، ولكنى أتنقل من مكان لآخر لدواعٍ أمنية، وأتمنى فى القريب العاجل العيش مع زوجتى وأطفالى هنا، والاستقرار فى حياة جديدة.
■ كيف ترى نجاح نادية مراد عالميًا حتى وصولها إلى نوبل للسلام؟
- فرحت بفوزها، وأشعر بمرارة ما مرت به من معاناة، والذكرى الأليمة التى ستظل فى ذاكرتى، وكثير من وسائل الإعلام الأجنبية حاليًا تحاول الحوار معى وإلقاء الضوء على ما قمت به تجاه نادية، ولكن بداخلى أيضًا ذكرى أليمة، ومعاناة أسرتى بسببى تؤثر على نفسيتى، ولا أنسى أننى فقدت أخى الذى قدم نفسه لداعش فداء لى وعائلتى، لذا أتمنى لها مزيدًا من النجاح، وأن تكون ملهمة لغيرها من أبناء معاناتها.
■ ما رسالتك لأسرتك؟
- أتمنى رؤيتكم فى ألمانيا قريبًا، وسوف أكون الأسعد على وجه الأرض لو جاء والدى ووالدتى وأخواتى وزوجتى وأطفالى للعيش بجانبى.
■ وما رسالتك للحكومة العراقية؟
- نحن نحب بلادنا ونرجو لها كل الخير، ونأمل فى توفير الحماية لأسرتى بدلًا من زيادة التهديد لهم، فلا يوجد مفر من داعش والحكومة معا، وأتمنى أن تعود بلادنا كما كانت قبل الغزو الأمريكى، فقد كانت تنافس أبرز الدول الأوروبية فى التعليم والصحة وكل المجالات، ولكن منذ وقت الغزو والأوضاع فى تراجع ومن سيئ إلى أسوأ.
■ وما رسالتك الأخيرة إلى ألمانيا؟
- شكرًا على وجودى بينكم وأتمنى لكم الأمان والسلام، فمن عاش فى مناطق النزاع والصراع يعرف قيمة الأمان والسلام، وإن كنت أتمنى من الحكومة النظر فى طلبات اللجوء حسب الأخطار التى يتعرض لها كل فرد على حدة، وليس حسب المناطق الجغرافية القادمين منها.