الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

"مراد" يتحدث لـ "البوابة": فنانو السيرك شاركوا في احتفالية التمويه على خط النار في 1973.. "خدوا اللي في دماغنا قبل ما ينقضي العمر".. استخدمنا "البامبوك المعلق" في احتفالية قناة السويس بعبور أول سفينة

الفنان الدكتور عبدالله
الفنان الدكتور عبدالله مراد في حواره للبوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع اندلاع حرب أكتوبر المجيدة، انطلق أرباب الفن المصرى بكافة أشكاله فى محاولات لتخليد الانتصار العظيم، فسمع المواطنون المشتاقون لأية أخبار من الجبهة أغنيات مثل «بسم الله» و«عاش اللى قال» و«تعيشى يا ضحكة مصر» و«ابنك يقول لك يا بطل»؛ واعتاد المتفرجون فى كل عام مُشاهدة أفلام «العبور العظيم» و«الرصاصة لا تزال فى جيبي» و«بدور»؛ بينما جاءت الكثير من الكتابات لتخليد بطولات وحكايات المصريين من الانكسار إلى الانتصار، مثل «حكايات الغريب» و«الحرب فى بر مصر»؛ كذلك أبدع التشكيليون الذين شاركوا فى الحرب فى رسم مشاهداتهم خلال المعارك. وخلال الأعوام التى تعاقبت على ما اقترب من نصف قرن، تغيرت ملامح المجتمع والدولة المصرية، وشهدت قوتها الناعمة الكثير من فترات النهوض والانحدار، فمن عمالقة الأدب إلى عصر الأكثر مبيعًا، ومن ملحنين عظام إلى المهرجانات؛ أما السينما، فقد قاومت الواقعية الجديدة هبوط أفلام المقاولات، ليصعد فى فترة فاصلة المضحكون الجدد، وتراجع شباك التذاكر أمام أفكار السينما المستقلة التى قادت الألفية الجديدة.
فى الذكرى الخامسة والأربعين لبدء معركة التحرير، تستعيد «البوابة» عبر صفحات هذا الملف، المعارك الأخرى التى خاضتها القوى الناعمة المصرية طيلة هذه الأعوام، ومرحلة إعادة بناء مؤسسات الدولة الثقافية، وأشكال الفنون التى أثّرت فى المجتمع وتأثرت به، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه.
«الترابيز» واحدة من أهم وأخطر الألعاب التى يتميز بها فنانو السيرك القومي، عندما تشاهد لاعبها وهو يحلق فى الهواء من نقطة البداية حتى النهاية وتلاقى زويه دون أن يصطدم بالآخر، ويقدم أخطر الألعاب الهوائية فى مخاطرة لإسعاد الآخرين على كل المستويات، لينبهر منها المشاهدون، ويتمتع بها اللاعبون بالقوة واللياقة البدنية العالية وسرعة البديهة هذا ما تخصص فيه الفنان الدكتور عبدالله مراد، ومدير عام السيرك القومى الأسبق، ذلك الفنان الذى ذاع صيته فى جميع دول العالم من خلال هذه الفقرة، فنان السيرك يخاطر بحياته مقابل إسعاد الآخرين على كل المستويات، فنان متجدد المهارات والخبرات والقدرات الفنية حسب قدراته الإنسانية والبدنية.
لم يكتف بهذه اللعبة فقط، ولكن انضم لعالم الفن أيضا فى السينما والتليفزيون والمسرح، كان فيلم «صاحب الجلالة» أول ظهور له بالسينما فى ١٩٦٣، «عفريت مراتي»، «لف ودوران»، وصاحب الدور المميز فى مسرحية «البهلوان»، «البغبغان»، وفى الدراما «الأبطال»، «الملك فاروق»، «رقم مجهول»، «ليالى أوجيني» وغيرها من الأعمال التى جعلته يتفرد بمكانه فنية ورياضية متميزة.
التقت «البوابة» الفنان الدكتور عبدالله مراد، مدير عام السيرك القومى الأسبق، ليتحدث عن تجربته مع فن السيرك ومشاركته ومساهمته فى دعم قواتنا المسحلة منذ ١٩٦٧ وحتى يوم النصر والعزة والكرامة أكتوبر ١٩٧٣، وتدريبه لسرية ضباط العمليات الخاصة لوزارة الداخلية على السلاح الأبيض، والمشاركة فى احتفالية افتتاح قناة السويس أمام عبور أول سفينة بحرية.

■ كيف شارك فنانو السيرك فى حرب ١٩٧٣؟
- شارك عدد كبير من فنانى السيرك فى حرب أكتوبر ١٩٧٣م من بينهم الفنان نايف حامد، لاعب العقلة الشهير، بسلاح المدرعات وغيره، فكان لى نصيب الشرف بالمشاركة فى دعم زملائى فنانى السيرك فى مشاركتهم فى احتفالية التموية بإقامة بعض العروض الفنية على خط النار فى الضفة الغربية للقناة، وكان العدو ينظر للمصريين على أنهم يحتفلون ويلهون ولم يبادروا بالحرب، فهم مغيبون عنا جميعا، إلا وقامت لحظة الانتصار وتحطيم خط بارليف، وأخذ الجنود المصريون يداهمون العدو وانتصرت مصر وعادت لها الكرامة والعزة، ومن أشهرها فقرة المهرج «مشمش وبندق» التى قدمها رفعت عبدالرحمن، والسيد الكيلاني، التى أسعدت الكثير من هؤلاء الجنود، وساعدت على رفع الروح المعنوية لهم، الذين شرفونا فى حرب ١٩٧٣، وتم تكريم هؤلاء الفنانين من خلال احتفالية كبيرة بالسيرك القومي.

■ ماذا عن مشاركتك فى حفل افتتاح قناة السويس؟
- استدعيت للمشاركة فى حفل افتتاح قناة السويس، وكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى بورسعيد مع الوفود الدولية يشهد حفل الافتتاح، وقدمت حفلا لفنون السيرك على شط القناة فى السويس أمام بورتوفيق، وشاركت أنا وزوجتى لويزا حكيم بفقرة «البامبوك المعلق» فى تركيبة فريدة تحدث لأول مرة، من خلال أعمدة الفراشة الخشبية التى تم تركيبها بطريقة معينة، مثل العقلة الثابتة بنفس ارتفاع هذا العامود، وقدمنا تلك الفقرة أمام عبور أول قافلة بحرية من السفن فى قناة السويس بعد تحرير القناة وتطهيرها بعد حرب ١٩٧٣. فالسيرك القومى له دور كبير ومتميز ورائد مع باقى زملائنا الفنانين فى تنويعاتهم الفنية الغنائية أو الموسيقية أو الكوميدية، أو التمثيلية فى رفع الروح المعنوية لجنودنا المصريين البواسل بداية ١٩٦٧ حتى الفرحة بالانتصار فى أكتوبر ١٩٧٣، وكان لنا نصيب الشرف كفنانى السيرك بالمساهمة والمشاركة فى رفع الروح المعنوية لهؤلاء الجنود وتماثلهم فى عودة قوتهم مرة أخرى، فكانت من العوامل المهمة لنزع حالة اليأس والهزيمة من داخلهم والتفكير فى المقبل بنفس وروح وإشراقة جديدة من أجل الثأر والانتصار والمساهمة فى تقديم العروض الفنية الكوميدية والساخرة بالعدو، مؤكدا أن السيرك القومى كان له الدور الوطنى إلى جانب الدور الترفيهى العام، فهو أحد الفنون التى أثبتت أنها مصرية الأصل وستظل مصرية الأصل.

■ ماذا عن تكليفك من قبل وزارة الداخلية بتدريب ضباط العمليات الخاصة على استعمال السلاح الأبيض؟
- أسعدنى الحظ بتكليفى من قبل وزارة الداخلية بتدريب سرية من ضباط العمليات الخاصة بالوزارة على استعمال السلاح الأبيض، فور عودتى من بعثة الاتحاد السوفييتي، وعقب اغتيال الأديب يوسف السباعى فى قبرص، وتم استدعائى واتجهت إلى معسكرات الدراسة لتدريب ما يقرب من ٢٢ ضابطا، ولم أتردد لحظة وكان بعد هزيمة ١٩٦٧، واستمررت فى تدريبهم لمدة ٣ شهور على السلاح الأبيض، إلى أن قاموا بعملية خاصة فى صعيد مصر على منابع البؤر الإجرامية التى أثارت الزعر فى البلاد، وتم استهدافهم جميعا والقبض عليهم دون طلقة رصاص واحدة، وتم ذلك بالسلاح الأبيض فقط، حتى تم جمع الأسلحة، وساعد هؤلاء الضباط على نشر الأمن والأمان فى جنوب الوادى دون سلاح ناري، ووجهت وزارة الداخلية لى خطاب شكر وتقدير على هذا الإسهام والمجهود الذى قدمته نحو خدمة الوطن، ومنحتنى الوزارة مكافأة بما يعادل مرتب شهرين دون أى استقطاعات، ولكن المكافأة الحقيقية هى لقائى بأحد ضباط هذه السرية فى أى مكان فيقوم الكثير منهم بالتحية والشكر لي، فالسيرك القومى ساهم فى دعم العملية الأمنية والدفاع عن اسم مصر وما زال يقوم بهذه المهمة وقت أن يتم الاحتياج إليه.

■ ما الفرق بين جيل أكتوبر والجيل الحالى؟
- الفرق كبير، بمعنى أن الجيل هو نتاج القيم الاجتماعية والتربية الأسرية، فالأسرة اليوم توجهت اهتماماتها بالاحتياجات اليومية فقط، ومعظم هذه الأسر المنتجة لشباب الآن مغيبة تماما عن الاهتمام بشباب اليوم، نتيجة اهتماماتها بمشاكلها الاقتصادية واحتياجاتها الشخصية، فأصبح شباب اليوم مغيبا وفريسة سهلة للأفكار التى ينشرها المغيبون عن ما هو الوطن، وما احتياجات الوطن، وما مدى الاهتمام برعاية أبناء وشباب الوطن.
هؤلاء المغيبون والمهتمون بمصالحهم الخاصة أى كانت توجهاتهم الفكرية أو الاقتصادية أو الدينية كلها مصالح خاصة، هذه الاهتمامات بكل النواحى الأخرى التى تم ذكرها ما هى إلا تغطية لمكتسباتهم الخاصة، بتجنيد الأجيال الجديدة لتنفيذ أغراضهم ثم الحصول على مكاسبهم، فالمكاسب لا تعود ولن تعود للوطن ولن تعود على هؤلاء الشباب الذين يصبحون هم ضحية لصالح هؤلاء القلة المستغلة لأفكار الشباب، ولكن جيل أكتوبر وما بعده بسنوات عدة يتمتع بالقيم والمبادئ والأخلاق الحميدة، جيل يخشى ما يفعله من أخطاء أمام الآخرين عكس ما نراه فى الوقت الراهن.

■ لماذا لم تجسد هذه المشاركات فى أعمال فنية حتى الآن؟
- يرجع ذلك لغياب المؤلف والمخرج ورغبته فى ضم كل عناصر العاملين بالأعمال الفنية أيا كانت درجاتها الفنية وإظهار دورهم ومشاركتهم فى تلك المرحلة التاريخية التى لن تتكرر.
■ كيف ترى تجربتك مع فن السيرك؟
- فن السيرك أحد الفنون الشاملة بكل نواحى الفنون فى مصر، فهو فن جماهيرى وحى ومباشر، ويعتمد على قدرات الإنسان بكل إمكانياته الذهنية والفكرية والبدنية، بمعنى أن السيرك يحتاج الفنان الذى يتمتع بقدرات رياضية عالية، بالإضافة إلى الفنان الجرىء، والواعى كاملا بمقتضيات الجمهور ومستوياته الثقافية، ففى السيرك فقرات المهرج لكى يكون فنانا يضحك مع الجمهور ولا يضحك عليه، ويجيد معالجة المشاكل الاجتماعية من منظوره الكوميدى الضاحك لإسعاد كل المستويات الثقافية والعمرية بداية من الأطفال إلى كبار السن، من المثقف العالى إلى صاحب الثقافة المحدودة.
واجتذبنى فن السيرك منذ شبابي، حينما شاهدت الأفلام العالمية عن فن السيرك فيلم يسمى «الترابيز»، وكان من بين أبطاله الفنان الراحل جميل راتب، قدم فى السينما العالمية فى الخمسينيات، وبيرت لانكستر، تونى كيرتس، جينا لولو بريجيدا، هذا الفيلم كان يتحدث عن الترابيز، وكنت أحد لاعبى الجمباز فى تلك الفترة ١٩٦٢، وأحد أبطال الجمهورية اجتذبنى أن الدولة تسعى لإنشاء سيرك قومى مصرى برعاية الدولة فى ١٩٦٢، وسارعت لمقابلة المسئولين لمقابلة الخبير والمخرج الروسى «بيتر مايسترنكو»، الذى رحب بنا كأبطال مصر فى الجمباز، من بينهم الفنان الراحل داخلى أمين، أحمد غنيم، فاروق سليم، ومن أعضاء الأندية الراحل منير ناصف، فهمى رشاد فهمي، إلى أن ضمنا للسيرك. وحسب رؤية الخبير الروسى قام بانضمامى إلى فقرة «الترابيز» التى أصبحت أحد رؤسائها الأوائل فى السيرك، واستمرت رحلتى فى السيرك وابتعدنا قليلا عن الجمباز، واستقررنا بتدريبات مركزة للسيرك خلال الفترة من ١٩٦٢، حتى تم افتتاح السيرك فى ١٣ يناير ١٩٦٦ وهذه الفترة كانت الدولة مهتمة بمختلف أنواع الفنون الاستعراضية التى تحافظ على الرائحة القومية للفن المصري، مثل فرقة رضا للفنون الشعبية، والفرقة القومية للفنون الشعبية وفرق الغناء الشعبي، بالإضافة إلى السيرك كفن شعبى قديم جدا فى مصر.

■ كيف ترى حال السيرك القومى الآن؟
- يحاول السيرك القومى فى الوقت الراهن أن يعود لقيمته العالمية الفنية فى محاولات جادة بكل نواحى العمل فى السيرك، سواء الفردية أو الجماعية أو ترويض الحيوانات، فهو فى مرحلة عودة الروح وبقوة، وأدعوا الله أن أكون أحد عناصر عودة هذه الروح، وأطالب الجهات المعنية أن: «يخدوا اللى فى دماغنا قبل أن ينقضى العمر».
■ ماذا عن موسوعة تاريخ السيرك فى مصر والعالم؟
- حفزنى هذا الموضوع لما شاهدته أثناء البعثة من توثيق انسكلوبيديا السيرك المصغرة عنه والموجودة فى المكتبات الروسية، بمعهد السيرك الروسي، التى توثق فن الأكروبات والجنجلير والكاوتشوك وفنون السيرك التى عرفت فى مصر منذ آلاف السنين، بالإضافة إلى ما شاهدناه فى الصين، وبداية انتشاره من مصر عبر اليونان والإمبراطورية الرومانية، وفى المقاطعات الرومانية فى فرنسا ونشأتها، وظهوره فى روسيا القيصرية، والهند، وإنجلترا، والولايات المتحدة فى القرنين التاسع عشر والعشرين، واستمر فى استعراضه لأكثر من ١٥٠ عاما، حتى أغلق فى مارس ٢٠١٨ بعد استمراره ونجاحاته الذى حققها فى العالم. وأيضا فى أستراليا، والجزائر وكل دول العالم، الذى أثبت فى نهاية الأمر أن فن السيرك مصرى النشأة، من خلال الدولة المصرية والثقافية فى العصر الفرعوني، والوسطى، والإسلامى والحديث، وكان سببا فى انتشاره فى الشرق الأوسط، والدول الأفريقية، وأدعوا من يتبعنى فى استكمال المسيرة وتسجيل ما قد يكون خفى عني، ففن السيرك لن يختفى بل سيزداد انتشاره، حيث تم الانتهاء من تلك الموسوعة فى عام ٢٠١٧، وجار طباعتها بالمركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، وسوف تظهر للنور قريبا، فهذه الموسوعة بمثابة إثبات حق مصر الأدبى والتاريخى فى هذا الفن.
■ ما الرسالة التى توجها للشباب الآن؟
- حافظوا على الأسرة وعلاقاتكم مع آبائكم وأمهاتكم، والاهتمام بالرعاية والالتزام بمبادئ الدين الإسلامى أو المسيحى الصحيح بعيدا عن أى أفكار أخرى، الدين لله.. والوطن للجميع، فعليكم بالتفكير نحو مستقبل مشرق كى تشرق لكم سماء الغد.