الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

حرب أكتوبر تكشف الوجه الإرهابي لـ"إخوان سوريا"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم تكن حرب أكتوبر 1973، التى يطلق عليها السوريون حرب «تشرين» نصرًا للعرب على إسرائيل فحسب، بل كانت نصرًا على مختلف المحاور، وعلى رأسها انكشاف حقيقة الإسلامويين فى سوريا، خاصة جماعة الإخوان، والسلفيين بمدارسهم المختلفة، التى دفعتهم فيما بعد إلى التمادى فى العمل الإجرامي.

وكان موقف جماعة الإخوان، والإسلامويين من الحرب بدءًا من حرب 1967، وانتهاءً بنصر أكتوبر 1973، دليلًا على عنف الجماعة الإرهابية التى شككت فى النصر، واتهمت القيادات العسكرية بالخيانة، وأدت الحرب دورًا مهمًّا فى تطور الجماعات الإسلامية وتصعيدها المسلح، إلى أن انتهى وجودها تمامًا، إلى تحت الأرض، وهو الوضع الذى ظل قائمًا فى سوريا حتى بداية 2011، وما ظهر من كيانات مسلحة، عانت سوريا بسببها كثيرًا إلى الآن.


الاندماج مع السلفيين.. ونشأة العنف

تأسس فرع جماعة الإخوان فى سوريا عام ١٩٤٢، على يد طلاب جامعيين تأثروا بالوضع العربي القائم، وبمبادرة من مصطفى السباعي (مؤسس الإخوان فى سوريا)، وحاولت الجماعة نشر مبادئها فى المدن السورية، وأصبح لها عدة معاقل فى مدن حماة وحمص ودمشق.

وبسبب الفوضى السياسية التى ضربت البلاد فى هذا العصر، والانقلابات المتتابعة، استطاعت جماعة الإخوان أن تُشكل جزءًا من حركات المعارضة فى سوريا، فأصبح لها عام ١٩٤٦ مقاعد فى البرلمان، مكَّنتها فيما بعد أن تصبح جزءًا من الحكومة عام ١٩٦٣، وفق كتاب «مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام ١٩٥٤»، لمراقب الجماعة فى سوريا عدنان سعد الدين.

وبمجرد وصول حزب البعث السورى إلى السلطة، أدرك خطورة جماعة الإخوان، وسعى إلى إضعافها مجتمعيًّا وسياسيًّا، وانتهى ذلك بإصدار قرار بحظر الجماعة عام ١٩٦٤، وكانت هذه بادرة ظهور الجماعة فى سوريا على حقيقتها، فحمل بعض عناصرها السلاح، واغتالوا مسئولين حكوميين، إضافة إلى تنفيذ عدد من التفجيرات بمبانٍ حكومية ومكاتب حزب «البعث»، من خلال ما عرف فيما بعد بـ«الطليعة المقاتلة».

كانت جماعة الإخوان على رأس الجماعات التى رفضت الوحدة بين مصر وسوريا، وبحلول عام ١٩٦٤ بدأت تستغل الأحداث لتنحو منحىً طائفيًّا بعد أحداث «بانياس» الدموية بين السنّة والعلويين، ودخلت فى صدام مع الدولة، وبدأت جماعة الإخوان حالة من القطيعة والعداء مع الدولة، وتحولت جمعياتها إلى مجرد جمعيات خيرية ومجلاتها إلى مجلات ثقافية.

ومع الهزيمة فى حرب ١٩٦٧ واحتلال إسرائيل مرتفعات الجولان السورية، فرحت جماعة الإخوان فى الهزيمة، وبدأت تتاجر بها فى حربها ضد النظام السوري البعثي، لكن الحكومة السورية حينها أرادت أن تُطلق العنان للإسلاميين للمشاركة فى الحشد الشعبي، فأفرجت عن جميع المعتقلين السياسيين، وكان منهم بعض قيادات الإخوان والسلفيين مثل «محمد ناصر الدين الألباني»، وهو ما سمح للجناح المسلح للجماعة بالانتشار وتوسع عملياته، ضد الدولة فاضطرت الدولة إلى إلقاء القبض على كثير من الإسلاميين، من بينهم «الألباني» الذى أُعيد إلى المعتقل فى سجن الحسكة شمال شرق سوريا.


كانت «السلفية» رفيقة الإخوان فى مراحلها المختلفة، منذ نشأتها الفعلية، فى سوريا، بل كانت أكبر معاقلها هى المدن نفسها التى تسيطر عليها جماعة الإخوان منذ نشأتها فى دمشق وحلب، ورغم كون «السلفية» سبقت جماعة الإخوان إلى هذه المدن، فإنها رضيت بأن تكون التابع المطيع، وتركت للجماعة السيطرة والصدارة.

ولم تنجح الدعوة السلفية فى اختراق المجتمع السورى فى العمق، وبقى تأثيرها مقتصرًا على فئة من متعلمى المناهج الحديثة، خاصة مع انتشار جماعة «الإخوان» فى سوريا، ونجاحها فى استقطاب التشكيلات الإسلامية الناشئة -وفق دراسة على العبدالله «سلفيو سوريا والثورة» على موقع الجمهورية نت ٢٠١٣.

وبحسب كتاب كمال ديب (الحرب السورية، تاريخ سوريا المعاصر ١٩٧٠ – ٢٠١٥)، فإن جماعة الإخوان أخذت من موقعها المذهبى السُني، تهاجم نظام الحكم الذى يرأسه حافظ الأسد بأنه حكم علوي، وأن ادعاء نظام العلمنة ليس سوى جريمة أخرى تعكس هرطقة العلويين، فقد كان حزب «البعث» يحقق صعودًا غير مسبوق، خاصة فى أوساط السنة منذ الخمسينيات، ما أغضب الإخوان وصعّد عداءهم للبعث.

لقد كانت المواجهة بين البعث العلمانى وحركة «الإخوان» الدينية كأنها قدر لا يُرد، إذ منذ خروج الحزب السورى القومى الاجتماعى عام ١٩٥٥ وإضعاف الحزب الشيوعى خلال ٢٠ عامًا من الانقلابات بعد الاستقلال، خاصة منذ انقلاب ١٩٦٣، بقى الإخوان خصمًا رئيسيًّا للبعث فى سوريا.

وحاولت جماعة الإخوان فى صورتها الرسمية مرارًا التبرؤ من جناحها المسلح المعروف بـ«الطليعة المقاتلة»، وأنكر «عصام العطار» المراقب العام للجماعة فى سوريا علاقته بهذا التنظيم المسلح، نافيًا إيمان الجماعة بما نادى به مؤسس الطليعة مروان حديد، من اللجوء إلى الحل العسكري، للوصول إلى السلطة، إلا أنها لم تفصلهم من الجماعة أو تتخذ معهم أى موقف فعلي، بل وصل الأمر إلى أن أصبح «مروان حديد» قائد أحد الاتجاهات الثلاثة داخل الجماعة، عام ١٩٧٠ عقب ما عُرِف حينها بالحركة التصحيحية التى قام بها حافظ الأسد، فاضطرت الجماعة إلى إعادة تنسيق أوراقها، وانقسمت إلى ثلاث مجموعات هي: «جماعة حلب»، التى انتخبت «عبدالفتاح أبوغدة» مراقبًا عامًّا، و«جماعة دمشق» التى نادت بالدكتور «حسن الهويدي»، والاتجاه الثالث الذى اعتبر نفسه محور الشرعية والتوحيد، وعلى رأسه «مروان حديد»، وكاد يصل إلى المراقب العام للجماعة.

لم تكن جماعة الإخوان بالإنصاف الكافى لتعترف بمكاسب الجيش السورى فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، إذ تلقت هزيمة منكرة فى معركة الدستور السورى الصادر فى مارس ١٩٧٣، حين استنفر الإسلاميون (الإخوان والسلفية) على المواد المتعلقة بـ«دين رئيس الجمهورية» ودور الشريعة الإسلامية فى التشريع، وتحرك على إثرها التنظيم «الطليعي»، وشارك فى أحداث الدستور ١٩٧٣، وهاجم مراكز الحزب البعثى والمنظمات الشعبية وبعض المقاهى والبارات، فادعت الجماعة أن الجيش السورى سلَّم القوات الإسرائيلية بضعًا وثلاثين قرية وذرى جبل الشيخ، لتكون دمشق فى مرمى مدفعية العدو، ولتكون الأرض السورية فى متناول العين المجردة، وبدأت الجماعة حشدها المضاد ضد الدولة السورية.


وعلى الجانب السلفي، فبعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، نشأ فرع جديد من الفروع السلفية السورية وهو الفرع السلفى العلمي، وكان انتشاره بالأساس فى الأقلية القوقازية الشركسية، وعلى رأسهم جودت سعيد، وكانت تدعو إلى فلسفة إسلامية تنبذ العنف، خاصة بعد أن اعتقل سعيد عدة مرات فى موجات الاعتقالات التى أصابت الإسلاميين بعد أحداث العنف التى تسببت فيها جماعة الإخوان، وكان جودت سعيد قد أطلق نظريته عن اللاعنف قبل ذلك منذ عام ١٩٦٦، فى كتابه «مذهب ابن آدم الأول: مشكلة العنف فى العالم الإسلامي»، الذى جاء ردًّا على اتجاه الإخوان نحو ممارسة العنف السياسي، إلا أن منهجه لم يلقَ رد الفعل القوى والتفاف العشرات من أبناء التيار حوله إلا فى أعقاب حرب ١٩٧٣، وبدأ الصدام الفعلى مع الدولة، السورية، خاصة أواخر الثمانينيات بحسب دراسة (السلفية والسلفيون فى سورية: من الإصلاح إلى الجهاد)، لـ عبدالرحمن الحاج.

استمرت الجماعة فى عملياتها العدائية تجاه النظام السوري، خاصة مع وفاة «مروان حديد» فى السجون يونيو ١٩٧٦ إلى أن تم التوصل إلى مبادرة مصالحة بين الحكومة السورية وجماعة الإخوان فى أواخر السبعينيات بقيادة «أمين يكن»، والتى أدت إلى إطلاق سراح المئات من أعضاء التنظيم الإخوانى وقياداته، فى توجه حقيقى لحل الأزمة، لكن جماعة الإخوان لم تبقَ على عهدها طويلًا، إذ سرعان ما انقلبت على المصالحة، وأثارت الشعب على نظام البعث السوري، وتابع مسلحوها سلسلة هجماتهم الإرهابية، حتى طالت الخبراء السوفييت الموجودين فى سوريا، وهو ما تُوج فى النهاية بمجزرة مدرسة المدفعية فى مدينة حلب شمال سوريا، ١٦ يونيو ١٩٧٩.


قام قائد «الطليعة المقاتلة» «عدنان عقلة»، رفقة الضابط المناوب النقيب إبراهيم اليوسف، بدعوة مجموعة من طلاب مدرسة المدفعية إلى قاعة الندوة، ثم أطلق النار عليهم، فسقط معظمهم بين قتيل وجريح، كما حاولت جماعة الإخوان فى يونيو ١٩٨٠، اغتيال الرئيس الراحل حافظ الأسد، وعقب اغتيال الرئيس محمد أنور السادات وما لقيه الخبر من شماتة الإسلاميين فى سوريا، حاولوا توسيع دائرة الصدام وتنفيذ عدد من الاغتيالات، وفتح الإسلاميون باب التطوع للجهاد فى سوريا لاستقطاب الشباب المقاتلين من أنحاء العالم كله.

فى عام ١٩٨٠، أعلن قيام الجبهة الإسلامية لإنقاذ سوريا، والتى تلاها إصدار بيان تشكيل الجبهة بعنوان: «الثورة الإسلامية فى سوريا ومنهاجها»، وكان ذلك إعلانًا رسميًّا صريحًا عن تحول جماعة الإخوان إلى فكرة الجهاد، وفكرة الدولة الإسلامية، فأصدر الرئيس حافظ الأسد قانونًا بحظر الجماعة عام ١٩٨٠، ويعاقب بالإعدام كل من ينتمى لها، وهو ما كتب لسوريا عدة أعوام من الهدنة، نتيجة هروب عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة خارج البلاد.

 

وحسب دراسة، فكثير من السلفيين الذين أسسوا فيما بعد السلفية الجهادية هم من قيادات الصف الثانى والثالث فى تنظيم «الطليعة المقاتلة» التابع لجماعة الإخوان، خاصة أبومصعب السورى وشاكر العبسي، الذى أصبح لاحقًا زعيم تنظيم «فتح الإسلام» بلبنان، كما أن كثيرًا من قيادات تنظيم القاعدة فيما بعد تأثروا تأثيرًا مباشرًا بأفكار «مروان حديد»، وتنظيم الطليعة المقاتلة، وتأثر عبدالله عزام (يوصف بأنه رائد الجهاد الأفغانى ومن أعلام جماعة الإخوان)، بفكر مروان حديد الذى يقوم فى جوهره على فكرة قلة مجاهدة تقود المعركة وتعمم الثورة، وهى الأساس ذاته الذى قامت عليه فكرة (تنظيم القاعدة).

وراوغت جماعة الإخوان من الخارج، وحاولت التبرؤ من مجزرة مدرسة المدفعية، إلا أن قيادات الطليعة أعلنت مسئوليتها عن العملية، وحاولت قيادات الجماعة أن تحتوى الطليعة تنظيميًّا وسياسيًّا بأن تضغط عليها ماليًّا وتسليحيًّا، ونتيجة وطأة الحصار الأمنى والضغط السياسى أخذت قيادة الداخل تستعجل قيادة الخارج بالحسم العسكري

واستجابت قيادات جماعة الإخوان فى الخارج -المتخذة من أحد قصور العاصمة العراقية بغداد مقرًّا لها- لضغط المسلحين فى الداخل، وأعلنت النفير العام، فاحتل المسلحون «حماة» فى ٢ من فبراير ١٩٨٢، وسيطرت القيادة الإخوانية الميدانية على المدينة عشرة أيام، ودخلت المدينة فى اشتباكات موسعة بين قوات الإخوان والنظام السوري، وقتل الآلاف من المدنيين إلى أن أعيدت السيطرة على حماة ٢٠ من الشهر نفسه.

وهو ما يُعدُّ بداية الحركات الجهادية السرية المسلحة، وتراجع السلفية العلمية وسلفيات اللاعنف التى أغلقت جمعياتها وصحفها مثل جمعية «التمدن الإسلامى» عام ١٩٨٢، خاصة مع الغزو الأمريكى للعراق عام ٢٠٠٣، فبرزت «السلفية الجهادية» فى سوريا، وكان توجهها نحو العراق وليس نحو الداخل، وتسببت فيما عانت منه سوريا لاحقًا فى أعقاب الحرب التى انطلقت عام ٢٠١١، وفق دراسة محمد سيد «رصاص الفشل الثانى لتيار الإسلام السياسى».


معركة ما بعد الطليعة

بقيت الدعوة السلفية خارج الصراع السياسى مكتفية بنشر الفكر السلفى فى المجتمع ومدافعة عما يرونه بدعًا محدثة، من خلال الدروس والمحاضرات وتحقيق كتب التراث التى تعكس الموقف السلفي، وتأليف كتب جديدة بلغة معاصرة، إلا أن النظام السورى رأى فى ذلك فرصة للتخلص من الجماعات الإسلامية المستقلة، فأبعدت عددًا من مشايخ السلفية، مثل ناصر الدين الألبانى إلى الأردن عام ١٩٨٠، ومنعت عبدالقادر أرناؤوط من القيام بأى نشاط دينى أو دعوي، واكتفى النظام السورى بالوسطيين من المشايخ مثل (أحمد كفتارو، ومحمد سعيد رمضان البوطي) والجماعات الدعوية (القبيسيات والتبليغ والدعوة والأحمدية)، والمعاهد التى تدرِّس الفقه التقليدى مثل (معهد النور لكفتار).

سعت الدولة السورية إلى القضاء على الاتجاه الإسلاموي الذى يحمل أفكار العنف والمذهبية والعصبية، وقاومته على عدة اتجاهات إلى جانب المحور الأمني، كان أظهرها الدفع بالبديل الوسطي، فسمحت السلطات السورية للشيخ سعيد البوطى بنشر أفكاره ودخول الحروب العلمية مع التيارات الأخرى، خاصة بعد أن تعرف عليه الرئيس حافظ الأسد عام ١٩٨٠، حين ألقى كلمة بجامعة دمشق، فى مهرجان خطابى كبير دعت إليه وزارة الأوقاف السورية، ونالت كلمته إعجاب الرئيس الأسد واهتمامه، لما وجده من نبذ للعنف والتصدى للأفكار الفئوية والعصبية والمذهبية.

كما دخل «البوطي» فى عدد من الحروب الدينية لمواجهة أفكار الإخوان والسلفيين، بدءًا من الألبانى فى سوريا، وصولًا إلى الزمورى فى الجزائر الذى ألّف فيه كتابًا بعنوان: «مزاعم الدكتور البوطى فى تبرئة جبابرة الحكام وتأثيم دعاة الإسلام».