الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فوبيا الإسلام «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتابع ديبا كومار أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة روتجرز فى كتاب «فوبيا الإسلام والسياسة الإمبريالية» والذى نقلته إلى العربية أمانى فهمى والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة، بقولها: وقد استخدمت حجة «عبء الرجل الأبيض» هذه، بأشكال ومظاهر شتى، من قبل كل دولة إمبريالية منذ ذلك الحين. وأثناء التسعينيات، كان الاتجاه الاستيعابى هو السائد فى واشنطن. وأعلنت إدارة بوش فى مدة ولايته الأولى أن «حكومة الولايات المتحدة لا تعتبر الإسلام» العدو المقبل الذى يواجه الغرب ويهدد السلام العالمى، وواصلت إدارة كلينتون العمل فى هذا الإطار.
وكما صور أنتونى ليك، مستشار الأمن القومى لكلينتون، الأمر: فى يناير ٢٠٠٧، أعدت مجموعة قيادية معنية بالعلاقات بين الولايات المتحدة والمسلمين ترأسها مادلين أولبرايت، وريتشارد آرميتاج (النائب السابق لوزير الخارجية فى عهد جورج دابليو بوش) وعدة أكادميين من أمثال والى نصر وجيسكا ستيرن وأمريكيين مسلمين من أمثال ديزى خان وإمام فيصل عبدالرؤف (المشهور بمشروع دار قرطبة)، وثيقة بعنوان «تغيير المسار: اتجاه جديد لعلاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامى» وقد نالت الوثيقة مديحًا شديدًا من شخصيات سياسية من أمثال السيناتور ديك لوجار، وهوارد بيريمان عضو الكونجرس، وليون بانيتا (الذى سرعان ما أصبح مدير وكالة المخابرات المركزية ثم أصبح وزيرًا للدفاع) وكذلك من جنرالات سابقين من أمثال أنتونى زينى وقد ذكرت تلك الوثيقة فى صفحاتها الاستهلالية أن عدم الثقة بالولايات المتحدة فى البلدان التى يمثل فيها المسلمون أغلبية هو نتاج «سياسات وأفعال لإنتاج صراع حضارات» ومضت الوثيقة: «إن إلحاق الهزيمة بالتطرف العنيف يقتضى القوة العسكرية ولكن تلك القوة ليست كافية، وإن الولايات المتحدة من اللازم أن تصوغ».
«مبادرات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وثقافية». وحث التقرير قيادة الولايات المتحدة على تحسين «الاحترام والتفاهم المتبادل بين الأمريكيين والمسلمين»، والعمل على تحسين «الحكم وتحسين المشاركة المدنية، والمساعدة على تحفيز النمو الذى يؤدى إلى وجود فرص عمل فى بلدان المسلمين»، وكان هذا بمثابة عودة إلى الإمبريالية الليبرالية على طريقة كلينتون بتشديدها على الدبلوماسية والأسواق وجاء فى سياق دعوة التقرير إلى اتخاذ إجراءات أنه سيكون من الحيوى بالنسبة للرئيس المقبل أن يتحدث عن تحسين العلاقات مع البلدان التى يمثل فيها المسلمون أغلبية فى خطابه الافتتاحى وأن يعيد تأكيد «التزام الولايات المتحدة بحظر جميع أشكال التعذيب».
ومن ذا الذى كان أفضل من باراك أوباما لبيع هذا الموقف الخطابى الجديد؟ ففى حقيقة الأمر فعل أوباما فى خطاب تنصيبه ما اقترحته وثيقة تلك المجموعة على وجه الدقة وفى إحدى أوائل خطبه فى القاهرة رفض أوباما حتى مقولة صدام الحضارات، مشددًا على التاريخ المشترك للشرق والغرب وتطلعاتها المشتركة وبينما كان خطاب «الصدام» يرى أن الغرب والعالم الإسلامى يستبعد كل منهما الآخر وأنهما يمثلان قطبين نقيضين، أكد أوباما على «المبادئ المشتركة» وتحدث عن «ما تدين به الحضارة للإسلام» واصفًا الإسلام بأنه «مهد الطريق لنهضة أوروبا وعصر التنوير فيها»، واعترف بمساهمات المسلمين فى تقديم العلم والطب والملاحة والهندسة المعمارية والخط والموسيقى.
وقد أظهر عام ٢٠١١ أن هذا النظام بأولوياته الضالة لن ينمحى بدون تحديه. والثورات التى شهدتها تونس ومصر امتدت ليس فحسب إلى بلدان أخرى فى المنطقة، بل أيضا إلى أوروبا والولايات المتحدة. فثمة أشخاص فى الغرب كانت نجاحات نظرائهم فى تونس ومصر إلهاما لهم، بدلا من أن يشعروا بالإشفاق على أشقائهم العرب وشقيقاتهم العربيات، وبدلا من «العبء الواقع على الرجل الأبيض» بدأت تتخلق سياسة تضامن دولي.
وقد كانت آخر مرة تكاتف فيها الناس من مختلف أنحاء العالم قبل ما يقرب من نصف قرن. فالكفاح فى سبيل التحرر الوطنى الذى اجتاح العالم، بدءا من الهند إلى الجزائر، فى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية أزعج مراكز الإمبريالية، حتى عندما بدأ الكفاح ينبثق داخل أوروبا والولايات المتحدة. ونحن الآن على أبواب حقبة مماثلة. حقبة ثورة تحمل فى طياتها إمكانية إقامة مجتمع جديد تماما متحرر من العنصرية والحرب، عالم جديد يعامل فيه باحترام كل فرد بصرف النظر عن العرق أو الأصل الإثنى أو القومية أو الديانة، عالم تلقى فيه بأيديولوجية فوبيا الإسلام فى سلة مهملات التاريخ، وسيكون هذا بداية ذلك.