الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص تادرس ملطي يكتب.. "في صحبة الأنبا بيشوي"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما سمعت بانتقال نيافة الأنبا بيشوي مطران دمياط وتوابعها ودير القديسة دميانة ببلقاس شعرت بنوع من الالتزام لتسجيل بعض لمسات طيبة في حياته سواء في شبابه أو في أسقفيته أو في اشتراكه في المؤتمرات الكنسية ممثلًا للكنيسة القبطية غير الخلقدونية. 
كان معيدًا في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، تمم رسالة الماجستير (قسم ميكانيكا) في حوالي سنة ونصف، وكان كثيرون مندهشين كيف حصل على درجة الماجستير في الميكانيكا في هذا الزمن القياسي. سألته عن منهجه في تقديم هذه الرسالة، أجابني: سرّ سرعتي هذه هو انشغالي أثناء ركوبي الأتوبيس من أمام كلية الهندسة حتى منزلي بالمنشية حوالي ١٥ دقيقة أو ٢٠ دقيقة. 
وأكمل حديثه قائلًا إنه يقضي وقته أغلبه في التجارب العملية في المعمل بالكلية، لكن الدقائق التي يقضيها في الأتوبيس في هدوء كان منشغلًا بنتائج التجارب فيكتشف ما وراء نتائج التجارب من أمور نافعة علميًا، بهذا كان يصل إلى ملاحظات جديدة وهذا هو سرّ قوة الرسالة علميًا.
حديثه هذا دفعني إلى الاهتمام بالأكثر إلى الالتجاء لفترة الهدوء في أثناء العبادة أو الكتابة لكي ينطلق الفكر بقيادة روح الربّ لطلب معرفة مقدسة.
حرصه على الوقت كان يظهر بقوة أثناء مشاركتنا في الحوارات في مجلس كنائس الشرق الأوسط التي كانت غالبًا ما تُقام في قبرص أو لبنان وبعضها في بعض الدول الأوربية، فكنا نستغل الوقت من الفترة التي ينطلق فيها كل الأعضاء لزيارة المعالم الدينية. نقضي هذه الفترة ليس في نقد الآخرين وإنما في مراجعة ما نكتبه بخصوص الكنيسة الأرثوذكسية بطريقة إيجابية إنجيلية وآبائية.
لقد أخبرني أكثر من مرة أنه يحتفظ بكل المقالات ومحاضر الجلسات في ملفات منظمة جدًا.
يظهر حرصه على وقته في الفترة ما بين تخرجه وذهابه إلى الدير، إذ كان حريصًا أن يكون أمينًا في كل جوانب حياته وخدمته، أذكر منها:
1. اهتمامه بدراسته وأبحاثه الخاصة برسالة الماجستير.
2. مساعدته للطلبة سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، خاصة الذين لا تسمح لهم ظروفهم المادية أن يأخذوا دروسًا خاصة.
3. اهتمامه بخدمة الشباب في أكثر من كنيسة.
4. كان يقيم اجتماعات لبعض الأسر لدراسة الكتاب المقدس.
5. حرصه الشديد على نموه الروحي.
6. الاستعداد للالتحاق بالحياة الرهبانية. هذا الاستعداد لم يدفعه إلى التراخي في أية خدمة حتى آخر لحظة وهو منطلق إلى الدير. طلب مني نصيحة وهو منطلق إلى الدير، فقلت له إذ أنت متجه إلى الدير لا تضع وجهك يتجه نحو العالم مهما كان الدافع. 
7. عُرف لدى هيئة التدريس في قسم الميكانيكا أنه لا يستريح إلى الفكاهة، فإذا لاحظ أحدهم أنه قادم إلى حجرة المدرسين يقول للحاضرين إنه قادم فيصمت الجميع مع تقديرهم ومحبتهم له.
داخل أسوار الدير
كعادتي مع كل الذين أعرفهم بصفة شخصية متى التحقوا بالرهبنة لم أطلب مقابلتهم في الدير، لأنني أؤمن أن من يلتحق بالدير لا يطلب مقابلة أحد سوى أبيه الروحي في الدير وزملائه في الرهبنة. فلم أكن أستريح لتصرف كاهن متزوج أن يحضر (سيامة) ابنه في الاعتراف راهبًا. هذا ولم أذكر إنني حضرت سيامة أسقف أو بطريرك في كل حياتي.
إذ دعاني البابا شنودة الثالث أن أشترك في هذه الحوارات مع الأنبا بيشوي صرت على اتصال به سواء في حضور الحوارات أو الإعداد لمقالات نقدمها باسم الكنيسة. في صحبتي له لاحظت الآتي:
1. حبه للتعلم: في بدء الحوارات كان يدافع عن الكنيسة في غيرة شديدة، لكن لاحظت عليه فيما بعد أنه يدافع بطريقة مقنعة في هدوءٍ. وفي إحدى الجلسات هاجم أحد الأشخاص الكنيسة القبطية بطريقة مثيرة، وإذ حاولت الردّ أشار إليّ ألاَّ أدافع بانفعال وترك الشخص يهاجم حتى توقف. وفوجئت أنه قدم إجابة هادئة دُهش لها كل الحاضرين. وبعد الجلسة قال: "لقد تعلمت منهم عدم الانفعال وأترك الشخص يهاجم حتى النهاية، وبكلمات هادئة مقنعة أتكلم، فأصل إلى الهدف وأكسب الحاضرين.
2. في زياراتنا لمنازل الأقباط خاصة في أوروبا، لاحظت أنه يعطي الاهتمام الأكبر للأطفال والشباب، وكنت أدهش وهو يلاطف الأطفال ويقوم بتحفيظهم بعض الترانيم البسيطة ويرددها معهم. ولعل ما كان يشغله أن الأطفال في الغربة لا يلتقون في ذلك الوقت بأساقفة أو كهنة، فيود تكوين صداقة بينهم وبين الكنيسة الأم.
3. لا أنسى في أثناء الحديث معه في الأتوبيس ونحن في طريقنا إلى موقع المؤتمر، قلت له: "لماذا تقوم بالتحقيقات الخاصة بالكهنة وأحيانًا الأساقفة، ليتك تركز مجهودك في اجتماع روحي أسبوعي لدراسة الكتاب المقدس. أجابني أن ذلك بناء على طلب قداسة البابا، وأنا لا أستطيع أن أعصاه، وفي نفس الوقت لا أطيق الأخطاء التي يرتكبها القادة خاصة الكهنة". هذا وقد كان قداسة البابا مبهورًا بذكائه الفائق، ولهذا أوكل إليه التحقيق في بعض الشكاوى.
4. عُرف بسخائه العجيب للمحتاجين، وعندما كان يحكم عل كاهنٍ كان يؤكد صرف مرتبه لعائلته.
5. طلب أحد الأشخاص أن يقدم مشروعًا باسم دير القديسة دميانة لمجلس الكنائس العالمي، وهو يسنده في ذلك. وكانت إجابته قدامي: "إن الملاليم التي يدفعها الفقراء بقلوبهم البسيطة والمُحبة أكثر بركة من الملايين التي يقدمها مجلس الكنائس العالمي من أجل أي مشروع. وأكمل حديثه معي بعد ذلك قائلًا: المجهود الذي أبذله في تقديم مشروع لحساب الدير أبذله مع أحد الأغنياء غير المتدينين، فأكسب نفسه لملكوت السماوات، وهو أيضًا يدفع العطاء بسخاءٍ وبقلبٍ محب بفرحٍ وبهجة.