السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

هيئة الكتاب.. من تبعات أكتوبر إلى واقعنا المعاصر

الهيئة المصرية العامة
الهيئة المصرية العامة للكتاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع اندلاع حرب أكتوبر المجيدة، انطلق أرباب الفن المصرى بأشكاله كافة، فى محاولات لتخليد الانتصار العظيم، فسمع المواطنون المشتاقون لأى أخبار من الجبهة أغنيات مثل «بسم الله» و«عاش اللى قال» و«تعيشى يا ضحكة مصر» و«ابنك يقول لك يا بطل»، واعتاد المتفرجون فى كل عام مُشاهدة أفلام «العبور العظيم» و«الرصاصة لا تزال فى جيبي» و«بدور»، بينما جاءت الكثير من الكتابات لتخليد بطولات وحكايات المصريين من الانكسار إلى الانتصار، مثل «حكايات الغريب» و«الحرب فى بر مصر»؛ كذلك أبدع التشكيليون الذين شاركوا فى الحرب فى رسم مشاهداتهم خلال المعارك.
وخلال الأعوام التى تعاقبت على ما اقترب من نصف قرن، تغيرت ملامح المجتمع والدولة المصرية، وشهدت قوتها الناعمة الكثير من فترات النهوض والانحدار، فمن عمالقة الأدب إلى عصر الأكثر مبيعًا، ومن ملحنين عظام إلى المهرجانات؛ أما السينما، فقد قاومت الواقعية الجديدة هبوط أفلام المقاولات، ليصعد فى فترة فاصلة المضحكون الجدد، وتراجع شباك التذاكر أمام أفكار السينما المستقلة التى قادت الألفية الجديدة.
فى الذكرى الخامسة والأربعين لبدء معركة التحرير، تستعيد «البوابة» عبر صفحات هذا الملف، المعارك الأخرى التى خاضتها القوى الناعمة المصرية طيلة هذه الأعوام، ومرحلة إعادة بناء مؤسسات الدولة الثقافية، وأشكال الفنون التى أثّرت فى المجتمع وتأثرت به، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه.
قد تكون القصة قديمة، وربما قُتلت بحثًا، وتم تداولها فى أكثر من وقت منذ حدوثها، إلا أنه لا تأتى مناسبة خاصة بالهيئة المصرية العامة للكتاب، ودورها التنويرى ولا سيما بعد حرب السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، ومناهضتها لفكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ إلا ويأتى ذكر الكاتب والشاعر الكبير صلاح عبدالصبور، الذى شغل منصب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب فترة تولى الرئيس المؤمن أنور السادات زمام البلاد، صلاح عبدالصبور؛ ذلك الرجل الذى فرضت عليه ظروف وضروريات الحياة قبول منصب رئيس الهيئة، وهو من هو فى الواقع الثقافى المصري، وبطبيعة الحال تعرض لهجوم كاسح من أصدقائه، لكنه ظل عاجزًا عن اتخاذ قرار بالاستقالة أو التفرغ للشعر فكتب عن مأساته يقول: «إن إحساس المثقف الحقيقى بكرامته يفوق تصور الكثيرين»، لتنتهى مأساة صاحب «مأساة الحلاج»، بالموت كمدًا بعد اتهامه بالتطبيع وبيع الوطن، وكان ذلك فى منزل الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازي، والقصة ليست بالجديدة كما أشرت، فهل كان منصب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب سببًا فى قتل واحد من كبار المناضلين بالكلمة التى سبقت السيف فى صرامتها؟
فى أعقاب حرب أكتوبر المجيدة، شهدت الهيئة المصرية العامة للكتاب كغيرها من المؤسسات الثقافية صحوة كبيرة، ولكن جاءت رياح معاهدة السلام مع الكيان الصهيونى بما لا تشتهى قيمة وقامة صلاح عبدالصبور الأدبية؛ حيث وجد نفسه مقيدًا فى منصبه عندما لم يتخذ موقفًا ضد قرار مشاركة إسرائيل لأول فى معرض الكتاب لعام ١٩٨١، وهو ما عرضه لنقد وهجوم كبيرين، ونظم على إثر هذا القرار مجموعة من الشباب مظاهرة أمام مكتبه، إلا أن الأمن اشتبك معهم حتى تناثرت الدماء أمام مكتب عبدالصبور، ليجد نفسه أمام سلطة غلّت قلمه ولسانه، وجرّته للتقازم الذى دفع رسام الكاريكاتير «بهجت عثمان» لمهاجمته فى بيت «حجازي» قائلًا: «بعت بـ ٣ نكلة يا صلاح»، ليُصاب أحد أهرامات الأدب المصرى حينها بأزمة قلبية أودت بحياته.
فى البداية كان الهدف الرئيسى من إنشاء هيئة ثقافية كبرى فى حجم هيئة الكتاب هو تضييق الفجوة الثقافية بين مصر وشعوب العالم المتقدم من خلال تكاتف الجهود التى تبذلها قطاعات وزارة الثقافة تحقيقًا لمزيد من الرقى والتقدم وبما يليق باسم مصر وحضارتها، إلا أن قرار رئيس الجمهورية رقم ١٧٦ لسنة ١٩٩٣ بإنشاء الهيئة المصرية العامة للكتاب ومركزها القاهرة وتتبع وزارة الثقافة والإعلام، وتضم كلا من دار الكتب والوثائق القومية ودار التأليف والنشر، وما تبعه من قرارات فى الأول من يوليو ١٩٩٤ باعتبارها هيئة مستقلة بذاتها، ألقى على عاتقها مسئولية كبيرة ليصبح منوطا بها إتاحة كافة التسهيلات للتعريف بالإنتاج الفكرى العربى والعالمي، وكذا إعادة طبع ما يمكن تحقيقه من كتب التراث حتى يكون فى متناول المهتمين بالثقافة، وتأليف وترجمة الكتب الثقافية على الصعيدين الإقليمى والعالمي، وطبع ونشر وتسويق الكتاب المصرى على المستوى المحلى والعربى والدولي، وحتى يتم تنفيذ هذه الأهداف تم وضع خطة للنشر تتم على عدة مراحل خلال السنة، بحيث تراعى تغطية جميع الاحتياجات القرائية للمجتمع والتى تملأ فراغًا بالمكتبة العربية، وهو ما استدعى إعداد قوائم تفصيلية بالكتب التى تقرر صلاحيتها للنشر وفقًا للإطار العام المسموح به للنشر، وإعداد دراسات تسويقية موسعة فيما يتعلق باتجاهات النشر السائدة بمصر والدول العربية والأجنبية، وتخصيص لجان تقوم بفحص الأعمال المقدمة بصورة حيادية، لتقرير مدى صلاحية الكتب للنشر، وتقوم كل لجنة بفحص الإبداعات المقدمة إليها كل من خلال تخصيصه وهذه اللجان تحت رئاسة رئيس الهيئة.
وتاريخيًا، منذ قيام ثورة يوليو ١٩٥٢، كان من مهام هيئة الكتاب التى كان مسماها حين ذاك «الهيئة العامة للأنباء والنشر والتوزيع والطباعة»، التنمية الثقافية حتى تسير جنبًا إلى جنب مع خطة الدولة العامة، فكان التخطيط لإنشاء هيئة ثقافية حكومية تضطلع بمسئوليات وزارة الثقافة فى مجال التأليف والترجمة والنشر، فمنذ عام ١٩٦١ تفتقت الأذهان فى كيفية إقامة هذه الهيئة؛ فمرت بعدة أشكال تحت مسميات عدة من خلال القرارات الجمهورية التى صدرت منذ ١٩٦١ حتى ١٩٩٤ إلى أن أصبحت الهيئة المصرية العامة للكتاب على شكلها الحالي.
لا شك أن الهيئة المصرية العامة للكتاب، كانت فيما بعد انتصار أكتوبر المجيد ذات دور أدبى وثقافى متميز، فهى الرائدة فى طباعة الأعمال الكاملة لقامات ثقافية مصرية وعربية عظيمة، إضافة إلى مشروعها العملاق الذى أثرى فكر ووجدان أجيال وهو مشروع «مكتبة الأسرة»، وفوق كل هذا، السجالات الفكرية والندوات الثقافية والمناظرات السياسية التى قدمها معرض القاهرة الدولى للكتاب، والتى يعد أبرزها مناظرة فارس الكلمة وشهيد الفكر الدكتور فرج فودة مع مأمون الهضيبى والشيخ الغزالى عام ١٩٩٢، وكانت هذه المناظرة ضمن سلسلة مناظرات أعدتها الهيئة العامة للكتاب كتقليد جديد انطلق من حينها، ولكن الآن ما دور الهيئة المصرية العامة للكتاب؟ لا أحد يُنكر الفائدة الكبيرة التى تعود على جموع الشعب المصرى من المعارض التى تنظمها الهيئة بطول مصر وعرضها، ولكن الناظر إلى الصورة بشكل أوسع يجد أن الهيئة تفقد دورها التنويرى رويدًا رويدًا على مستوى المادة المطبوعة، ما جعل العديد من دور النشر الخاصة تتفوق عليها، رغم ما لديها من إمكانيات مادية وبشرية جبارة، كما أن ندوات وفعاليات معرض الكتاب غلب عليها الطابع الاستهلاكي، وما يجذب الجمهور دون النظر إلى ما يعيش معهم وبينهم، فكم من مناظرة فكرية أجرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب خلال السنوات العشر الماضية؟ لا شيء ذا بال. 
وكما أن معرض القاهرة الدولى للكتاب غيّر عنوانه من أرض المعارض بمدينة نصر لأرض المعارض بالتجمع الخامس، والذى ستعقد به دورة اليوبيل الذهبى لأول مرة خلال العام المقبل ٢٠١٩، نتمنى أن تتغير الرؤية والاستراتيجية خلال الإعداد للقاءات الفكرية، وأن يُحدث المعرض حراكًا ثقافيًا حقيقيًا دون الاكتفاء بالفعاليات الجماهيرية الى تعتمد على الغناء والطبل والمزمار، ويزول تأثيرها بانتهاء الحدث.