السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ملحمة أكتوبر- 3

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى المقال السابق توقفنا عند استلام الرئيس السادات حكم مصر فى السادس عشر من أكتوبر 1970، واجتماعه الأول بمعاونيه عقب أدائه اليمين الدستورية؛ حيث أمسك ورقة فى حجم الفولسكاب وذيّلها بكلمة الحرب، ثم بدأ يكتب على كل سطر يعلو كلمة الحرب المشكلات التى تعوق الدخول فى هذه الحرب، ومن أهمها السلاح والوقود وضمان وقوف العالم معنا وسلامة الجبهة الداخلية وتوفير التموين اللازم والأغذية المهمة للشعب أثناء المعركة، وتحديد الموقف المثالى لإنهاء المعركة، والوقت الملائم، وقال السادات لمعاونيه بالحرف الواحد: «يعلم الله يا سادة أنه ليس حبا فى الحرب ولكنها الضرورة التى فرضت علينا هذا الأمر، إننى أعلم خطورة الحرب والدماء التى قد تراق والشهداء والضحايا، ولكن لا سبيل أمامنا غير هذا الطريق». وقال السادات أيضا: «لكى ندخل المعركة لا بد أن نضمن الرأى العام العالمى فى جانبنا، وهذا لن يحدث إلا إذا عرضنا مبادرة مصرية للسلام ترفضها إسرائيل، فنظهر أمام العالم دعاة للسلام، وبعد ذلك لا نلام إذا قمنا بحل عسكرى»، وهكذا أعلن السادات فى الرابع من فبراير 71 أمام مجلس الأمة مشروعا مصريا للسلام، كانت شروطه انسحاب إسرائيل من كامل الأراضى التى احتلتها فى 67، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242، فرفضت إسرائيل المبادرة المصرية تماما كما توقع السادات، لكن مبادرته تلك تسببت له فى مشكلات داخلية جمة، فطلاب الجامعة وبعض العمال تصوروا أن هذه خطوة للتراجع عن شعار عبدالناصر «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، وراح السادات يواجه مظاهرات طلابية وعمالية تطالبه بالحرب، وتتهمه بأبشع الاتهامات كالجبن والخوف والخيانة، وصبر الرجل وهو يدير أذكى خطة للخداع الاستراتيجى ويهيئ الدولة سرا للحرب، كانت الأيام تمر على السادات الإنسان بصعوبة، فهو يواجه ضغطا داخليا من ناحية، ويعانى عدم قدرته على اتخاذ القرار منفردا فى ظل وجود أشخاص أقوياء فى سدة الحكم ورثهم من الحقبة الناصرية، ولكل واحد فيهم أهواءه واتصالاته بالخارج، فقرر السادات التخلص من هؤلاء، وكانت مخاطرة 15 مايو 1971، والتى مرت بنجاح مذهل، وخرج بعدها السادات ممتلكا ما أراد، وتحولت الحياة عنده إلى أوراق وتقارير وتحاليل سياسية وعسكرية، وبدأ فى التنسيق مع الجانب السورى، وبلعت أمريكا الطعم عندما قام بطرد الخبراء السوفييت من مصر، وظنت أنه لن يفكر فى الحرب، ولكن فى هذه الأثناء كانت قواتنا المسلحة تقوم باختيار الخطاطبة كموقع لإجراء التدريبات على عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف، ففى هذه البلدة ترعة صغيرة يتماثل عرضها مع عرض قناة السويس، وتم بناء ساتر ترابى يشبه خط بارليف، وواصل أبناء الجيش استعدادهم للمعركة الحاسمة، ولم يتركوا شيئا للصدفة حتى سرعة الرياح وغياب القمر ونسبة المد والجزر، وذلك وصولا إلى اختيار أنسب الأوقات للعبور، وفى يوم الجمعة الخامس من أكتوبر 73 الموافق للتاسع من رمضان، خرج السادات من بيته بالجيزة مودعا زوجته وأولاده دون أن يخبرهم بالأمر.. كانت تعليماته محددة وواضحة وهى إخفاء ساعة الصفر عن الجميع، وفى صلاة الجمعة كان السادات يجلس فى آخر صف شارد الذهن يفكر فى أمور كثيرة، أهمها على الإطلاق، هل علمت إسرائيل بساعة الصفر وسوف تباغتنا بضربة مفاجئة؟ وكان المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية آنذاك، يجلس بجواره وهو ينتظر تسلم القرار السياسى ببدء المعركة فى اليوم التالى، وانتهت الصلاة وذهب السادات إلى قصر الطاهرة؛ حيث اختاره ليكون مقرا له أثناء المعركة، وتسلم المشير أحمد إسماعيل قرار العبور، وفى اليوم التالى وتحديدا فى تمام الثانية عشرة ظهرا، غادر السادات مكتبه بقصر الطاهرة متجها إلى مقر القيادة الرئيسى للعمليات بطريق السويس، وبمجرد وصوله عقد اجتماعا سريعا بالفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية، والفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان القوات المسلحة، واللواء محمد عبدالغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات، وكان اهتمام السادات هو معرفة ما حققته قوات الصاعقة التى كانت قد تسللت إلى سيناء مساء يوم الخامس من أكتوبر، لإبطال عمل مواسير النابالم عند خط بارليف، وقطع الطرق التى ستستخدمها القوات البرية الإسرائيلية بالأسلاك والحجارة، وسأل أيضا عما فعلته القطع البحرية التى كانت قد تحركت فى البحر الأحمر لسد مضيق باب المندب، وفى حوالى الواحدة والنصف دخل السادات إلى قاعة العمليات؛ حيث الخرائط واللوحات، وحيث القادة الذين كانوا يشعرون بأنهم أمام لحظة فاصلة فى تاريخ مصر، بل إنهم يكتبون صفحة مضيئة فى هذا التاريخ، وهناك ألقى نظرة أخيرة على الخرائط وتقارير الكفاءة وبدأت الأنفاس تحتبس فى الحلوق؛ فالساعة قاربت على الثانية، وهو الموعد المحدد لبدء المعركة، وفى تمام الثانية ظهرا تعلقت الأنظار باللواء طيار حسنى مبارك قائد القوات الجوية، فالمعركة وطبقا للخطة الموضوعة ستبدأ بضربة جوية تهدف إلى إرباك إسرائيل وإصابتها بالشلل التام، وذلك بضرب المطارات ومحطات الرادار ومراكز القيادة فى سيناء والصورايخ والمدفعية المضادة للطائرات، وإذا نجحت هذه الضربة الجوية؛ فإن النجاح حتما سيتوالى، وفى تمام الثانية ظهرا عبرت أكثر من مائتى طائرة مصرية قناة السويس على ارتفاع منحفض جدا، فأحدث ذلك أثرا طيبا ومعنويا على قواتنا البرية فهللوا «الله أكبر»، والتهبت المشاعر وزاد الحماس والثقة، ونجحت طائراتنا فى تدمير ثلاثة مطارات فى سيناء وعدة قواعد عسكرية وعشرات المدافع المضادة للطائرات، وثلاثة مراكز قيادة وإعداد مهولة من محطات الرادار ومرابض المدافعية بعيدة المدى، وكانت مهاجمة جميع الأهداف المعادية فى سيناء تتم فى وقت واحد.. وللحديث بقية.