الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: الأحمال الثقيلة

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال»
تخبرنا الأناجيل، أن هناك جماعات انتقدها الرب يسوع المسيح بشدة، موجها إليها كلمات قاسية، منها الكتبة والفريسيين. فالكتبة والفريسيون، نصّبوا أنفسهم أولياء على شريعة موسى، فسهروا على فرض تطبيقها على الناس. يصف المسيح فى «إنجيل متى» دورهم، فيقول: «على كرسى موسى جلس الكتبة والفريسيون.... فإنهم يحزمون أحمالا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحرّكوها بأصبعهم» (متى 23: 1-4).
فما هى تلك الأحمال الثقيلة التى يضعونها على أكتاف الناس؟ يقول المفسرون، إنها تفاسيرهم الكثيرة لشريعة موسى، لقد آمن الكتبة والفريسيون، بأن الشريعة بحاجة إلى تفسير، فقاموا بتفسيرها وتفصيلها، إلى حد أنهم وصلوا إلى حدود وضع حوالى 600 تفسير، وهكذا صارت تفاسيرهم قوانين سلوك تحكم تفاصيل حياة الناس اليومية. وقد أطلقوا على هذه القوانين تسمية «تقليد الآباء»، فصارت قوانينهم، أحمالا ثقيلة أرهقت كاهل الناس، وأضحت مثل أنيار (أنيار هى جمع كلمة نير) على رقابهم لعبوديتهم واستعبادهم، من هذه التفسيرات والشرائع التى تذكرها الأناجيل، شريعة غسل الأيدى قبل الأكل، شريعة عدم جواز قطف سنابل القمح وأكلها يوم السبت، شريعة عدم تقديم أية مساعدة لأى محتاج يوم السبت مهما كانت الحاجة كبيرة، وغيرها من القوانين والشرائع الأخرى، وقد اصطدم المسيح معهم مرات كثيرة لأنهم حاولوا فرض هذه الشرائع عنوة على الناس، فنعتهم بالمرائين، لأنهم لم يتصرفوا بموجب الحق والرحمة والإيمان، قائلا لهم: «ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تعشّرون النعنع والشبث والكمون، وتركتم أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان» (متى 23: 23). وكيما يتحرر الناس من نير عبودية وأحمال شرائع وقوانين الكتبة والفريسيين، فقد دعاهم المسيح للمجىء إليه، قائلا لهم: «تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيرى عليكم، وتعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم. لأن نيرى هيّن وحملى خفيف» (متى 11: 28-30). ماذا قصد المسيح بكلماته هذه فى الماضى؟ وماذا يريد أن يقول لنا اليوم؟ 
يريد المسيح من خلال هذه الكلمات، أن يقول لنا أمرين: 
الأمر الأول، عندما نأتى إلى المسيح ونحن متعبون ومنهكون بأحمالنا الثقيلة وأنيارنا المرهقة، فإنه يريحنا ويريح نفوسنا. وهذه الراحة تتحقق لنا، بالتوبة والإيمان وغفران الخطايا، فتتحقق المعجزة، إذ يبادل المسيح أحمالنا الثقيلة بحمله الخفيف، وأنيارنا المرهقة بنيره الهين. وصف النبى أشعياء، خطية الإنسان بالحمل الذى سيحمله المسيح على الصليب، كيما يمنحنا الغفران والراحة، «وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين، وآثامهم هو يحملها» (أشعياء 53: 11). كما وصف أحزاننا وأوجاعنا بالأحمال، «لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها، ونحن حسبناه مصابا ومضروبا من الله. وهو مجروح لأجل معاصينا ومسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا» (أشعياء 53: 4 و5). فحمل خطايانا الثقيلة التى حملها الرب يسوع المسيح على الصليب، جعله يبدو وكأنه مصابا ومضروبا ومسحوقا من الله. وقد تحمّل المسيح كل هذا، لكى يمنحنا الخلاص، كيما تكون لنا حياة ويكون لنا أفضل.
والأمر الثانى، عندما نأتى إلى المسيح، فإنه يعلمنا بوداعته وتواضع قلبه، كيف نشارك الآخرين فى أحمالهم الثقيلة، فنضع أكتافنا إلى جانب أكتافهم، لتصبح أحمالهم أخف وأنيارهم أسهل. يقول أحد اللاهوتيين، «يصبح النير فى المسيح ليس كالماضى»، أى كنير العبودية والاستعباد التى وضعها الفريسيون على أعناق الناس لاستعبادهم، لكن النير يأخذ معنى جديدا فى المسيح. فالنير يوضع على عنق فدّانين اثنين وليس على فدّان واحد. والهدف منه المشاركة فى الحراثة، ليصبح الاثنان فريق عمل واحد ليخف الحمل عن الاثنين. وهكذا فالنير فى المسيح، يصبح نير المشاركة لتخفيف الحمل والألم عن الآخرين. علّق اللاهوتى الإنجيلى كارل بارت، على عبارة «احملوا بعضكم أثقال بعض» (غلاطية 2:6)، قائلا: «إن قول الرسول بولس هذا، إنما هو دعوة للكنيسة لتعيش فى علاقات مميزة من الخدمة والرعاية والاهتمام ببعضنا البعض». وفى رسالته إلى كنيسة رومية، يكرر الرسول بولس القول نفسه، إذ يقول لأعضاء الكنيسة: «فيجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء، ولا نرضى أنفسنا. فليرض كل واحد قريبه للخير لأجل البنيان، لأن المسيح أيضا لم يرض نفسه»(رومية 15: 1-3). فالمقياس فى الكنيسة، ليس إرضاء أنفسنا لأن المسيح لم يرض نفسه، وإنما بنيان الآخر، الأمر الذى يحثنا على مشاركة الحمل مع الضعفاء.