الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

أسقف عام كنائس شرق السكة الحديد: المصور القبطي ساهم في التواصل الحضاري والثقافي

الأنبا مارتيروس
الأنبا مارتيروس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأنبا مارتيروس: الرهبنة لا تعرف اللون الرمادى
منطقة الفيوم تميزت بفن تصاوير المخطوطات.. ولها سمات فنية خاصة




أكد الأنبا مارتيروس، أسقف عام كنائس شرق السكة الحديد، بالقاهرة، أن المصور القبطى ساهم بجهد لا يستهان به فى التواصل الحضارى والثقافى وجعل فنه خطًا مشتركًا بين الثلاث حضارات الفرعونية والقبطية والإسلامية من خلال تأثيره وتأثره بفنون وعلوم هذه الحضارات، وقدم للإنسانية أسمى صورة لمعانى التعايش وقبول الآخر واحترام فنون وثقافات الأديان الأخري.
يذكر أن الأنبا مارتيروس حصل على درجة الدكتوراه وكان موضوع رسالته عن الموضوعات المصورة وأساليبها الفنية فى المخطوطات القبطية من القرن العاشر إلى القرن الخامس عشر.. وإلى نص الحوار:
> فى البداية.. ما هو علم الكوديكولوجى (codicoligie)؟
- علم خاص بدراسة التصاوير والمخطوطات فى الفتره من القرن العاشر وحتى القرن الخامس عشر، وتعتبر تلك الحقبة من الزمن هامة جدا لأنها تمثل المرحلة الانتقالية فى تاريخ الكنيسة بالتعبير واستبدال اللغة العربية بالقبطية، وتحول اللسان العربى للسان القبطي، وبالتالى انتقل التعليم والثقافة القبطية ومركز التعليم والترجمة من القبطية للعربية، ويأتى الفن القبطى على رأس تلك الأمثلة حيث انتقل من الرمزية لمرحلة الواقعية. 
> كيف تختلف المخطوطات القبطية عن غيرها؟
- المخطوطة بدأت منذ القدم بالنقش على الحجر، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الوصايا العشر، التى نقشت على الحجر، ثم تطورت للكتابة على الطين والشمع، وبعدها ظهرت الكتابة على ورق البردى.
وأصبحت المخطوطة بعدها هى كتابات توضح تفسير لأجزاء من الكتاب المقدس أو سير القديسين أو مقالات للآباء القدامى أو كتابات خاصة بالإيمان أو القوانين أو الطقوس ويسمى قديما «المنسخ»، كما أن المخطوطة القبطية تحوى كل ما يتصل بالتراث القبطى من أدب قبطى وتاريخ وإيمانيات تخص الإيمان الكنسى.
وقد وجدت مخطوطة عن العهد الجديد فيها تصوير لمعلمنا بطرس الرسول يهدى إنجيل معلمنا مرقس الرسول، وهو جالس على كرسيه، وتلك المخطوطة تشير إلى أن كاتب إنجيل مرقس ليس هو مرقس الرسول، ويؤكد الأنبا مارتيروس أن هذا الأمر نرفضة تماما فى كنيستنا الأرثوذكية، ويضيف أنا أملك بحثا متخصصا عن مخطوطة قد تكون أصلية للعهد الجديد ترجع إلى عام67 ميلادية يحوى الأناجيل الأربعة باللغة اليونانية وترتيبها متى، يوحنا، لوقا، مرقس، وهناك نسخة من هذا البحث موجودة فى متحف واشنطن.
والملاحظ أنه لم تكن هناك مخطوطة قبل القرن 13، وذلك بسبب الغزوات والحروب، وما استجد على الساحة السياسية فى مصر من تطاحن القوى المملوكية مع بعضها البعض، بالإضافة إلى تعرض مصر لعدة كوارث طبيعية مختلفة كان ذلك فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر، مما أدى إلى تقليص دور الفن القبطي، بسبب انهدام كثير من الأديرة والكنائس وعدم القدرة على إعادة بنائها، وبالتالى انعدام حركة فن التصاوير تقريبًا بالمخطوطات القبطية رغم كثرة نسخها.

> كان للمَنسَخ دور كبير فى حفظ تراث الآباء.. فما دوره بالتحديد؟
- كان للمَنسَخ القبطى مكانة كبيرة بالأديرة والكنائس القديمة، لأنه يعد مكان إنتاج الكتب فى صورتها النهائية، وهو المكان المخصص للنسخ، حيث كانت الأديرة مهتمة بحفظ تراث الآباء من الاندثار، والذى يحمل كل المعارف اللاهوتية والعقائدية والتاريخية والأدبية.
كان يعمل بالمنسَخ فريق من الرهبان المهرة يعملون معا لكل منهم مهمته، فهناك من يقوم بكتابة المخطوط، ومن يقوم بزخرفته وتزيينه بالرسوم، ثم تسليمه لمن يقوم بتجميع صفحات المخطوط وتجليده ليصبح كتابا، وأخيرا راهبا يراجعه ويصحح ما به من أخطاء.
> الفترة من القرن العاشر وحتى الخامس عشر كان لها تأثير على المخطوطة.. كيف ذلك؟
- الفترة من القرن العاشر وحتى الخامس عشر لها أهمية خاصة على الساحة الفنية، وخاصة من جهة مراحل تطور الفن القبطى على الأخص بتصاوير المخطوطات، حيث كانت هناك مؤثرات ضاغطة أثرت بحركة الفن داخل المخطوطات القبطية، على سبيل المثال محاولة استقرار الحكم الإسلامى فى مصر وظهور الحضارة الإسلامية بجوار الحضارة القبطية، مما أدى إلى اختفاء التأثيرات الهلينية والرومانية فى الفن، بالإضافة إلى انسحاب اللغة القبطية من الأقباط وحلول اللغة العربية، وأيضًا ظهور التواصل الثقافى مع كنيسة روما، وما ظهر من تأثيرات فن النهضة على الفن القبطى والاتجاه بكثرة إلى الفن الكتابى وحياة ومعجزات السيد المسيح والاتجاه أيضًا، ناحية تصاوير البشارة والعائلة المقدسة والميلاد والعشاء الربانى والصلب والقيامة، والتأثر بمظاهر الفن العربى وخلفيات التصاوير من العناصر الطبيعية المحورة. 

> ما مصدر الأفكار وأبرز الألوان المستخدمة فى المخطوطة؟
- اهتم الفنان القبطى بالواقعية التاريخية، فأخذت موضوعات مخطوطاته من «العهد الجديد بالكتاب المقدس وظهر الاهتمام بتجميع الأحداث فى تسلسل تاريخى، ومن بينها موضوع إثبات تجسد الله الكلمة وأن العذراء والدة الإله».
كما ظهر الاهتمام برسم علامة الصليب على صفحات المخطوطات، فإن عادة رسم «الصليب» قد انتشرت منذ الفترات المسيحية المبكرة، خاصة من خلال فن اليوطا، وقد سادت الألوان الأحمر والأصفر والبنى والأبيض والأرجوانى فى تصاوير هذه الفترات.
> ما اللغات التى وجدت عليها المخطوطات خلال تلك الفترة؟
- الكتابات على التصاوير القبطية كانت إما باللغة القبطية الصعيدية أو باللغه القبطية البحيرية أو اللغة اليونانية بحروف قبطية أو باللغة العربية، ومن المعلوم ظهرت بعض الأخطاء الإملائية فى هذه الكتابات نظرًا لانسحاب اللغه القبطية كلغة تحدث وكتابة بين الأقباط وحلول اللغة العربية بينهم حلولًا متدرجًا بداية من القرن السابع الميلادى وحتى القرن الثالث عشر حيث سادت اللغه العربية على عموم كل مصر. 
> ما القاعدة التى استخدمها المصور القبطى فى رسم مخطوطاته؟
- خرج المصور القبطى فى بعض الأحيان عن قاعدة الفن المصرى القديم الذى تميزت وجوهه بالشكل الدائرى المنتفخ، بينما رسم الفنان القبطى غالبية وجوهه بشكل مستطيل أو بيضاوي، وذلك كما فى تصاوير مخطوطات الفيوم وحاجر إدفو، كما صورت الوجوه بالمواجهة حتى لو كان وضع الجسم جانبيا كما فى تصاوير الشهداء، وفى الوقت نفسه لم يهتم الفنان القبطى بإبراز الضوء أو الظل. 

> هل أثرت المتغيرات السياسية وفترات الحكم على تصاوير المخطوطات؟
- التصاوير فى المخطوطات فى العصور الطولوني، والإخشيدى والفاطمي، من القرن العاشر حتى القرن الثانى عشر، والجدير بالذكر أن مصر فى تلك الفترة كانت رغم استقلالها الذاتى تدين بالتبعية والولاء لعاصمة الخلافة، ونلمس بعض الازدهار لفن التصاوير فى فترة العصر الطولونى والفاطمي، والتى عكست حياة المجتمع المصرى شبه المستقرة، مما زاد من فن التصاوير بالمخطوطات القبطية، فانتشرت رسومات العذراء والدة الإله والملائكة والشهداء، وتميزت منطقة الفيوم بفن تصاوير المخطوطات، وكان لها سمات فنية خاصة بها فى مناسخ أديرتها التى كانت منتشرة. 
> ما مصادر الأحبار والأدوات المستخدمة فى فن المخطوطات بين الماضى والحاضر؟
- تعددت مصادر الأحبار قديما، فمنها أحبار معدنية ومنها عضوية، وكانت يصنعها الناسخ أو فى مصانع خاصة. كانت تنتج داخل الأديرة الرهبانية وقد يكون بواسطة الناسخ نفسه، أو تصنع فى مصانع بالمدن المصرية الكبرى، وتباع بسوق الوراقين بالقاهرة.
وتتكون المادة لملونة من المستخلصات المعدنية كالأكاسيد أو المستخلصات النباتية والزهرية أو من الحيوانات البحرية، ويضاف إليها مادة اللاصق لتثبيت اللون كالصمغ العربى أو الغراء الحيوانى أو زلال البيض. وكانت أدوات الرسم تتكون من الأقلام والفرش (الفراجين) والمقالم والمدية والمساطر والمحابر والدواة والممسحة والمسقاة وهذه الأدوات كانت تصنع من الإمكانيات الطبيعية المتاحة والمتوفرة.
> اهتم بعض الرهبان فى الفترة الأخيرة بوسائل الاتصال الاجتماعى.. ما تعليقك؟
- الرهبنة هى إرادة شحصية، وتلك الإرادة تسعى للحفاظ على أسس الحياة الرهبانية الثلاثة، وهى البتولية والطاعة والفقر الاختيارى، والشخص الذى يقبل تلك الأسس الثلاث باختياره التام واتفاق بينه وبين نفسه، عليه أن يعيش حياة الموت عن العالم، وكل ما فى العالم بإرادته الشخصية الخاصة به.
وعندما تضعف إرادة الراهب فى الحفاظ على اختياره، فسيؤدى ذلك إلى بداية سقوطه وخروجه من الحياة الرهبانية، وأتذكر أنه خلال فترة رهبنتى بالدير، كان كثير من الرهبان يرفضون وسائل التواصل بالعالم، لدرجة أنهم يفرحون بعدم وجود زيارة لهم داخل الأديرة، حتى يسنح لهم عيش الحياة الرهبانية كما يجب.
كما أننا لا ننكر أن هناك محاولات كثيرا للخروج عن هذه الأسس أو مواصلة حياة الجهاد فى الحياة الرهبانية، ومحاولات الجهاد فى الرهبنة والتمسك بأسسها التى قامت عليها منذ القرون الأولى، لأن التهاون وإن بدأ صغيرا من خلال الاندماج فى وسائل الاتصال التكنولوجى أو القيام ببعض المهام الخاصة بأبناء العالم، والانغماس فى المشاكل الذى شهدناها خلال الأعوام القليلة الماضية، فكل ذلك يعتبر جرس إنذار لمخاطر شديدة، لأن الحياة الرهبانية لا تحوى على لون رمادى، فإما أن تسلكها بكل ما فيها من قواعد وأسس باختيار الراهب وبإرادة صلبة وقوية، أو أن تنحدر وتجد نفسك أصبحت صورة سيئه للرهبنة.