الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أنظار المثقفين العرب تتجه للقاهرة قلب العروبة النابض

ايناس عبد الدايم
ايناس عبد الدايم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتجه أنظار كل المثقفين العرب للقاهرة قلب العروبة النابض والتي تحتضن غدا الأحد برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤتمرا ثقافيا عربيا يبحث فيه الوزراء المسئولون عن الشؤون الثقافية في الدول العربية قضايا بالغة الأهمية تحت عنوان "المشروع الثقافي العربي أمام التحديات الراهنة". 
وشأنهم شأن أشقائهم العرب يتطلع المثقفون المصريون بكل الأمل نحو هذا المؤتمر الذي يستمر يومين لمواجهة تحديات خطيرة طالت الهوية العربية ذاتها، فضلا عن بحث سبل دخول المشروع الثقافي العربي الواحد للأمة الواحدة حيز التنفيذ.
وفعاليات الدورة الـ21 لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي بمشاركة 16 دولة شقيقة وبرئاسة وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم تعقد تحت الشعار الدال: "القدس عربية"، فيما تقرر أن يكون عنوان موضوعها الرئيسي "المشروع الثقافي العربي أمام التحديات الراهنة".
ويتضمن هذا الموضوع 4 محاور هي "الأدوار الثقافية في ترسيخ الهوية العربية" و"مواجهة التحديات الثقافية" و"الوسائل والآليات نحو إنتاج ثقافي عربي متكامل ومستدام" و"أدوار الثقافة العربية في تعزيز الحوار والتواصل مع العالم"، فيما نهضت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" بدور كبير في الإعداد لمؤتمر القاهرة العربي الثقافي وصياغة بعض محاوره. 
ومع إدراك خطورة التحديات التي تجابه المنطقة يتفق المثقفون العرب عبر طروحاتهم وتعليقاتهم على أهمية هذا المؤتمر في وقت يستدعي بالفعل جهدا برؤى مبدعة للإجابة على اسئلة تتعلق بوجود الأمة ذاتها.
ومن نافلة القول إن الثقافة تشكل أهم مقومات الأمة العربية الواحدة بلسانها العربي المبين وقيمها الجامعة واتصالها الوثيق بثوابت ومتغيرات وتفاصيل أوجه الحياة في العالم العربي ولغة الخطاب من المحيط إلى الخليج، فيما يتفق المثقفون العرب على أهمية نهوض المؤسسات الثقافية بأدوارها المأمولة دفاعا عن القضايا العربية وتلبية أشواق الإنسان العربي في التقدم والوفاء باستحقاقات العصر ومتطلبات المستقبل في ظل ثورات علمية وتقنية لا تتوقف.
والقاهرة التي تحتضن هذا المؤتمر الثقافي العربي للمرة الثانية شهدت مؤخرا ندوة حول مستقبل الثقافة العربية نظمها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ومؤسسة الفكر العربي تحت عنوان "نحو نموذج ثقافي عربي جديد في عالم متحول".
واهتم نحو 25 مثقفا عربيا في هذه الندوة "بالوسائط الحاملة للمشروع الثقافي العربي بعد أن فرضت الثورة المعلوماتية نفسها على الجميع" ولم تعد الأطر الثقافية التي سادت في الماضي صالحة للتعاطي مع هذا العصر بثوراته العلمية والتقنية المذهلة.
وتقول الكاتبة المغربية وفاء صندي إن الرهان الكبير هو بناء إنسان واع مسؤول وشعوب قادرة على فهم التغيير واستيعاب شروطه وظروفه وقبول الآخر وتعميق النقد الذاتي وتوسيع الهامش الموضوعي في التفكير والجدل وهو "مايستلزم إصلاحا ثقافيا شاملا"، موضحة أن الإصلاح الثقافي الذي لم يعد يحتمل التأجيل "قضية مجتمعية تتداخل فيها عوامل متعددة".
والإصلاح الثقافي الشامل يشكل أولوية من وجهة نظر هذه الكاتبة والمثقفة المغربية "من أجل إنجاح مشروعات الإصلاح كافة"، فيما رأت أن أول مداخل الإصلاح الثقافي "ضرورة إصلاح منظومة التفكير والسلوك من منطلق ديني منفتح ومستنير".
وكانت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم قد أعلنت أن فعاليات هذه الدورة الجديدة للوزراء المسئولين عن الشئون الثقافية في الوطن العربي معنية بتأكيد الهوية وتعزيز الانتماء والولاء واستحداث جسور عديدة لجمع روافد الثقافة العربية في إطار قومي واضح.
فيما دعت وفاء صندي المثقفين العرب للتفاعل الإيجابي وإطلاق "ديناميات واعية للارتقاء بمنظومة القيم والأخلاق وتنمية روح الابتكار والإبداع وتأسيس عقلية علمية قادرة على النقد واختراع الحلول الجديدة للمشكلات القائمة وفهم قواعد لعبة المستقبل والتفاعل مع الديناميات المتحكمة في تدبير صراعات العالم". 
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد أن ثمة "تحديات استثنائية وتهديد حقيقي لكيان الدولة الوطنية العربية بل للهوية العربية أصلا" متفقا في ذلك مع طروحات لمثقفين عرب أبدت قلقا واضحا حيال "المهددات للهوية العربية الجامعة وتعرض الفكرة العربية لمحاولات حجب ونكران وجحود".
وحتى على مستوى الدولة الوطنية في العالم العربي فإن هناك دعوات ملحة من جانب مثقفين عرب للاهتمام في المرحلة الراهنة "بصياغة سياسات ثقافية جديدة" باعتبار أن "دور المكون الثقافي رئيسي في أي سياسات لإعادة بناء الدولة الوطنية بعد التحديات التي كادت تعصف بكيانات عدة دول عربية". 
ووسط ترحيب المثقفين العرب كانت القمة العربية الأخيرة التي عقدت في شهر أبريل الماضي في الظهران بالسعودية قد رحبت في بيانها الختامي بالدعوة لعقد قمة ثقافية عربية تسهم في دفع عجلة الثقافة والتنوير وتذكي القيم العلمية والأخلاقية. 
وإذا كانت الدلالة والمغزى لانعقاد هذا المؤتمر الثقافي العربي في القاهرة للمرة الثانية فالقرارات المنتظرة والمأمولة في مؤتمر القاهرة لابد وأن تسهم إيجابا في حماية الهوية العربية بعد أن وجد العرب أنفسهم في وضع إقليمي ضاغط ومستهدفين بمشاريع لقوى إقليمية غير عربية ومن هنا رأى معلقون أن أغلب صراعات القوى الإقليمية غير العربية بمشاريعها تأتي على حساب المصالح العربية والأمن القومي العربي.
وإذا كانت "بعض الأطراف من دول الجوار في المنطقة تمارس أدوارا هدامة لإذكاء الصراعات المسلحة والحروب الأهلية وتقويض مؤسسات الدولة الوطنية" فإن العديد من المثقفين العرب يتفقون في طروحات وتعليقات عبر الصحف ووسائل الإعلام على أهمية الاهتمام بالبعد المعرفي حفاظا على الهوية العربية والتصدي للمؤثرات المناوئة لقيم الاصطفاف العربي.
ورأى أحد هؤلاء المثقفين في مصر وهو الكاتب الدكتور مصطفى عبد الغني الذي عرف بتبصراته الثقافية في جريدة الأهرام أن التأثير السلبي على الهوية العربية يزداد مع ازدياد حدة الصراعات في بعض الدول العربية مثل سوريا، موضحا أن هذا التأثير السلبي طال "اللغة العربية".
وفيما طرح الباحث والكاتب الصحفي المصري الدكتور عبد المنعم سعيد مؤخرا تصورات حول "تطور مفهوم القومية والفهم الجديد لمعنى العروبة" فإن مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور مصطفى الفقي يؤكد على أن العامل الثقافي هو "عامل رئيسي في مفهوم القومية"، مشددا في الوقت ذاته على أهمية "التكامل الاقتصادي والبناء الذاتي".
ورأى الدكتور مصطفى الفقي صاحب كتاب "تجديد الفكر القومي" أن كتابه الذي صدر في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي "تضمن بوضوح رؤية حديثة لمعنى القومية ومفهوم الأمة" ويخرج بهما عن الإطار العاطفي التقليدي، منوها بأهمية "دعم العامل الثقافي بشبكة مصالح مشتركة ومتوازنة".
ويؤكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط على أهمية الإدراك العربي لطبيعة التغير الذي لحق ببنية النظام الدولي ومنظومة العلاقات الدولية واللحاق بالثورة المعلوماتية الهائلة وثورة وسائل التواصل الاجتماعي والتعامل معها بشكل متوازن.
فالتحديات الجديدة تتطلب "لغة جديدة" و"إبداعات ثقافية استراتيجية" و"أدوات مختلفة عن السائد والتقليدي من أساليب الماضي، كما تستدعي هذه الحالة تنظيرات ثقافية جادة لاتركن للسائد ولاتعتمد على المألوف وإنما ترتقي لمستوى التحديات الجسام واللحظات الخطيرة وتطرح أسئلة بقدر ما تسهم في إجابات وتثري عملية التراكم الثقافي للخبرات وصولا لتأسيس "ثقافة الاصطفاف العربي ومفاهيم حقيقية للجسد العربي الواحد". 
وبعض أبرز المثقفين العرب مثل الكاتب والمفكر البحريني الدكتور محمد جابر الأنصاري قد التفتوا لأهمية الحفاظ على اللغة العربية من أجل حماية الهوية ودعوا من قبل لقرارات ملزمة على مستوى قمم عربية بشأن دعم اللغة العربية.
وقال الدكتور محمد جابر الأنصاري أن الخطر الماثل يتمثل في أن جيلا عربيا جديدا لايحسن استخدام لغته الأم، لافتا إلى أنه إذا نظرنا إلى حدود الوطن العربي الكبير "نجد أن الحدود اللغوية هي التي تحدده في غياب أي اعتبار آخر" وهذه الحدود اللغوية هي التي تجيب على سبب عدم انضمام قوى إقليمية مثل إيران وتركيا لهذا الوطن العربي الكبير.
ورأى الأكاديمي والشاعر اليمني الدكتور عبد العزيز المقالح، وهو رئيس المجمع العلمي اللغوي في اليمن، أنه إذا كان هناك أكثر من أسلوب في الحفاظ على الهوية القومية وحماية مكوناتها فإن الثقافة هي الجزء الأقوى في تحدي المخاطر "لأنها الأقدر على التسرب في ثنايا النفس إلى أن تصبح جزءا لا يتجزأ من مخزونها المعرفي والروحي والأدبي".
وإذ يدعو "إلى توحيد الجهود واستنفار الطاقات الفكرية والإبداعية لإحياء فكرة وحدة ثقافية عربية تقوم على التنوع والتعدد" يقول الدكتور عبد العزيز المقالح إنه "إذا انهار الجدار الثقافي فلا شيء يمنع من تفتيت الشعوب وتحويلها إلى بؤر للتناحر والخصومات".
وفيما يشكل الإرهاب أحد أخطر تحديات المرحلة الراهنة ثمة اجتهادات ثقافية لافتة لباحثين عرب بشأن التحديات الراهنة في المشهد العربي ومن بينها الإرهاب ومثل هذه الاجتهادات الثقافية العربية تعكس إدراكا بالتهديدات التي تتعرض لها العروبة كرابطة جامعة لدول العالم العربي وشعوب الأمة العربية الواحدة.
أنها القاهرة قلب العروبة النابض تشهد غدا حدثا ثقافيا عربيا كبيرا يسهم في الإجابة على السؤال الكبير من الذي سيقوم بالدور الأكثر أهمية في صياغة "منظومة القيم" داخل المنطقة العربية؟!.. هل هم العرب أم قوى الخارج؟!!. وكل عربي صادق العروبة ينظر الآن بالأمل نحو القاهرة وهي تحتضن غدا مؤتمرا ثقافيا له أن يكتب صفحات مضيئة دفاعا عن الهوية والقيم العربية والمشروع الثقافي للأمة الواحدة.