الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"المباني التراثية" ثروة مصر المهدرة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"المبانى التراثية" تاريخ يحكى مظاهر مصر الحياتية فى سنوات وعقود وقرون، غير أنها تعرضت خلال السنوات الخمسين الماضية إلى ما يشبه المذبحة، بعد أن طالتها يد الإهمال من الجهات المنوط بها حمايتها وتطويرها وترميمها والحفاظ عليها من ناحية، ومن ناحية أخرى وضعت العديد من القوانين التي كانت بمثابة حصان طروادة لتدميرها بشكل شبه رسمى ومقنن، بعد أن استغلها الطامعون فى تلك المبانى سواء لتحفها المعمارية أو لتلك الأرض الكائنة عليها تلك المباني.
وعلى الرغم من صرخات المهتمين بهذا التاريخ، إلا أن الوضع يزداد سوءًا بمذابح لا تتوقف للعشرات من الفيلات والمبانى والفنادق التى شهدت مناسبات تاريخية تحكى عنها كتب التاريخ فصولًا عديدة لما كان لها من أهمية طاغية حينها. 
الأمثلة عديدة والجريمة مكتملة الأركان، وأدلة النهب والسرقة والتخريب حاضرة دون تدخل من الجهات المسئولة، وعلى سبيل المثال لم ينس المصريون ذلك المبنى التاريخى المعروف بـ«البورصة فى الإسكندرية» حينما وقف الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عام ١٩٥٦ قائلًا: «تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية»، وكانت هذه الكلمات التى دوت فى سماء ميدان المنشية بصوت عبدالناصر فى قلب المنطقة التاريخية، ومن أعلى شرفة مبنى «البورصة» يوم ٢٦ يوليو ١٩٥٦، وهو المبنى الذى كان شاهدًا أيضًا على محاولة اغتياله قبل نحو عامين فى ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤، والتى باءت بالفشل، وظلت جدران المبنى التاريخى شاهدة على تفاصيل هذه الأحداث التاريخية.
إلا أن هذا المبنى التاريخى سرعان ما اندثر وهدم لعوامل مختلفة، فمبنى «البورصة»، الذى شكل المنصة الرئيسية لخطابات ناصر كان تحفة معمارية على الطراز اللاتينى، ووضعت فى واجهته الرئيسية ساعة ضخمة وتغير اسمه بتغير السنوات، فكان اسمه الأصلى «البورصة»، ثم أطلق عليه مبنى «الاتحاد الاشتراكي»، ثم «التحرير»، إلى أن تهدم عقب حريق هائل اندلع داخله عام ١٩٧٩، كما كان فى مواجهته مباشرة مبنى آخر أكثر عراقة، وهو المبنى الملكى الذى هدم أيضًا. 
وفى السبعينيات بعد أن حققت مصر انتصارها على العدو وحررت سيناء الغالية فى السادس من أكتوبر ١٩٧٣، اتجهت الحكومة لسياسة الانفتاح الاقتصادى والمضى نحو بناء الدولة المصرية فى عهد الرئيس السادات، لكن على النقيض تمامًا ظهرت على الجانب الآخر موجات من الهدم طالت عددًا من التحف المعمارية المميزة على بر مصر بأكمله، ففى نهاية السبعينيات اختفت مبانٍ تاريخية عظيمة من الإسكندرية، كما اختفت تمامًا معالم ميدان المنشية أو ميدان محمد على فى مدينة الإسكندرية، أحد أقدم ميادين العاصمة الثانية لمصر، وكان يُطلق عليه فى السابق «ميدان القناصل»، اختفت أيضًا العديد من المبانى التراثية والتحف المعمارية، إلا أن الميدان لا يزال يحتفظ بحديقة فى وسطها تمثال برونزى ضخم لمؤسس مصر الحديثة، محمد على باشا، ويقع الميدان فى حى «المنشية» التجارى العريق فى المدينة، ويطل على مجموعة من الشوارع، منها شارع «نوبار باشا» والسبع بنات، كما توجد بالميدان مبانٍ متعددة، منها مبنى محكمة الإسكندرية الابتدائية «سراى الحقانية سابقًا»، والذى تم إنشاؤه عام ١٨٨٦، ويضم الميدان كذلك قصر القنصلية الفرنسية بالإسكندرية.
لم يكن مبنى «البورصة»، والمبنى الملكى سوى أمثلة على تراث اختفى، ضمن حملة امتدت فى مصر مع نهاية السبعينيات وحتى وقتنا هذا، فعلى مدى سنوات ما بعد الحرب وخلال عقود دمرت ثروة معمارية ثمينة، كما شهدت فترة ما بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ الموجة الأكبر من الدمار، حيث فقدت مصر ٧٥٪‏ من المبانى التراثية خلال ٣ سنوات من ٢٠١١ إلى ٢٠١٤، وفقًا لإحصائيات أعدها الجهاز القومى للتنسيق الحضاري، ضمن جهوده لحصر المبانى التراثية ذات الطراز المعمارى المتميز. 
كما أعد الجهاز إحصائية للمبانى التراثية، إذ حصر نحو ٦٥٠٠ مبنى فى مصر، تنقسم لمبانٍ ذات طراز معمارى فريد، أو تابعة لحقبة تاريخية معينة، أو كانت مسكنًا خاصًا لإحدى الشخصيات المهمة والتاريخية أيضًا.
المريب أن تلك المبانى التراثية تعرضت للتخريب خلال الآونة الأخيرة بسبب هشاشة القوانين التى من المفترض أن تحمى هذه المباني، إلا أنها تعرضت للتحريف والتزوير والتى تحتاج لتعديلات عاجلة لوقف يد الهدم من الوصول إلى تلك المبانى التاريخية، بداية من القانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٨٣ «قانون حماية الآثار»، الذى تم تحديثه فى عام ٢٠١٠.
وعرفت القطع الأثرية بأنها تتضمن إنتاج الثقافات المختلفة أو الفنون، والعلوم، والأدب أو الدين من قبل حقبة تاريخية معينة، أو حقب تاريخية متتالية، وحتى قبل ١٠٠ عام، أما القانون ١٤٤ لسنة ٢٠٠٦، والذى وضع للحفاظ على هذه الهياكل المعمارية المميزة، إلا أنه استغل ليكون أداة لانتشار ظاهرة هدم المبانى التراثية، والتى تركزت فى القاهرة، وتلتها محافظات الإسكندرية ثم بورسعيد، حيث تم هدم العديد من الفيلات والقصور التاريخية والمبانى التراثية سواء التاريخية أو التى تخص شخصيات تاريخية، أو ذات طابع معمارى عمرانى فريد.