الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"صحراء الأنبار".. جنة "داعش"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم نجاح العراق أواخر العام الماضى فى طرد «داعش» من المدن، التى سيطر عليها فى ٢٠١٤، إلا أنه لم يلاحق حينها عناصر التنظيم الإرهابي، الذين فروا إلى الصحراء، ما أوجد ثغرة خطيرة قد تقضى على أى مكاسب تحققت فى الماضي، فى حال لم يتم معالجتها قبل فوات الأوان.
فالتقارير الواردة من محافظة الأنبار فى غرب العراق تبعث على القلق الشديد، والتى تشير إلى أن بعض عناصر التنظيم أعادوا فيما يبدو تنظيم صفوفهم فى صحراء هذه المحافظة، التى تمتد على الحدود العراقية مع ثلاث دول، هى سوريا والأردن والسعودية، ما قد يوفر فرصة مواتية للإرهابيين لحرية الحركة والتنقل بسهولة، وبالتالى احتمال العودة من جديد، وتهديد استقرار هذه الدول جميعًا.
ولعل ما يزيد من ورطة الحكومة العراقية، أن صحراء الأنبار تقع فى محافظة تشكل تقريبًا ثلث مساحة البلاد، وتكثر فيها الوديان والهضاب، ما يصعب على القوات الأمنية ملاحقة الإرهابيين فيها بسهولة، بينما يستغل داعش هذا الأمر للحصول على ملاذ آمن وإعادة تجميع صفوفه، وتدريب عناصره على عمليات إرهابية جديدة، وأساليب التخفى بعد تنفيذها.
هذا بالإضافة إلى أن التنظيم كما كان فى السابق يستغل تواجده فى صحراء الأنبار، لتهريب مسلحين وأسلحة عبر جانبى الحدود بين العراق وسوريا تحديدًا، بجانب محاولته إنعاش مصادر تمويله مجددًا، عبر التجارة غير الشرعية وعمليات تهريب المخدرات، والآثار، والنفط، والتى يراهن عليها لإعادة سيناريو ٢٠١٤، عندما انطلق من الصحراء، وسيطر على مدينة الموصل بمحافظة نينوى فى شمال العراق، وعدة مدن فى الأنبار «غربًا».
وتبقى الكارثة الكبرى، أن صحراء الأنبار تطفو فوق بحر من النفط والغاز، ومن يسيطر عليها، يمتلك ثروات طائلة لا حصر لها، كما يتحكم فى المشهد برمته سواء داخل العراق أو فى محيطه الإقليمي، ففى ١٤ مارس ٢٠١٧، كشفت صحيفة «الشروق» الجزائرية، نقلا عن مصادر عراقية، أن الأنبار تضم أكثر من ٥٠ تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو أكبر احتياطى من الغاز فى العالم، كما تضم صحراء الأنبار الواسعة، أكثر من ٣٠٠ مليار برميل من النفط، وهو أكبر احتياطى نفطى فى العالم، بجانب وجود أكثر من ٨٠ مليون متر مكعب من رمال الزجاج، إضافة إلى كميات كبيرة من الحديد والذهب.
وأضافت الصحيفة أن كل هذه الثروات جعلت الأنبار، التى تقطنها أغلبية سنية، هدفًا منذ اللحظة الأولى للغزو الأمريكى فى ٢٠٠٣، ونقلت عن سياسى عراقي، قوله إن الأنبار وصحراءها الشاسعة هى بمثابة كنز استراتيجى وستعيد خلط الأوراق وستقلب المعادلة فى العراق وأيضًا على المستوى الإقليمي، باعتبار حدودها مع الدول المجاورة والسيطرة عليها لها بعد إقليمى كبير، معربًا عن خشيته من عدم قدرة الجيش العراقى على السيطرة على المناطق المحررة فى الأنبار فترة طويلة، ما قد يوفر فرصة لداعش للعودة من جديد.
ولعل ما يضاعف المخاوف من احتمال حدوث هذا السيناريو، أن تأخر الجيش العراقى فى ملاحقة فلول التنظيم فى الصحراء، ساعدهم على التقاط أنفاسهم وجعل القوات الأمنية فى المناطق المحررة فى وضع الدفاع المستمر أمام الهجمات المتكررة التى تأتى من الصحراء، الأمر الذى استنزف الإمكانيات البشرية والمادية للحكومة العراقية.
ونقل موقع «نقاش» العراقى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٦ عن راجع بركات العيساوي، عضو اللجنة الأمنية فى مجلس محافظة الأنبار قوله: «إن الحكومة المحلية طالبت وفى أكثر من مناسبة بضرورة انطلاق عمليات تحرير صحراء الأنبار بالتزامن مع عمليات تحرير مدن المحافظة، إلا أننا وفى كل مرة، واجهنا حججًا لم نجن منها سوى خسارة الأرواح والأموال، التى جعلت من الأنبار منطقة ساخنة باستمرار».
وبدوره، قال المسئول الأمنى فى مدينة «الرطبة» التى تقع وسط صحراء الأنبار عماد الدليمي، إن غالبية سكان هذه المدينة يعملون بالتجارة، وبينهم عدد كبير من الأثرياء والميسورين، الذين أصبحوا عرضة باستمرار لتهديدات داعش وابتزازه، فضلًا عن إنعاش التنظيم لتجارته غير الشرعية.
وأضاف الدليمى «غلق المنافذ الحدودية وعدم توفير الحماية اللازمة لضمان إعادة افتتاحها من جديد وإخفاق القوات الأمنية فى بسط سيطرتها على صحراء الأنبار أهم أسباب رواج تجارة الجماعات المسلحة وانتعاشها».
وفى السياق ذاته، قال عبدالله الكبيسي، أحد سكان مدينة الرطبة، إن «تنظيم داعش استثمر سيطرته على صحراء الأنبار ومنافذها، واستطاع أن يفرض وجوده على بعض السكان فى مدينة الرطبة والقرى الصغيرة الأخرى، فأصبحوا يروجون بضاعتهم وينقلونها بتسهيلات من مسلحى داعش المنتشرين فى كل مكان، مقابل مبالغ مالية، تتراوح بين (١٥٠) إلى (٥٠٠) دولار أمريكي، عن كل شاحنة تمر بمناطق سيطرتهم، بحسب نوع الحمولة وكميتها، مقابل وصل قبض يطلق عليه وصل جباية».
وأضاف «التعاون مع داعش فى التجارة، تخلله تعاون على مستوى المعلومات عن الرطبة، وأصبح للتنظيم المتشدد، مصادر متعددة للحصول على المعلومات عن الأهداف التى يسعى لاستهدافها، خاصة القوات الأمنية».
ولعل إلقاء نظرة على الأوضاع الأمنية المتدهورة فى مدن الأنبار فى شهرى سبتمبر وأكتوبر ٢٠١٨، يكشف بوضوح أن عمليات تحرير مدن المحافظة التى بدأت فى ٢٠١٥ وتوجت بطرد داعش من الرمادى وهيت والبغدادى والرطبة والكرمة والفلوجة، وقعت فى خطأ فادح، لأن التنظيم الإرهابى اتخذ على الفور من المناطق الصحراوية المجاورة لهذه المدن ملاذًا آمنًا له، وانطلق منها مجددًا لشن هجمات ضد القوات الأمنية والمدنيين على حد سواء.
ففى ٦ أكتوبر، أفاد مركز الإعلام الأمنى التابع لوزارة الداخلية العراقية بإصابة ٥ أشخاص بينهم رجال أمن بتفجير فى مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار، وأضاف المركز أن «اعتداء إرهابيا بواسطة سيارة مفخخة نوع (كيا)، كانت مركونة فى حى نزال بمدينة الفلوجة أسفر عن إصابة شرطيين اثنين وثلاثة مدنيين».
وفى ٩ أكتوبر، تم العثور على كمية من الأسلحة الداعشية فى حملات أمنية بالأنبار، ونقل التليفزيون العراقى عن الناطق باسم مركز الإعلام الأمنى العميد يحيى رسول، قوله فى بيان، إنه بناء على معلومات استخبارية، تم العثور على صاروخ كاتيوشا محلى الصنع، و٤٦ قنبرة هاون عيار ١٢٠ ملم فى منطقة «البو على الجاسم»، كما تم تفجير ١١ عبوة ناسفة زرعها داعش فى منطقة «البو دعيج».
وفى ٢٩ أغسطس الماضي، تبنى داعش عبر منابره الإعلامية الانفجار الذى استهدف حاجزًا أمنيًا فى مدينة القائم بالأنبار، والذى أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة ١٥ آخرين، وقال أحمد جديان، المسئول الأمنى فى القائم حينها لشبكة CNN إن الحافلة المفخخة التى استخدمت فى الهجوم جاءت من الصحراء.
وفى اليوم ذاته، تصدت قوات الأمن لانتحارى حاول الاقتراب من مستشفى قضاء حديثة بالأنبار، وبعد محاصرته، عمد إلى تفجير نفسه، ما أسفر عن مقتل مدني، وإصابة أربعة آخرين بجروح.
وفى ٢٧ أغسطس الماضي، أعلن مركز الإعلام الأمني، العثور على عبوتين ناسفتين زرعهما تنظيم داعش الإرهابى على الطريق السريع قرب جسر الحديد بمنطقة الصقلاوية بالأنبار.
وفى ٢٨ أغسطس، تم العثور أيضًا على مخبأ داعشى فى عمق الصحراء فى محيط الأنبار، وقال التليفزيون العراقى حينها إنه خلال حملة تفتيش فى عمق الصحراء الغربية ومناطقها الوعرة قرب الحدود مع سوريا، تم العثور على مخبأ داعشى يستخدم لتهريب الإرهابيين.
وفيما يعود داعش تدريجيًا لأسلوبه القديم فى شن هجمات خاطفة على طريقة حرب العصابات، التى كان يتبعها قبل سيطرته على ثلث مساحة العراق عام ٢٠١٤، بدأت الحكومة العراقية تدرك، وإن كان متأخرًا، خطأ عدم ملاحقة فلول داعش فى الصحراء بالتزامن مع تحرير المدن، وأن الأسوأ لا يزال بالانتظار فى حال لم تتحرك سريعا لتطهير الصحراء من فلول التنظيم الإرهابي.
ففى ٧ أكتوبر، أعلن التليفزيون العراقى أنه «بإشراف القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، بدأ تنفيذ عمليات أمنية جديدة لملاحقة بقايا عصابات داعش فى صحراء الأنبار، وذلك بإسناد من طيران الجيش العراقى وطيران التحالف الدولي».
وفى ١٠ أكتوبر، أعلن الناطق باسم مركز الإعلام الأمنى التابع لوزارة الداخلية العراقية العميد يحيى رسول، عن انطلاق عملية أمنية جديدة لتعقب فلول داعش فى مدينة الرمادى وضواحيها بمحافظة الأنبار. 
وكان مصدر أمنى فى الأنبار، أفاد أيضًا فى ١٥ أبريل الماضي، بانطلاق عملية عسكرية من ٣ محاور لتفتيش شمال الطريق الدولى غربى المحافظة.
ونقلت قناة «السومرية نيوز» عن المصدر، قوله حينها، إن «تشكيلات الفرقة الأولى فى الجيش العراقى وبمساندة طيران الجيش والتحالف الدولى شرعت بعملية عسكرية واسعة لتفتيش الصحراء شمال الطريق الدولى غربى الأنبار».
وفى ٢ أغسطس الماضي، قال قطرى العبيدي، من زعماء العشائر فى الأنبار، لموقع «ديارنا» العراقي، إن هناك جهودًا مشتركة بين القوات الأمنية العراقية وأبناء عشائر الأنبار لتنفيذ حملات تفتيش واسعة فى أعماق المناطق الصحراوية، بحثًا عن جيوب الإرهابيين، وهى تحقق تقدما.
وأضاف العبيدى «الصحراء وبالأخص فى غرب الأنبار مصدر الإرهابيين وملجأهم فى الوقت نفسه، وهيأت البيئة هناك مكانا جيدا لعناصر داعش للتمركز بأعداد كبيرة والهجوم على مدننا والسيطرة عليها لاحقًا فى نهاية العام ٢٠١٤».
وأضاف «بعد استعادة كل مدن الأنبار، لاذ الإرهابيون من جديد إلى الصحراء لغرض التقاط الأنفاس وترتيب صفوفهم»، وتابع «اعتمدنا استراتيجية التضييق وصارت عمليات التطهير المشتركة من قوات الأمن والعشائر تصل لقرى صحراوية ومناطق نائية لم تطأها أى قدم من قبل».
واستطرد «واجباتنا تتصف بالاستمرارية والحزم فأى تهاون أو تقاعس فى حملات التعقب والملاحقة يعنى إعطاء الإرهابيين فرصة للبقاء على قيد الحياة».
وأشار العبيدى إلى أنه تم تدمير مخابئ كثيرة للإرهابيين وقتل العشرات منهم فى مداهمات أو عمليات قصف جوية.
وفى ٢ أكتوبر، أفادت وسائل الإعلام العراقية أيضًا باعتقال ثلاثة دواعش خلال عملية أمنية فى الصحراء جنوب مدينة الرطبة فى غرب مدينة الرمادى بالأنبار.
وبصفة عامة، فإن إسراع العراق فى تشكيل الحكومة الجديدة وحلحلة الأزمة السياسية المتواصلة فى البلاد منذ الانتخابات البرلمانية التى جرت فى ١٢ مايو الماضى وتحسين الأوضاع الاقتصادية، قد يساعد فى التفرغ لمواجهة خطر داعش فى صحراء الأنبار.