الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

وزير التموين الأسبق في حوار لـ"البوابة نيوز": الانفتاح وراء انهيار الطبقة الوسطى بعد نصر أكتوبر.. تغيير قواعد الإنتاج من الزراعة والصناعة والاتجاه للتجارة سبب تصدع النظام الاقتصادي

 الدكتور جودة عبدالخالق
الدكتور جودة عبدالخالق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال الدكتور جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ووزير التموين الأسبق، إن سياسة الانفتاح الاقتصادى أدت إلى تغيير قواعد الإنتاج من الزراعة والصناعة والاتجاه للتجارة، ما أدى إلى تصدع النظام الاقتصادى والاجتماعى، وقال فى حواره مع «البوابة نيوز»، إن مصر لم تستفد من «الريع الاستراتيجى» أثناء حرب تحرير الكويت، مشيرا إلى أن مصر كان لديها بدائل أفضل من الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي، وأكد على ضرورة الاعتماد على الاقتصاد الحقيقي، في الصناعة والزراعة التي شهدت تدهورا كبيرا.. وإلى الحوار.


بدأ السادات فى أعقاب ١٩٧٣ باتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي.. فما رؤيتكم لهذه الفترة؟

- سبق نصر أكتوبر ٧٣، هزيمة فى ١٩٦٧، تعرضنا لهزيمة غير متوقعة، ما سبب شرخا فى النفسية المصرية على المستويين الفردى والجماعى، وأنكر المصريون أشياء كثيرة، لعل أبرزها المشروع الوطنى، ما جعل الفرصة سانحة ومهيأة لدخول المشروع الدينى بديلا للمشروع الوطني، وتلك نقطة فى غاية الأهمية، وترافق معها ظهور «سياسة الانفتاح»، حيث تهدف لتحرر التجارة الخارجية، وأصبح هناك دور رئيسى للقطاع الخاص، وجاء تبرير سياسة الانفتاح على أساس دينى ليكون أكثر قبولا، بعد فشل المشروع الوطني، وبدأ فى إطار الصراع السياسى بين النظام الجديد والنظام القديم، ليتم الاستقواء بالدين، دعنا نقول إنها بالمعادلة الحسابية، إن الدولة أرادت خلق كيان سياسى مواز، وفى نفس الوقت الترويج للمشروع الاقتصادى، ففكرة النشاط الرائد فى الاقتصاد فى سياسة الانفتاح هى التجارة، وليست الصناعة والزراعة، ولا نزال نعانى منه حتى الآن.


ماذا عن التحولات المجتمعية التى لازمت الانفتاح الاقتصادى؟

- ترافق مع سياسة الانفتاح الاقتصادى ارتفاع كبير فى الأسعار، وهى ظاهرة يعيشها جميع المجتمعات التى تمر بحروب، ونحن نتكلم عن حرب ٧٣، هناك انفتاح وثروة تكونت عند انتهاء الحرب، وهناك ارتفاع فى الأسعار أدى إلى فرز طبقي، فنجد الطبقة الوسطى التى تعيش على دخل ثابت مثل المدرسين والموظفين تسقط من إلى القاع، وصعود عناصر من القاع للطبقة الوسطى وما فوقها، ولكن بدون تأهيل نفسى أو ثقافى.

وما زال حتى الآن، يعيش المجتمع فى حالة صراع ولم يصل إلى توازن، بمعنى أن تستقر كل الطبقات فى وضعها، كما تغيرت قاعدة الإنتاج، فالصناعة تدهورت بشكل كبير، والزراعة أُهملت بشكل واضح، ونتج عن ذلك تغيرات فى التركيبة المجتمعية، فزادت الهجرة من الريف إلى المدينة والهجرة الخارجية أيضا.

ما أثر سياسات الانفتاح الاقتصادى على الاكتفاء الذاتى فى القمح والذرة؟

- فى الستينيات كان هناك اهتمام كبير بالزراعة والفلاح، لكن فى أوائل السبعينيات عندما بدأنا فى هوجة الانفتاح كان إنتاجنا المحلى من القمح يكفى استهلاكنا فى حدود ٦٥٪، والنسبة تراجعت فى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات إلى ٤٥٪، وتقف الآن عند٥٠٪ وما زال إهمال الزراعة مستمرا، فمصر من أكبر مستوردى القمح عالميا.


شجعت الدولة على هجرة الشباب للخارج.. فما تأثير ذلك على الاقتصاد؟

- هناك جانب إيجابى يتمثل فى تحويل العملات الأجنبية إلى مصر، ولكن فى المقابل هناك سلبيات كثيرة، منها تفريغ مصر من الكفاءات ما انعكس على القدرة فى الأداء الاقتصادى، وظهور اهتمامات جمع الثروة التى أصبح الشغل الأكبر لكل الطبقات، وهذا كان متعمدا من السلطة آنذاك لقتل السياسة، وكان التأثير على البناء الطبقى تأثيرا سلبيا وخلق حراكاً اجتماعياً مشوهاً، انعكس على السلوك فى الشارع المصرى وظهور ما نسميه «خلجنة مصر»، وزادت وتيرة تجريف الأرض الزراعية فى ظل وجود سيولة ضخمة، وتحولت إلى مبان، فتغير شكل الريف وبدأت عملية تحول الريف إلى مدينة.

خضوعنا لصندوق النقد الدولى كان سببا لحدوث ثورة يناير ٧٧ فهل تم التراجع عن مشروع النقد الدولى فعليا؟

- تراجعت مؤقتًا، وتم سحب القرارات التى أدت إلى هياج المواطنين ونزولها إلى الشارع فى ١٨ و١٩، وأعلن ذلك رسميًا فهدأت العاصفة.

مع تولى مبارك إدارة البلاد.. بدأت الأزمات الاقتصادية تتوالى على مصر.. ما تقييمك لهذه الفترة؟

- هذه الفترة كانت أطول فترة حكم لفرد فى التاريخ الحديث، وواقعيًا كانت فترة رضوخ لأوامر الولايات المتحدة الأمريكية تصل لدرجة أن البلد كان يرتزق مما كانت تريده أمريكا فى الشرق الأوسط، بدأت من معاهدة السلام التى جعلتنا ندمن المعونات الأمريكية منذ ١٩٧٦.

وعملية الرضوخ لا تعنى أن المصريين عملاء لأمريكا، بقدر فكرة الرضوخ أو ذلك مستمد من موقع مصر الجغرافى، وهذا يخلق للبلد التى لديها موقع متميز قدرة على الحصول على ما يطلق عليه ريع الموقع أو يمكن التعبير «الريع الاستراتيجى» من خلال السماح بمرور كل الطائرات العسكرية حتى لو ضربت أرضا عربية.


هل استطاعت مصر أن تخرج من تأثيرات اقتصاد الحرب بالسياسات التى اتبعتها فى السنوات التى أعقبت ١٩٧٣؟

- أولا اقتصاد الحرب مرتبط بحالة من التعبئة المجتمعية، لأن المواطن يشعر بأن الوطن فى خطر، فالكل يصطف وراء القيادة، وبالتالى عندما تتخذ إجراءات تقشف، مثل تخفيض الإنفاق، الناس تكون أكثر استعدادا لقبولها وتعمل بمجهود للدفاع عن الوطن.

وفور نصر حرب ٧٣ أخذنا أرضنا ومعظم سيناء، والباقى بالتفاوض، ولكن المدهش هنا أنه من سنة ١٩٨٠ إلى ٢٠١١، ما يعنى ٣٠ عامًا، أن المجتمع لم يرتق اقتصاديا بشكل أسرع فى فترة السلام لأنه لا توجد حرب.

وذلك نظرًا لتطبيق سياسات المؤسسات المالية الدولية وصندوق البنك الدولي، سواء باتفاق معلن أو فى الخفاء، وذلك حدث فى البرنامج الذى حدث سنة ١٩٩٧ حتى ٢٠٠١ وحدث فى برنامج قبل ذلك ولم يكتمل فى ١٩٨٦.

وأرسلت مصر قوات للمشاركة فى حرب الخليج، لتحرير الكويت، وفى حالة تبنى منطق العمالة من خلال توظيف «الريع» الاستراتيجى بتاعنا، يبقى لازم تتأكد أنك بتاخد كل قيمة الريع وليس جزءا منه، وليس هناك بديل لمصر فى الجزئية دي، أمريكا لما كانت تريد تعمل حرب العراق متقدرش تعملها بدون البعد الاستراتيجى للمنطقة، مقابل الحصول على قدر من المساعدات، والذى كان قدرا بسيطا من قيمة «الريع»، وكانت صفقة خاسرة من وجهة النظر المصرية، ولكن فى نفس الوقت تخلت الدولة بفضل اتباع فلسفة المؤسسات الدولية وتخلت الدولة عن دورها الضرورى فى إدارة الاقتصاد.

ما ملامح الفترة من ٢٠١١ إلى ٢٠١٥.. وما التغييرات الاقتصادية خلال هذه الفترة؟

- دخلت الوزارة بعد رحيل «مبارك» فى ١١ فبراير ٢٠١١، فى التعديل الوزارى الذى أجرى فى حكومة شفيق فى ٢٢ فبراير ٢٠١١، وحلفت يمين الوزارة فى هذا التاريخ، وظلت موجودة فى ظل حكومات بتستقيل شاركت فى ٤ حكومات إلى أغسطس عام ٢٠١٤، وتتميز هذه الفترة بـ«الغليان» فى الشارع، وعجز أى سلطة كانت موجودة فى هذا الوقت، وعلى خلفية غياب الأمن، ودى نقطة هامة جدًا، لما يكون فيه أمن غائب وعليك مسئولية كوزير التموين، وأن تنقل مواد تموينية إلى المحافظات جنوبًا وشمالًا وفى سيناء أيضًا وإلى طابا فى الجنوب وإلى العريش وشرقها أيضًا بالحدود مع فلسطين ورفح المصرية، بالإضافة إلى جنوب الصعيد من المنيا وحتى أسوان.

واعتمدنا على الجيش فى هذا الأمر وكانت عندنا قوافل تموينية تحتاج إلى التأمين، وكمان الجيش ساعدنا فى أننا نضبط عمليات الفساد اللى بتحصل فى أنابيب البوتاجاز، وكان هناك مشكلات كثيرة، ولجأنا لعساكر الجيش والشرطة فى التأمين بالإضافة إلى موظفى الوزارة، ومكافحة تهريب السلع عبر الحدود.


ماذا لو أصبحت وزير التموين مرة أخرى.. ما أول قرار ستتخذه هذه الفترة؟

- الأمر المُلح جدًا هو أنى أشتغل على مجال القمح والأرز، لأن ما يحدث به كثير، حيث إن الأرز يباع حاليًا بـ١١ جنيها للكيلو الواحد، نتيجة النسبة فى التقليص وأن البلد يكون عنده اكتفاء ذاتى يُتيح الأرز للمواطنين بأسعار جيدة، والحد من تغول التجار، وأول قرار سيكون وقف تغول التجار على المواطنين.

هل كان لدى مصر بدائل عن الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولى؟

- كان هناك بدائل، فإذا كان لدينا عجز تجارى فهذا أمر صحيح يمثل مشكلة ضاغطة على قيمة العملة، فكان يجب علينا أن نقلل فاتورة الواردات التى وصلت إلى ٧٤ مليار دولار فى سبتمبر ٢٠١٦، قبل هذه الإجراءات الاقتصادية الراهنة، ما يعنى أن خمس المبلغ حوالى ١٤ أو ١٥ مليار دولار، فمن حقك طبقًا لعضويتك فى منظمة التجارة العالمية أن تتخذ إجراءات لتقليل الواردات، وهذه الإجراءات قد تصل إلى حظر الاستيراد من الخارج لفترة معينة أو وضع حصة كحد أقصى على ما يتم استيراده، بشرط تقديم مبرر لهذا الإجراء للمنظمة والتفاوض مع الشركاء التجاريين، ولا تستطيع أى قوى عالمية تضغط عليك بموجب المادة «٢٨ ب» طبقًا لاتفاقية «الجات» عام ١٩٩٠، وهى بمثابة الدستور الذى تطبقه منظمة التجارة العالمية؛ التى تنص على أن أى بلد يتعرض لضغوط عملات شديدة قد ينتج عنها أضرار اقتصادية واجتماعية سيئة من حقه اتخاذ تدابير لتقليل الواردات لفترة محددة، مع تقديم مبرر مقنع للشركات، ولو كنت وزيراً للتجارة لاتخذت القرار فورًا، ولكن المشكلة كانت فى وزير التجارة والصناعة اللى كان موجود وكان بيقول إننا منقدرش، لكن إحنا فى الحقيقة نقدر، وده كان موجود فى ملفات التجارة والصناعة، وكان من الممكن استخدام الحقوق المشروعة، وكان هيرتاح المواطن، ولكن كان فيه خلل فى النظام السياسى نتج عنه غياب الحوكمة دون وجود أى بعد اجتماعى لهذا الأمر.

أزمة الاستثمار هل هى مرهونة بقوانين معينة؟

- الاستثمار جاء لمصر بجزئية معينة، ولكن النسبة الأكبر التى تحكم الاستثمار فى الواقع، المحصلة الأخيرة هى معدل الربح ولكنه بمحصلة أشياء متعددة منها القانون والواقع والإجراءات التى تتم وسرعة إجراء المعاملات واحترام العقود والاتفاقيات وغيرها، لو راجعنا الموضوع بحوكمة، ولازم نفرق فإن كلمة الاستثمار فيها تزييف لمفردات الكلام، فالاستثمار فى القانون الاقتصادى هو استخدام جزء من موارد المجتمع الآن لزيادة قدراته على الإنتاج مستقبلًا، والكلمة هنا على أرض الواقع هى أى موارد تأتى من الخارج تساهم فى الاستغلال فى الداخل، ومفيش أى قيود عليه فى الدخول أو الخروج وهذا أمر خطير، لأن الأموال اللى بتدخل البلد بكميات كبيرة فجأة وتخرج فجأة بكميات كبيرة بتربك الوضع الاقتصادي، ونحتاج أن البنك المركزى يكون عنده وسيلة للتعامل، والوسيلة دى هى أنه الكلام عن احتياط النقد الأجنبى وأنه أكبر احتياطى فى التاريخ، لأنه عايز يصد الهجمات على الجنيه نتيجة الحركة الفوجائية، ولكن لما المستثمر ييجى يعمل مصانع وأراضى زراعية سيكون هذا الاستثمار التى تجرى الوتيرة عليه، ولكن الآن هو استنزاف لموارد مصر أكثر منه إضافة.