الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

«مفاجأة بريك» تزلزل الكيان الصهيوني

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم مرور 45 عامًا على حرب أكتوبر، فإن إسرائيل لا تزال تئن تحت وطأة هزيمتها المريرة فى هذه الحرب، خاصة أنها لا تزال عاجزة عن تحقيق أى انتصار عسكرى، يغطى على خسارتها الفادحة. ولعل ما يزيد من وجع إسرائيل، أن الظروف كانت مهيأة أمامها منذ تفجر الربيع العربى، واشتعال الأزمات فى سوريا والعراق وليبيا، لخطف انتصار عسكرى سريع، هنا أو هناك يساعدها فى الترويج مجددًا لأسطورة «جيشها الذى لا يقهر»، إلا أنها لم تفلح فى هذا أيضًا.

ورغم أن غزة كانت الحلقة الأضعف من وجهة نظر إسرائيل لتعويض هزيمتها فى حرب أكتوبر، فإنها سرعان ما تلقت ثلاث صفعات هناك وفى فترات زمنية متقاربة، إذ فشلت حروبها الجوية الثلاث على القطاع فى ٢٠٠٨ و٢٠١٢ و٢٠١٤، فى تحقيق شيء يذكر، سوى قتل الأطفال والنساء وتدمير البنية التحتية هناك. ولم يقتصر الأمر على فشل الحروب الجوية الثلاث، إذ أثبتت أيضًا حقيقة أن ما حدث فى هزيمة يونيو ١٩٦٧، لم يكن بالأساس بسبب تفوق إسرائيل المطلق فى سلاح الجو، وإنما لأن العرب حينها، خاصة دول الطوق، لم يستعدوا لهذه الحرب، وغاب التنسيق بينهم.
وجاءت التقارير المسربة، التى خرجت من داخل إسرائيل فى الذكرى الـ٤٥ لحرب أكتوبر، لتفضح أيضًا مزاعم أنها الأكثر تفوقًا من الناحية العسكرية فى المنطقة، وأنها قادرة على فعل ما يحلو لها فى أى وقت.
فهذه التقارير لم تثبت فقط أن الجيش الإسرائيلى، كما كان فى حرب أكتوبر، لا يزال عاجزًا عن خوض حرب برية، وإنما كشفت أيضًا عن أن جيشها غير جاهز لخوض أية حروب فى الوقت الراهن، رغم امتلاكه أحدث الأسلحة الأمريكية.


وكانت صحيفة «هآرتس» العبرية، كشفت فى ١٣ سبتمبر ٢٠١٨، أن تقريرًا سريًا جديدًا أظهر أن الجيش الإسرائيلى غير مستعد لخوض أية حروب فى الوقت الراهن، على عكس ما يروج فى هذا الصدد.
وقالت الصحيفة، إن رئيس ديوان المظالم فى الجيش الإسرائيلى، إسحاق بريك، انتقد فى تقرير سرى جديد، الاستعدادات الجارية فى الجيش تحسبًا للحرب.
وأضافت الصحيفة أن موقف بريك هذا يتناقض تمامًا مع تقرير صدر فى بداية سبتمبر عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، جادى آيزنكوت، أكد فيه أن الجيش على مستوى عالٍ من الاستعداد للحرب.


وأشارت الصحيفة إلى أن بريك أرسل تقريره السرى إلى وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان وكذلك إلى آيزنكوت، وأعضاء هيئة الأركان العامة فى الجيش الإسرائيلى، وأعضاء لجنة الشئون الخارجية والدفاع فى الكنيست، داعيًا إلى تعيين لجنة تحقيق خارجية يرأسها قاضٍ متقاعد من المحكمة العليا لفحص حالة استعداد الجيش الإسرائيلى للحرب.
وشمل التقرير، الذى يزيد على ٢٠٠ صفحة، اقتباسات طويلة من المحادثات التى عقدها بريك مع ضباط فى الجيش، بما فى ذلك ضباط فى القوات البرية، حيث كشفوا عن أوجه قصور خطيرة فى مستوى التدريب والتعامل مع المعدات العسكرية.
ولم يقتصر الأمر على المفاجأة السابقة، إذ كشفت القناة الثانية الإسرائيلية فى ٢٠ سبتمبر ٢٠١٨، عن أن أفيجدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلى، طالب بالتحقيق فى تسريبات اجتماعات المجلس الوزارى المصغر للشئون الأمنية والسياسية «الكابينيت»، والتى اعتبرها ضربة للأمن القومى لإسرائيل.
وأضافت القناة الإسرائيلية أن ليبرمان طالب بإشراك جهاز الأمن الداخلى «الشاباك» فى التحقيقات من أجل منع التسريبات، وذلك على خلفية تسريب لرئيس أركان الجيش الإسرائيلى، الجنرال جادى إيزنكوت، وأوضحت القناة أن ليبرمان اعتبر أى تسريبات من اجتماعات «الكابينيت» تهدد وتعصف بالأمن القومى لإسرائيل.
وبدورها، كشفت وكالة «سبوتنيك» الروسية، أن الجنرال جادى إيزنكوت حذر فى تسريب من اجتماعات «الكابينيت»، من أن احتمال اندلاع مواجهات واسعة النطاق فى الضفة الغربية يتراوح ما بين ٦٠ و٨٠٪، وتابع «هذه المواجهات لو اندلعت ستكون مؤثرة أكثر من أحداث غزة، وستحتاج إسرائيل إلى قوات كبيرة للسيطرة عليها».
وأضاف إيزنكوت أن الخطوات العقابية التى اتخذتها واشنطن بحق السلطة الفلسطينية تزيد من احتمال اندلاع تلك المواجهات، معتبرا أن الإدارة الأمريكية لا تقدر تبعات خطواتها بحق السلطة الفلسطينية، ومطالبا الحكومة الإسرائيلية بتحسين الوضع الاقتصادى فى الضفة الغربية.
وبالنظر إلى أن التقارير والتسريبات السابقة تكشف عجز إسرائيل عن خوض حروب جديدة، وأيضًا ذعرها من احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة، فإنه يتأكد أن قوة إسرائيل ليست فى قدراتها العسكرية، وإنما فى الدعم الأمريكى اللامحدود لها، وتأزم المشهد العربى. 


«برقية زامير»

ويبدو أن المزاعم، التى تروجها إسرائيل فى كل عام فى ذكرى حرب أكتوبر، تفضح أيضًا الحقيقة، التى تحاول إسرائيل إخفاءها ليل نهار، وهى عجزها عن تحقيق انتصار عسكرى يغطى على هزيمتها أمام الجيش المصرى فى ١٩٧٣.
فمحاولات إسرائيل التغطية على هزيمتها القاسية وصلت حد الادعاء، أنها كانت على علم بموعد حرب أكتوبر قبل وقوعها، إذ نشر الأرشيف العسكرى الإسرائيلى، فى ١٧ سبتمبر ٢٠١٨، مع قرب حلول الذكرى الـ٤٥ لحرب أكتوبر، محتويات برقية سرية، تزعم أن رئيس الموساد إبان حرب أكتوبر تسفى زامير أرسل إلى رئيسة الوزراء آنذاك، جولدا مائير، فى السادس من أكتوبر ١٩٧٣، يوم اندلاع الحرب تحذيرًا صريحًا من أن كلًا من مصر وسوريا على وشك شن هجوم مشترك على إسرائيل قبيل المساء.
وحسب صحيفة «هآرتس»، فإن البرقية المكونة من خمس صفحات لخصت لقاءات زامير، فى اليوم السابق مباشرة بلندن، والتى جمعته برجل الأعمال أشرف مروان، الذى كان مقربًا من الرئيس محمد أنور السادات، والذى نقل له المعلومة حول موعد الحرب، حسب زعمه.
وقالت «هآرتس»: إن زامير روج حينها أن البرقية غيرت تقييم المخابرات الإسرائيلية للموقف بالكامل، وبعد أن كان الجيش الإسرائيلى يعتقد أن هناك «احتمالا ضئيلا لبدء حرب أكتوبر، بات على يقين بعد الإطلاع على البرقية، بأن حرب أكتوبر ستندلع، وقال زامير، فى برقيته المزعومة: «يمكننا إحباط الهجوم المصرى بنشر خبر عنه فى الإذاعة والصحافة، وهو ما سيثبت لمصر، والقيادات العسكرية فيها، أن إسرائيل على بنية الهجوم، ومستعدة له».
ويبدو أن المزاعم السابقة لم تقنع أحدًا حتى داخل إسرائيل نفسها، لعدة أسباب، أبرزها أن إسرائيل لو حصلت بالفعل على معلومة مؤكدة حول موعد الحرب، ما كانت لتتردد لحظة واحدة فى محاولة وقفها بأى طريقة ممكنة، خاصة أن حليفتها أمريكا موجودة دائما للدفاع عنها وحمايتها، وحتى لو كان هناك أساس لهذه البرقية المزعومة، فإن هذا يثبت مجددًا عبقرية خطة الخداع، التى وضعتها القوات المسلحة المصرية، والتى لم تمكن إسرائيل من معرفة موعد الحرب إلا بعد فوات الأوان، ما جعلها عاجزة عن استدعاء قوات الاحتياط وفعل شيء، بل إن هذه البرقية تؤكد مجددًا أن الجيش المصرى حقق معجزة عسكرية بكل المقايس، لأن إسرائيل كانت على علم بموعد الحرب واستعدت لها، ورغم ذلك انتصر الجيش المصرى على «جيشها الذى لا يقهر».


ويبدو أن تعليق البروفيسور يورى بار جوزيف، من جامعة حيفا الإسرائيلية، وصاحب كتاب «The Angel: The Egyptian Spy Who Saved Israel»، الذى يتحدث عن أشرف مروان، على هذه البرقية، يفند أيضًا المزاعم الإسرائيلية، إذ سخر منها، قائلًا: «هذه البرقية تظهر أن زامير، ولأسباب عدة كان يبحث عن مخرج من موقف بائس وصعب أُخذنا فيه على حين غرة، لكن على أرض الواقع، لا أعتقد أنه كان يمكن التعويل على تلك البرقية، لأن مصر وسوريا كانتا أعدتا العدة للحرب، ولم يكن خبر فى وسائل الإعلام يدفعهما للتراجع».
ولعل تزامن نشر هذه البرقية مع عرض فيلم «الملاك» ابتداء من ١٤ سبتمبر، وهو إنتاج إسرائيلى أمريكى مشترك يجسد قصة أشرف مروان، يكشف أيضا أبعاد المؤامرة الإسرائيلية، التى تستهدف التغطية على هزيمتها النكراء فى حرب أكتوبر ومحاولة إفساد احتفالات المصريين.


ويزعم الفيلم أن أشرف مروان، سكرتير الرئيس الراحل أنور السادات وزوج ابنة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كان جاسوسًا لصالح إسرائيل طوال سنوات حياته، واستغل قربه من السلطة فى مصر فى خدمة إسرائيل، وقدم لها خدمات جليلة، ولذا تعتبره تل أبيب أفضل جاسوس فى التاريخ، وأطلقت عليه اسم «الملاك»، وهذا يتناقض تماما مع الرواية المصرية التى تؤكد أن مروان تجسس على إسرائيل لصالح مصر. ولم يقتصر تزييف إسرائيل للحقائق، على ما سبق، ففى ٦ أكتوبر ٢٠١٧، وتحديدًا فى الذكرى ٤٤ لحرب أكتوبر، زعم الكاتب الإسرائيلى، مناحم رهط، فى مقال له بموقع «نيوز ١» العبرى، أن حرب أكتوبر انتهت بانتصار إسرائيل، عندما اقتربت قواتها من مداخل القاهرة ودمشق، وهو ما يؤكد مجددًا أنهم لا يزالون يتجرعون مرارة الهزيمة، ولذا يحاولون إخفاءها كل عام بالادعاء أنهم حققوا مكاسب فى هذه الحرب، أو بنشر أكاذيب لا أساس لها.


حقائق ناصعة 

أيًا كانت مزاعم إسرائيل، فإن الحقائق التى تكشفت فى حرب أكتوبر، تجعلها دائمًا فى موقف لا تحسد عليه، ليس فقط لأنها أسقطت أسطورة جيش الاحتلال الذى لا يقهر، وإنما لأنها كشفت أيضًا عن أن العرب قادرون على تحقيق المعجزات فى حال توحدوا، وصدقت النوايا.
فمصر لم تمر فى تاريخها الحديث بفترة أسوأ من تلك التى شهدتها فى أعقاب نكسة يونيو ١٩٦٧، خاصة أن إسرائيل كانت تزعم ليل نهار أن الجيش المصرى أصبح جثة هامدة غير قادرة على المواجهة من جديد، إلا أنه سرعان ما تأكد زيف هذه الادعاءات، عندما اندلعت حرب أكتوبر، وقام أبطال الجيش بالثأر لكرامة المصريين جميعًا، وتحرير سيناء الغالية.‏ ولم يقف الأمر عند الثأر للهزيمة وتحرير الأرض، وإنما رسمت حرب أكتوبر المجيدة بحروف من نور فى كتب التاريخ، ليس فقط لأنها أحدثت تغييرًا جذريًا فى معادلة الصراع العربى الإسرائيلى والاستراتيجيات العسكرية التى عرفها العالم، ووصفت بالمعجزة، وإنما أيضًا لأنها كانت أيضًا ثلاث حروب فى حرب واحدة، حرب فرضتها الجماهير التى ظلت من عام ١٩٦٨ وحتى عام ١٩٧٣ تطالب فى الشوارع والجامعات بتحرير الأراضى المحتلة، وحرب أدارتها القيادات العسكرية فى كل من مصر وسوريا دفاعًا عن الكرامة الوطنية وشرف العسكرية العربية بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧، وحرب أدارها الرئيس الراحل أنور السادات لجذب أنظار العالم إلى منطقة اشتعلت فيها النيران، وعليه التحرك لإطفائها. وفيما كانت المؤشرات فى أعقاب الحرب تبشر بميلاد الوحدة العربية المرجوة، إلا أن هذا التضامن تراجع بعد توقيع اتفاقية السلام عام ١٩٧٩ التى لم يباركها العرب حينها، وبعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ فى الولايات المتحدة، تغير المشهد الدولى تمامًا، وبدأت ما يسمى بالحرب على الإرهاب، والتى كان العرب والمسلمون ضحيتها الأولى.
ورغم ما يبدو فى المشهد العربى حاليًا، فإن دروس حرب أكتوبر لا تزال ماثلة فى الأذهان، وتبدو بمثابة طوق النجاة، فى حال صدقت النوايا، وتجعل المرء ليس أمامه سوى تقديم تحية اعتزاز وعرفان لقادة القوات المسلحة وشهدائنا.