الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

حبيب محمد هادي الصدر سفير العراق بالقاهرة يكتب: نصر أكتوبر والنخوة العراقية

حبيب محمد هادى الصدر
حبيب محمد هادى الصدر سفير العراق بالقاهرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما إن يطل علينا (نصر أكتوبر) الأغر حتى تتنفس (الرجولة العربية) عمرًا جديدًا فترى كل عربى شهم يطبع فى هذا اليوم قبلة على كل خوذة أبية، ويزجى تحية لكل مقدام غيور ويسيل ترحمًا على روح من انتشل بدمه الطهور مصير أمة.

أبطال أكتوبر هم من لبسوا القلوب على الدروع وفتحوا فى الوجدان الإسرائيلى جرحًا غائرًا إلى الآن لم يندمل وأسقطوا أسطورة تفوق العدو وحطموا –بوقت قياسي- خرافة (خط بارليف) وغيروا استراتيجيات عسكرية درجت عليها جيوش العالم وأعطوها دروسًا رائعة فى المناورة والخداع السوقى فهذا (موشى ديان) يعترف بأن (أكتوبر كانت زلزالًا هائلًا ضرب إسرائيل) وتلك (جولدا مائير) تنتحب وتقول (حرب يوم الغفران كابوس مخيف سيلازمنى مدى الحياة).

(مصر العروبة) تلك التى فى يدها (صولجان الحضارة) و(مفاتيح الفرادة) وبين ثنايا أرضها الرسولية تغفو أسرار التاريخ... كلما تناسلت فى خاصرتها خناجر الحاقدين تنتصب كالجبل الأشم تتحدى الأوغاد وتتأهب لوثبة كبرى وفق مقاساتها العملاقة فيما أعداؤها وشانئوها تبتلعهم مزابل التاريخ... أما النشامى الباذلون من أبنائها فكل جنباتهم مروءات وعطاءات لم تزل نفحاتها الزاكيات تتلمس مجراها بين المهج والأرواح وقد خطوا أمجادًا كتبتها الدهور بمداد من دم ونور.


 (بغداد السلام) بذكرى النصر تستحضر مشاركة صقورها من سربى طائرات (هوكر هنتر) اللذين تمركزا قبل اندلاع الحرب بستة أشهر فى محافظة (المنوفية) فضلا عن نحو (١٢٠) ضابطا وضابط صف من الفنيين والإداريين والمسيطرين الجويين. ولطالما استذكر أشقاؤنا المصريون مهنية وبسالة وبراعة طيارينا العراقيين وقد زارهم الرئيس (السادات) قبل الحرب زيارة سرية كما منح البعض منهم فيما بعد أنواطًا للشجاعة وزج بهم فى الضربة الجوية المركزة الأولى صبيحة السادس من أكتوبر ١٩٧٣م واستشهد منهم (٣) طيارين هم (النقيب الطيار وليد عبداللطيف السامرائي) و(ملازم أول طيار سامى فاضل) و(الملازم الطيار عامر أحمد القيسي) وقذف اثنان منهم نفسيهما من طائرتيهما بعد إصابتهما من قبل العدو وهما (الرائد الطيار ناطق محمد علي) و(الملازم الطيار ضياء صالح) وتعرضا بالخطأ عند هبوطهما غرب القناة إلى الضرب المبرح من قبل الأهالى المصريين ظنا منهم أنهما إسرائيليان مما تم نقلهما إلى المستشفى لتلقى العلاج، كما تم أسر ثلاثة طياريين سقطوا فى أرض العدو وهم (النقيب الطيار عماد أحمد عزت) و(الملازم أول الطيار عبد القادر خضر) و(الملازم الأول الطيار دريد عبد القادر). ومما يدل على فاعلية الطائرات العراقية هو أن القطعات الأرضية المصرية كانت تطالب قياداتها بالإسناد من قبل الطياريين العراقيين وقد خسرت القوة الجوية العراقية (٨) طائرات على الجبهة المصرية. أما على (الجبهة السورية) فقد دفعت (بغداد) فرقتين مدرعتين هى (الثالثة) و(السادسة)، فضلًا عن لوائين جبليين ولواء مشاة و(٤) أسراب ميغ ٢١ وسوخوى وقد أستشهد (٩) طيارين هم (الرائد الطيار نامق سعد الله) و(النقيب الطيار كامل سلطان الخفاجي) و(الملازم الأول الطيار سلام محمد أيوب) و(الملازم أول طيار عصام جانكير) و(الملازم الأول الطيار رضا جميل) و(الملازم الأول الطيار قيس عبد الرحمن) و(الملازم أول الطيار إبراهيم كاظم) و(الملازم الطيار متعب على الزوبعي) و(الملازم الطيار إسماعيل فتحي). فيما قدمت القطعات البرية العراقية (٣٢٣) بين شهيد وجريح علاوة على أسير واحد هو (الملازم الطيار سعد الأعظمي). ولأجل ذلك تمكنت القطعات السورية من امتصاص زخم العدو وحماية العاصمة (دمشق)... إلى ذلك خرجت الجماهير العراقية عن بكرة أبيها إلى شوارع المدن العراقية تأييدًا للمشاركة فى الحرب وابتهاجًا بالعبور واستعدادًا للتطوع وتلبية نداء الواجب القومي. وهكذا قدر لبلدينا الشقيقين أن يقفا فى كل مرة فى خندق العزة والكرامة لمقارعة القوى الغاشمة الغاصبة من كل متزر بالشر وسادر فى الغيّ ومولع بالعدوان.


ولعل الدرس الأبلغ الذى وعته الأمة من (نصر أكتوبر) أنها لو تكاتف أبناؤها وتضامن زعماؤها واستنفرت طاقاتها فلن يقف بوجهها عدو آثم ولا مستكبر متغطرس مهما كان مدعومًا من القوى المسماة بـ(العظمى) وأنها – أى الأمة- قد تمرض ولكنها لن تموت وكيف لا وهى خير أمة أخرجت للناس كما أرادها الله سبحانه.

وكأنى بمآذن (الكاظم) و(النعمان) و(الكيلاني) تهفو فى هذا اليوم السعيد لعناق قباب (الأزهر الشريف). وما بين المآذن والقباب فضاءات مفعمة بالعراقة وفلوات مسكونة بالقداسة وشريان حضارى متدفق أتحف شعوب الأرض بزاده المعرفى النفيس وقد عجز الأعادى على أن يقطعوه. وها هى (بغداد) و(القاهرة) اليوم يواجهان الإرهاب الأهوج ذودًا عن الأشقاء وقراعًا عن الأصدقاء... هى إذن مشيئته سبحانه أن يتقحم الشعبان العراقى والمصرى أوزار التحديات الساخنة فى كل عصر وزمان وتلك لعمري....ضريبة الفرادة التى أريد أن يدفع فاتورتها الباهضة الأولون كما الآخرون مذ أطلقا أول أبجدية وصاغا أول قانون وتنفسا أول ديانة توحيدية.


ومثلما تصدى الرئيس الراحل (السادات) بشجاعة الفارس وعزائم المؤمن لقرار (الحرب) تحلى أيضا بجرأة الواثق وحنكة المفكر لاتخاذ قرار (السلام) لإيمانه بأن (السلام) هو (القاعدة) أما (الحرب) فهى الاستثناء مدركا أن (السلام) و(التسامح) و(الحوار) منظومة سماوية متلازمة ابتعث الله من أجل إشاعتها أنبياءه والمرسلين ولترسيخها ألهم قادة ومصلحين ممن أناروا بشمعة السلام كل زاوية مظلمة فى منطقتنا المأزومة... حتى وصفه ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية (هنرى كيسنغر) بأنه (النموذج السياسى النادر) ذاك لأنه– رحمه الله- استطاع أن ينتزع عبر الطرق السلمية والدبلوماسية كل ما فى قبضة أعدائه من أراضٍ مصرية محتلة وهو ما عجز عنه دعاة الحروب.
سنطوى هذا العيد وسنرقب أعيادًا مصرية تثلج الصدور... زاخرة بالمنجزات ومفعمة بالتحولات ولكن هذه المرة على أيدى فخامة الرئيس (السيسي) وهو الزعيم الاستثنائى الذى أنجبته (مصر) من أجل صيرورة نهضوية عملاقة ستضع البلاد خلال المدى المنظور فى ركب الدول المتقدمة.