الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الفلاح يستغيث.. فجوة نقص توريد الأسمدة للجمعيات الزراعية وصلت 65%.. وحصيلة حملة واحدة: 608 أطنان فاسدة.. ومصانع "بير السلم" تستغل الأزمة وتطحن المزارعين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى بداية يوليو الماضي، أعلنت «الزراعة» زيادة ٩٠ جنيهًا لأسعار الطن من أسمدة اليوريا والنترات، ليصل سعرها إلى ٣٢٩٠ جنيهًا، وهذه هى الزيادة الثالثة خلال ١٨ شهرًا.
وجاءت الزيادة فى إطار تنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر فى الربع الأخير من ٢٠١٧ بشأن مراجعة المعادلة السعرية للأسمدة كل ٣ أشهر.

أسعار الأسمدة التى ارتفعت بنحو ٣٠٠٪ خلال الثلاث سنوات الأخيرة، كانت بمثابة الكابوس والصداع الدائم للفلاح المصري، حيث أرهقته ماديًا، من دون أن تؤدى إلى إنهاء أزمة عدم توافرها بالسوق.
وفى منتصف يوليو، شهدت الجمعيات الزراعية نقصًا حادًا بكميات الأسمدة، ففسرت وزارة الزراعة الأزمة، بعدم التزام بعض الشركات بتوريد نسبة الـ٥٥٪ المُتفق عليها من إجمالى الإنتاج للجمعيات الزراعية.
فى المقابل خرجت شركات الأسمدة عن صمتها، بعدما هددتها «الزراعة» بفرض عقوبات تشمل حظر التصدير لأجل غير مُسمى، لتقول إنها تخسر نحو ٢٥٠ جنيهًا فى الطن المدعم، حيث إن تكلفة طن السماد الواحد تصل إلى ٣٤٥٠ جنيهًا بينما تورده إلى الجمعيات الزراعية بـ٣٢٠٠ جنيه، فى حين أن بيع الطن فى السوق السوداء يعود عليها بـ٦ آلاف جنيه.
ومع انشغال كل من طرفى الأزمة باتهام الآخر، فى سلوك يبدو أن هدفه هو غسل اليدين، تفشت الأسمدة المغشوشة، التى استغلت وجود فجوة فى آليات الرقابة التى تتقاسمها وزارة الزراعة ومباحث التموين وشرطة المسطحات المائية، فسارعت إلى طرح منتجات مغشوشة بأسعار زهيدة، ما دفع الفلاح الذى أصبح كغريق يحلم بقشة يتعلق بها إلى شرائها من دون أن يعى آثارها المدمرة على زراعته.
مصانع بير السلم
ويكشف تقرير للإدارة العامة لمباحث التموين، حول مجهودات الإدارة وفروعها الجغرافية فى مجال مكافحة تداول الأسمدة الزراعية المغشوشة، عن أن عدد قضايا غش الأسمدة التى وثقتها دفاتر «مباحث التموين» فى ٢٠١٦ حتى نوفمبر من العام ذاته شملت ٣٣٨ مصنعًا وورشة بإجمالى مضبوطات تُقارب ٦٥٠ طن أسمدة مغشوشة و٤ آلاف لتر أسمدة سائلة مقلدة تستخدم فى زراعات الخضراوات والفاكهة.


وفى حملة لشرطة البيئة والمسطحات المائية، نهاية أبريل الماضي، تم ضبط مصنعى «بير سلم» بمركز الصف، فى الجيزة، وثالث فى كفر الشيخ، تخصصت فى تصنيع وبيع أسمدة غير صالحة، بإجمالى ٦٠٨ أطنان، و٤٠٠ طن مواد خام مجهولة المصدر، فضلًا عن عشرات العبوات من المخصبات الزراعية السائلة المُقلدة والمغشوشة.
وبحسب ما وثقته سجلات الإدارة العامة لمباحث التموين، فإن صناعة الأسمدة المغشوشة ترتكز فى منطقة؛ شق الثعبان بحلوان، التى تشتهر بتصنيع واتجار الأسمدة الفوسفاتية، وأيضًا قرى مركز الصف بالجيزة، وتحديدًا قريتي غمازة الكُبرى وعرب أبوساعد، اللتين تشتهران بالتصنيع والإتجار فى سماد سوبر فوسفات المُقلد، فضلًا عن؛ بعض بؤر تصنيع المغشوش المنتشرة بالزقازيق.
وترتكز صناعة الأسمدة السائلة المغشوشة فى قرية: طواحين أكراش التابعة لمركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية، بالإضافة لبعض مصانع وورش «بير سلم» بمحافظات؛ الغربية والدقهلية ودمياط، خاصة بمركزى السنبلاوين وميت غمر حيث الصيت الذائع فى تجارة المخصبات الزراعية المغشوشة.
طرق غش الأسمدة
وتتعدد طُرق مصانع وورش «بير السلم» لغش الأسمدة الزراعية وعلى رأسها؛ تخفيف نسب المُركبات الموجودة فعليًا بالسماد واستبدالها بمُركبات كيماوية أقل سعرًا، وأيضًا إعادة تغليف الأسمدة منتهية الصلاحية بتواريخ جديدة، وبيعها على أنها صالحة للاستخدام، وصولًا إلى إضافة خامات مجهولة المصدر ليس لها علاقة بالسماد مثل إضافة الحجر الجيرى والجبس وبودرة السيراميك والرُخام والبودرة الملونة والرمال والأحجار المطحونة.

كما تعتمد مصانع «بير السلم» على ماكينات تغليف وخياطة، أوتوماتيكية ونصف أوتوماتيكية، لغلق العبوات، وتثبت على العبوات ملصقات تحمل علامات تجارية لأسماء شركات كبيرة فى مجال صناعة الأسمدة، ويبدأ سعر ماكينات التغليف من ١٠ آلاف جنيه كما أن شراءها لا يتطلب الكشف عن هوية المشترى، وهو ما يُساهم فى انتشار إنتاج وبيع المغشوش.
ويقول أحد أبناء قرية غمازة الكبرى بالجيزة: إن انتشار مصانع «بير سلم» الأسمدة المغشوشة على أطراف قريته بدأ مُنذ حوالى ٩ سنوات، ومعها بدأت لعبة «القط والفار» بين أصحاب تلك المصانع من جهة ومباحث التموين وشرطة المسطحات المائية من جهة أخرى، فبين حين وآخر يضبط واحد من تلك المصانع، التى يصل عددها إلى ٧ مصانع بقُرى غمازة وعرب أبوساعد والشُرفا وعرب الحصار، وبعد ضبطه عدة شهور يعود إلى العمل مرة أُخرى فى الخفاء.
وهم معايير السلامة
ويضيف، أن تلك المصانع لا تعتمد أى معايير لسلامة البيئة المحيطة، حيث إنها تسببت فى انتشار الأمراض وتشوه الأجنة بين أبناء قريته، خاصة أنها قريبة من الكتلة السكنية بنحو ٣ كيلومترات حتى يتمكن أصحابها من الاستفادة من خدمات المياه والكهرباء، موضحًا أن تلك المصانع تعمل ليلًا وفى أيام غير مُحددة، ويصل عدد العاملين فى المصنع إلى ١٠ أفراد، وغالبًا ما يكونون من أهل القرية، وهو ما يصعب من عملية إبلاغ الجهات الرقابية عنها.
ويقول «بسيونى. م»، أحد أبناء قرية عرب الحصار، بمركز الصف بالجيزة، إن انتشار مصانع الأسمدة المقلدة وبروتينات الأعلاف غير الصالحة للاستخدام، فضلًا عن؛ مياه الصرف الصحى وانبعاثات مصانع الطوب تسببت فى بوار مساحة كبيرة من الرقعة الزراعية بقريته والقُرى المحيطة، فمدخلات مصانع «بير السلم» المنتشرة تتمثل فى بودرة الأسمنت المتوفرة فى مقالب القومية وحلوان.
ويُتابع بسيوني، أن المصانع تلك تعتمد أيضًا على الجير وبعض المواد الكيميائية المجهولة كمدخلات للتصنيع، كما تستخدم عبوات «شكائر» مُقلدة لبعض المصانع الشهيرة فى مجال الأسمدة العضوية، كأبوقير وأبوزعبل وحلوان للأسمدة، لتغليف أسمدتها المغشوشة، حيث يتم تصنيع تلك العبوات مُسبقًا بالاتفاق مع أصحاب تلك المصانع ومطابع تعمل فى بيع العبوات الفارغة.
ويشير إلى أن أبناء قريته تقدموا بعدد من الشكاوى ضد المصانع القريبة من الكتلة السكنية فى ٢٠١٤، والتى أصدرت على إثرها الوحدة المحلية بمركز الصف قرارًا بغلقها إلا أنه بعد عدة شهور عاودت عملها غير القانونى من جديد.
على الجانب الآخر، يقول الشاذلى الصاوي، أحد العاملين بشركة السويس للأسمدة، إن أكثر الأسمدة المغشوشة انتشارًا فى السوق هي: السوبر فوسفات، كونه يُصنع يدويًا بداية من مزج الفوسفات بعد طحنه مع حمض الكبريتيك المُركز حتى يتحول إلى فوسفات أُحادى الذرة ثم إلى حبيبات، حيث إن مصانع «بير السلم» لا تحتاج لأكثر من وجود كسارة فوسفات وأحواض مياه وماكينات الخلط الصغيرة لتصنيع مُنتج يتطابق فى الشكل مع سماد السوبر فوسفات، غير أنه يختلف كليًا من حيث الجودة والتأثير معه.
ويُتابع الصاوي، أنه فى المُقابل يصعب غش أسمدة سُلفات النشادر وحامض الكبريتيك، لأنهما يتطلبان تكنولوجيا حديثة، كما أن غاز الأمونيا المستخدم لتصنيع أسمدة النشادر يصعب تداوله بين الناس لأنه سام.
ويضيف أن غش سماد اليوريا أيضًا يعنى تغيير لونه وشكله وخصائصه بالكامل لذا تبتعد مصانع وورش «بير السلم» عن العمل فيه لأن تصنيعه يحتاج إلى خطوط إنتاج حديثة بدرجات حرارة وتنقية ومواد مُعينة، حيث يتعرض فى البداية الغاز الطبيعى إلى درجة حرارة تحوله إلى «أمونيا» ومنها إلى مفاعلات أخُرى حتى يتكون سماد اليوريا بشكله النهائي.