السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أكتوبر الذي لم يغادرنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما التصقت أذن المصريين بالراديو الترانزستور فى أكتوبر ١٩٧٣ لتستمع إلى البيانات التى تصدر عن الجيش بتفاصيل عمليات الحرب وعبور القناة، استيقظ داخلهم أجمل ما فيهم، تلك الروح الوثابة المؤمنة بالنصر الباحثة عن الكرامة ورد الاعتبار هى جوهر المعركة وهى الميدان الواسع الذى اعتمد عليه جنودنا فى ميدانهم على خط القناة، العجائز فى الريف ينتظرون خبر استشهاد ابنهم على الجبهة بكل نفس راضية، الصغار يتقافزون لمساعدة الدوريات التى تجوب المدن، لم تكن حربا يخوضها جيش مسلح ولكنها كانت حرب الشعب الذى اكتوى سنوات طوال منتظرًا لحظة الحسم، فجاءت الساعة الثانية وخمس دقائق عصر يوم السادس من أكتوبر لتكتب ميلادا جديدا وصفحة مضيئة لوطن يستحق الخلود.
أكتب اليوم فى محبة السادس من أكتوبر، وروح عبدالعاطى صائد الدبابات تحيط بشابيك البيت، وصورة الجندى الفلاح رافع العلم على الضفة الأخرى مفرودة بعرض السماء، الضباط صغار السن الذين تركوا أضواء المدن وسهراتها العابثة ليتقاسموا قطرات المياه مع جنودهم فى الحفر البرميلية، القادة الاستثنائيون الذين سهروا للتخطيط والتنفيذ والمتابعة، كل هذا يذهب بنا إلى أن الحرب لم تكن نزهة ولكنها ضرورة فرضها الزمن علينا.
يمر السادس من أكتوبر ليعلن كل عام عن شعب رفض الهزيمة وعن إرادة فولاذية استطاعت فرض كلمتها، أيام أكتوبر هى ما أراه فقط وما عدا ذلك من تداعيات أو مفاوضات لا يمكن لها أن تجعلنا ننكر الحقيقة، تدمير أسطورة خط بارليف بمضخات المياه، سد أنابيب النابالم فى جوف قناة السويس، أفواج العبور العظيم فى زوارق مطاطية، الجسور التى امتدت بعرض القناة فى زمن قياسى لتعبر عليها الدبابات، جحيم نيران المدفعية بطول قناة السويس بعد أن انتهت القوات الجوية من ضربتها المبكرة.
لا يمكن لعاقل أن ينظر إلى كل ذلك بعين مستخفة، دماء الشهداء لا تشربها الأرض وتختفي، إنها تعيش طويلا لتلهمنا فنون الحياة، قبل عامين وأثناء العمل على حفر قناة السويس الجديدة، وقفت مصر لحظة صمت مذهلة عندما اكتشف العاملون جثة لشهيد بكامل ملابسه العسكرية طمرته الرمال شهيدًا منذ عشرات السنين، البطولات تعيش فى التاريخ طويلًا، مصر التى استردت كامل ترابها الوطنى بالحرب فى جبهات مختلفة لقادرة على صيانة ذلك التراب المقدس إلى آخر الزمان.
أكتوبر وشعبه ليس نقطة عابرة فى الزمن، ولكنه متجدد ويقظ، يعرف أنه رغم مرارة الحرب إلا أنه كالدواء الضرورى للعلاج، نتذكر وقد حدث هذا قريبًا جدًا عندما تم اغتيال أبنائنا المسيحيين فى ليبيا، وقتها لم تشرق شمس اليوم التالى إلا وكان الطيران المصرى هناك يدك أوكار الإرهاب ويعلن صيانة كرامة أبناء الشعب، وقتها رقصت القلوب فى الصدور رغم رحيل أكثر من عشرين من أبنائنا غدرًا، جيشنا وإرادتنا هما درعنا الباقية لنستمر فى الحياة، منذ زمن الشهيد عبدالمنعم رياض حتى زمن الشهيد أحمد منسى الذى غادرنا قبل أعوام ونحن نعرف أن تلك الحروب لا فكاك منها، وأن خوضها واجب مقدس، وأنه بدون تلك الحروب فنحن أمام التفكك والضياع.
من الحرب ضد إسرائيل إلى الحرب ضد الإرهاب روح أكتوبر تتمدد وتسيطر وتنتصر، ما دامت الجبهة الشعبية بفطرتها النقية تعرف قيمة الشهيد وتصطف خلفه فى احترام وتقدير واستعداد متجدد للتضحية، راجعوا صورة جنازات شهدائنا فى الأعوام الأخيرة وتأملوا الجماهير الغفيرة التى تهرول خلفهم لوداعهم، إنهم الأكتوبريون المولودون بجينات الوطنية المصرية، القادرون على صياغة مستقبل أفضل لهذا الوطن، إنهم العاشقون الحالمون بوطن حر وشعب سعيد، سيظل الحلم قائما مهما بلغ حجم التضحيات، كل عام ومصرنا بخير وأكتوبرنا أجمل.