الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

لأول مرة منذ 45 عاما.."البوابة نيوز" تلتقى طبيبا من زمن أكتوبر.. الدكتور علاء الدين إسماعيل: الضباط والجنود المصابون أصروا على العودة للمعركة.. وسمعنا بطولات لا يصدقها عقل

الدكتور علاء الدين
الدكتور علاء الدين إسماعيل في حواره لـ«البوابة نيوز»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
علاء الدين إسماعيل: مكثت فى غرفة العمليات 17 يومًا
استقبلنا أعدادًا كبيرة من المصابين
وسمعنا بطولات لا يصدقها عقل
نجاح القوات المسلحة فى عملية إخلاء المصابين يثبت قوة التدريبات والاستعدادات
كان هناك إصرار غير طبيعى من الجنود والضباط على العودة لأرض المعركة
على مدار 45 عاما مضت اعتاد الجميع الاحتفال والاحتفاء بذكرى نصر أكتوبر العظيم على لسان الجنود العظماء والضباط البواسل.. وهذا العام «البوابة نيوز» التقت الدكتور علاءالدين إسماعيل، أحد الأطباء الذين خدموا فى مستشفى الدمرداش أثناء الحرب، والذى تم تصنيفه مستشفى ميدانيا خلال فترة حرب أكتوبر.
ويعمل «إسماعيل» أستاذ الجراحة العامة بكلية الطب عين شمس ومستشفى الدمرداش، وهو من أنشأ المعهد القومى للكبد الجديد، وأكد خلال حواره لـ«البوابة نيوز» على الروح المعنوية العالية للجنود والضباط المصابين أثناء علاجهم، وإلحاحهم على العودة لأرض المعركة مرة أخرى بعد التعافى، وأن غالبيتهم كان يصل بسلاحه ويصر على عدم تركه للعودة به مرة أخري... وإلى نص الحوار.



لم تأخر وصول المصابين أكثر من ٣ ساعات؟
فى أول أيام الحرب كان همنا الأول التواجد فى غرف العمليات والطوارئ لسرعة إنقاذ المصابين، فقد مكثت فى المستشفى ولم أتركه لساعة واحدة لمدة ١٧ يوما، ولم نهتم بأماكن النوم أو الأكل أو غيره، وفى حقيقة الأمر نستطيع أن نحكم نحن كأطباء على حرب أكتوبر من خلال تخصصنا وطريقة إخلاء المصابين وطريقة وصولهم لنا، حيث لم يتأخر وصول أى مصاب أكثر من ٣ ساعات، وفى بعض الأحيان «ساعتين» وهذا إنجاز فى ظل حرب شديدة يشترك فيها جميع الأسلحة.

المستشفيات لم تسجل حالة واحدة لمدنيين خلال الحرب؟
وعى المواطن المصرى كان يفوق الخيال، حيث لم نسجل فى استقبال مستشفى الدمرداش حالة واحدة من مدنيين يرغبون فى العلاج، وكان كل فريق العمل يستقبل مصابى الحرب فقط، ومن يأتى من المدنيين للمستشفى كان هدفه التبرع بالدم أو معاونة الفريق الطبى فى العمل ليس أكثر، وكان الأطباء يتبرعون بالدم أيضا لصالح المرضي.

■ هل تم استدعاؤكم يوم ٦ أكتوبر أم ماذا حدث؟
- تخرجت فى كلية طب عين شمس عام ١٩٧٢ وتسلمت العمل فى نفس العام بمستشفى الدمرداش، وأتذكر هذه المناسبة كل عام وأنا فخور بمشاركتى فى الحرب. فيوم ٥ أكتوبر ١٩٧٣ كنت أعمل فى المستشفى، وفى نهاية اليوم توجهت لمنزلى كطبيعة كل الأيام، لكن ظهر يوم ٦ أكتوبر تواجدت القوات المسلحة فى المستشفى، ولم نعلم سبب تواجدهم، وخلال ساعة سمعنا بخبر بدء الحرب، وبدون استدعاء الفريق الطبى توجهنا جميعا أنا وزملائى من الأطباء والأساتذة بكافة التخصصات والتمريض إلى المستشفى قسم الطواري، والعيادات الخارجية أيضًا لاستقبال مصابى الحرب، وكان هناك تعاون غير طبيعى بين فريق العمل بالمستشفى، ووجدنا طلبة كلية الطب متواجدين يعاونون التمريض والأطباء، ولم يتأخر طبيب أو ممرض، فى الحقيقة كنا جميعا فخورين لاختيار مستشفى الدمرداش كمستشفى ميدانى يستقبل جميع الحالات.

■ كيف استطاع الفريق الطبى استقبال المرضى المدنيين بجانب مصابى الحرب؟
- دعنى أفاجئ القراء، فوعى المواطن المصرى كان يفوق الخيال، حيث لم نسجل فى استقبال مستشفى الدمرداش حالة واحدة من مدنيين يرغبون فى العلاج، وكان كل فريق العمل يستقبل مصابى الحرب فقط، ومن يأتى من المدنيين للمستشفى كان هدفه التبرع بالدم أو معاونة الفريق الطبى فى العمل ليس أكثر، وكان الأطباء يتبرعون بالدم أيضا لصالح المرضي.
■ هل نقص الإمكانيات أو التجهيزات الطبية أثر فى عملية إنقاذ المصابين؟
- لم يذكر طبيب أو أى من فريق العمل بالمستشفى طوال فترة استقبال وعلاج مصابى الحرب كلمة «مفيش أو معندناش أو خلص».. فسبحان الله توافر كل شيء من أجهزة ومعدات طبية ومستلزمات وأكياس دم، وفى ذلك درس عظيم، فالمصرى حينما تكون لديه الإرادة لفعل شيء سيتم بعون الله بأى شكل كان، فقد عالجنا كل مصابى الحرب الذين وصلوا لنا بالإمكانيات المتاحة ودون تعقيد للأمور.
■ ماذا عن طبيعة الإصابات التى كانت تصل إليكم؟
- فى البداية أؤكد الحرفية العالية للقوات المسلحة المصرية فى إدارة المعركة وإدارة عملية إخلاء المصابين ونقل الشهداء أثناء المعركة، وهذا يدل على التدريبات العالية التى تمت للجنود والضباط وضباط الصف، وكنا نستقبل المصابين بعد أقل من ٣ ساعات وساعتين فى بعض الأوقات من زمن الإصابة، وذلك كان يساعد على الشفاء السريع والإنقاذ، بخلاف حرفيتهم فى عمل الإسعافات الأولية للمصابين فى موقع المعركة.
وعن طبيعة الإصابات، فمن المتعارف عليه أن إصابات الحروب دائما تكون مباشرة سواء طلقات نارية أو شظايا أو حروق، وللعلم استقبلت بنفسى حالات كنت أزيل لها الشظايا حتى ٥ أعوام بعد حرب أكتوبر.

■ ماذا عن الروح المعنوية للمصابين؟
- لو تحدثت لمدة عام متواصل لن أستطيع توصيف الروح المعنوية بما كانت علية بالنسبة للمقاتلين المصريين، ووصل الأمر أنهم كانوا يصلون المستشفى مصابين - ومع ذلك - حاملين أسلحتهم، وبعضهم يقاتل معنا فى المستشفى للعودة مرة أخرى لميدان الحرب، وكنا نجبرهم لعدم العودة قبل الشفاء بشكل كامل ويعاونون فى ذلك زملاءهم المعينين لتأمين المستشفى، لم نر إصرارا قبل ذلك حول الرغبة فى العودة لسيناء رغم الإصابات الخطيرة.
■ هل هناك مواقف إنسانية تتذكرها؟
- المواقف الإنسانية رأيناها كثيرًا أثناء لقاءات الأهالى والمصابين لأول مرة، فكنا نستعين بطلبة كلية الطب بمعاونتنا والاتصال بأهالى المصابين لإبلاغهم، وكانت هناك لحظات مؤثرة للغاية فى أولى لحظات اللقاء بينهم والأغرب زغاريد الأهالى عندنا يعلمون باستشهاد أبنائهم.
■ هل هناك جندى أو ضابط تتذكر تأثيره فيك؟
- فى الحقيقة تأثرت بجنود وضباط كثر لإصرارهم على العودة لسيناء رغم الإصابات البالغة التى طالتهم وتأثرت بروايات كنا نسمعها من ألسنتهم حول استشهاد زملاء لهم بعد عمل ملحمة ضخمة وما شابه ذلك.
■ هل استقبلت وعالجت جنديا وأسيرا من صفوف العدو؟
- لم يصل إلينا مصابون من صفوف العدو، وكان يتم نقلهم لمستشفيات القوات المسلحة لحسابات عسكرية لا نعلمها.
■ هل فوجئت بأحد أقاربك مصابًا ضمن مصابى الحرب؟
- لم يحدث ذلك، ولكن كنا نتعامل مع كل المصابين وكأنهم إخوان لنا وأصدقاء وأقاربنا.
■ هل تتذكر آخر كلمات لجنود مصابين سواء من عاش أو استشهد؟
- مر ما يقرب من نصف قرن على الانتصار العظيم، وإلى الآن كلماتهم رنانة فى عقلي.. الأناشيد الوطنية كانت تملأ طرقات المستشفى وغرفها ومسامع الأطباء كان يتغنى بها المصابون وحاملوهم.
■ كطبيب.. هل اضطررت لحمل السلاح والقتال تحت أى ظرف رغم عملك؟
- أعشق حمل السلاح وخدمة الوطن وأجمل عام فى حياتى كان عام خدمتى للقوات المسلحة كجندى كنت أنتظر المشاركة فى مشاريع الحرب بفارغ الصبر.
■ كطبيب كيف رأيت ملحمة ١٩٧٣؟
- سمعنا تفاصيل الحرب بعد ١٧ يوما من الاشتباك حينما أصبحت الأمور أكثر هدوءا وبناء عليه قل استقبال المصابين.
ففى أول أيام الحرب كان همنا الأول التواجد فى غرف العمليات والطوارئ لسرعة إنقاذ المصابين، فقد مكثت فى المستشفى ولم أتركه لساعة واحدة لمدة ١٧ يوما، ولم نهتم بأماكن النوم أو الأكل أو غيره، وفى حقيقة الأمر نستطيع أن نحكم نحن كأطباء على حرب أكتوبر من خلال تخصصنا وطريقة إخلاء المصابين وطريقة وصولهم لنا، حيث لم يتأخر وصول أى مصاب أكثر من ٣ ساعات، وفى بعض الأحيان «ساعتين» وهذا إنجاز فى ظل حرب شديدة يشترك فيها جميع الأسلحة.
■ هل تأثرت لعدم ذكر دور الأطباء فى الحرب على مدار الـ ٤٥ عاما الماضية؟
- فى الحقيقة لم يذكر دورنا خلال الـ ٤٥ عاما الماضية، ولكن على المستوى الشخصى فأنا غير حزين، فالأهم بالنسبة لى الانتصار وقد تم بحمد الله، الأطباء لا يتأخرون فى تلبية الواجب الوطني، ولن ننتظر لنداء فهذا واجبنا تجاه مصرنا الحبيبة.
■ هل هناك أى اختلاف بين وضع الأطباء الآن وفى زمن أكتوبر وماذا ينقصنا؟
أطباء زمن أكتوبر هم أطباء الآن، وهناك اختبارات عديدة وضعنا فيها أثبتت ذلك، فأتذكر خلال سنوات حينما انفجرت الكنيسة المرقسية بالعباسية كنت أعمل أنا وتلاميذى فى أحد المستشفيات الخاصة، وحينما علمنا بالواقعة توجهنا دون طلب أو اتصال فورا إلى مستشفى الدمرداش واستقبلنا المصابين لعلاجهم دون تكليف.
وفى الحقيقة ينقصنا الآن استلهام روح أكتوبر للنهوض بالمنظومة الصحية بشكل عام وكامل، وينقصنا استلهام روح أكتوبر فى كل المجالات، روح العطاء بدون انتظار مقابل روح دفع البلاد إلى الأمام، روح يكون كل الشغل الشاغل فيها لدى المواطن رفع مصر عاليا فقط، وأود أن أنوه هنا أن انتفاضات الأطباء على مدار الأعوام الماضية لم تكن بهدف زيادة مرتبات أو غيره وإنما بهدف زيادة الإمكانيات لعلاج المرضي.