الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

هزة جديدة تضرب قلعة "أبو مقار" الحصينة.. "زينون المقاري" يلحق بالأنبا أبيفانيوس ويفجر عشرات السيناريوهات حول وفاته.. والقلايات الشاهد الوحيد على كسر وصايا الله

الراهب زينون المقاري
الراهب زينون المقاري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
علامة استفهام جديدة طرحت على أعتاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بعد رحيل الراهب زينون المقاري، الأربعاء الماضي، خاصة بعد أن أعلنت الكنيسة أن شبهات تحيط بحالة وفاته، ومن ناحية أخرى تباشر النيابة التحقيق حول وجود شبهة انتحار، أو شبهة جنائية فى الوفاة، لتتعرض الكنيسة لهزة جديدة عقب 60 يوما من مقتل الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير أبو مقار.
«زينون» هو أحد أبناء دير القتيل أبيفانيوس، وأنه واحد من الرهبان الست، التى قررت لجنة الرهبنة بالمجمع المقدس نقلهم من مقر الدير ببرية شهيت إلى أديرة أخرى، ليترك ديره الذى قضى به عمره الرهباني، ولا يعوده إليه مرة أخرى إلا محمولا على الأعناق بصندوق خشبي.
وبين إعلان الدير أنه كان يتألم وتم نقله للمستشفى، وبين إعلان المتحدث الرسمى باسم الكنيسة بأن النيابة تحقق، وبين منشور محامى الراهب المشلوح أشعياء المقارى المتهم بقتل الأنبا إبيفانيوس حول انتحار «زينون»، تشتت عقول الأقباط وبدأ كل واحد منهم فى تربيط الأحداث ونسج الخيوط بعضها ببعض دون أساس رسمى حقيقي، وبات الكل يوزع الافتراضات والاتهامات وأحيانا السباب، فهنا يقال توفى، وهنا يقال انتحار، وبمكان آخر قيل أنه تعرض للقتل، ناهيك عن محاولات تربيط الأحداث من الكثيرين حول علاقته بحادث قتل الأنبا إبيفانيوس، إلا أنه بشكل رسمى لم يعلن أى شيء حتى اللحظة، سواء من جهات التحقيق والطب الشرعي، أو من قبل الكنيسة، وفى السطور التالية نستعرض أطراف وخيوط القصة.
الدير يعلن وفاة «زينون»
بدأت القصة عندما أعلن دير العذراء مريم المحرق بالقوصية بأسيوط وفاة الراهب الملحق إليهم، إثر قرار لجنة الرهبنة بالمجمع المقدس، حيث سمع الرهبان صوت صراخ عشية الثلاثاء فى قلاية الأب زينون ووجدوه يتلوى من الآلام، فقرروا نقله إلى مستشفى الدير «سانت ماريا» بأسيوط، والذى يبعد عن مقر الدير بالسيارة مسافة تقطع فى ٦٠ دقيقة، لكنه فارق الحياة فى الطريق قبل الوصول للمستشفى وحتى الآن لم يعرف سبب الوفاة.
تغيير مسار
لم يتطرق الأقباط حين علموا بالخبر للتفكير فى أى شىء له علاقة بأحداث الدير الأخيرة، إلا أن منشور قام بنشره المحامى وائل سعد، المتهم الأول بقتل الأنبا إبيفانيوس، فتحت أبواب الجحيم الفكرى برؤوسهم، حيث زاغت الأفكار، وتناثرت التخيلات، وبدأ الجميع فى محاولة نسخ خيوط من الأوهام بناء على ذلك المنشور الذى تعجب فيه من «انتحار» الراهب، وهو من الذين طلب بشهادتهم من أجل موكله.
الكنيسة توضح
بعد حالة الهرج والمرج التى سادت الأوساط، حاولت الكنيسة السيطرة على الأمور، وأصدرت صفحة المتحدث الرسمى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ظهر الأربعاء، بيانا حول الراهب زينون المقارى، جاء فيه: «رقد فى الرب اليوم الراهب زينون المقاري».، ألحقت الخبر أن النيابة تتولى أمر التحقيق فى رحيله دون أى معلومات تذكر، الأمر الذى فتح العنان مجددا للقيل والقال.
ربط الأحداث
انتشرت عوامل كثيرة عضدت من خلق السيناريوهات حول الأمر، فمن المعروف أن الراهب الذى وافته المنية من بين الرهبان الستة الذين تم نقلهم من دير أبو مقار بوادى النطرون، بناء على قرار لجنة شئون الأديرة والرهبنة بالمجمع المقدس صباح السبت ٢٥ أغسطس الماضي، بغية إعادة الانضباط للحياة الرهبانية كما صرحت الكنيسة حينها، بعد جريمة مقتل الأنبا إبيفانيوس، حيث كان نصيب «زينون» فى دير العذراء المحرق، فيما كان نصيب الخمسة الآخرين بأديرة البراموس والسريان، بوادى النطرون، ومار مينا كينج مريوط، ودير العذراء المحرق بأسيوط، والملاك بأخميم بسوهاج، ومار مينا المعلق بأبنوب أسيوط.
ثانى الأمور التى كثفت من توالد السيناريوهات هى كون الراحل «زينون المقاري» كان أب الاعتراف للراهب المشلوح «أشعياء المقارى سابقا» المتهم فى قتل الأنبا إبيفانيوس، ليفتح بذلك بابا أمام التكهنات، خاصة أنه كاتم الأسرار للمتهم، وكان مطلوبا للشهادة فى المحكمة، كما أنه كان يحمل الكثير كونه أب الاعتراف له، والاعتراف فى المسيحية هو سر كنسى ضمن أسرار الكنيسة السبع، وفيه يعترف الشخص لأحد الكهنة أو الرهبان، بغرض التبرر من تلك الخطايا بالصلاة من أجلها أمام الله، فكان من الوارد أن يكون هو الصندوق الأسود له بالفعل.
حسن السيرة
رغم أن «زينون» أحد الست رهبان الذين نقلوا من الدير، إلا أن الجميع يشهد له بالبشاشة وحسن التعامل والهدوء، وأن السبب فى نقله عقائدى وليس سلوكيا، مما أثار تكهنات على الشق الآخر، بأنه ليس بمنتحر، وإنما من الوارد أن يكون قد تم التخلص منه، وعضدت تلك الفكرة أيضا أنه أب اعتراف أشعياء كما ذكرنا، فمن الوارد أن يكون هدف التخلص منه متاحا للتخلص مما يحويه من معلومات، كما أنه بناء على مصدر رهبانى من داخل دير المحرق: «كان ملاكا من السماء لا أصدق أنه مات بالفعل، ومش هشوفه تاني»، مضيفا أن الأسبوع الأخير من حياة الراهب زينون المقاري، كان أسبوعًا عاديًا واظب فيه على الصلوات وحضور «التسبحة والقداسات».
وأضاف المصدر: «شارك الراحل فى صلاة القداس يوم الأحد الماضى بكنيسة العذراء الأثرية بالدير، وهى الكنيسة المعروفة بتدشين السيد المسيح لها عند زيارة العائلة المقدسة لمصر، وقد تناول الراهب الراحل من الأسرار المقدسة»، موضحا أن الراحل فى الفترة الأخيرة كانت إقامته مع ثلاثة من طالبى الرهبنة الجدد، والذين التحقوا بالدير فى الأسبوع الماضي، واتفق معهم رئيس الدير على دخول الدير، قبل قرار لجنة الأديرة الأخير بعدم قبول طلبة رهبنة جدد، لذلك استأذن الأنبا بيجول رئيس الدير، البابا تواضروس قبل السماح لهم بالدخول، وكان الأب زينون سعيدا بصحبتهم. 
العودة إلى الديار
بدأ دير «أبو مقار» بوادى النطرون فى بداية غروب اليوم يتخذ الإجراءات الاستعدادية لاستقبال جثمان الراحل، فور تصريح النيابة بدفن الجثة، وانتهاء الطب الشرعى من التشريح، حيث قررت الكنيسة دفنه فى ديره الأصلى الذى نشأ وترعرع فيه رهبانيا، والصلاة عليه أيضا ببيته القديم، ليقفل ذلك باب التكهنات بأن الراهب مات منتحرا، حيث لا تصلى الكنيسة على المنتحر نهائيا، مما يقلص حالات الشك بين شقين، إما الوفاة الطبيعية، أو أن الحادث مدبر فقط.
البابا يدرس
وعلمت «البوابة» من مصدر بالولايات المتحدة الأمريكية، أن قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، كان يدرس فى تلك الأوقات قطع زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، بسبب حادث رحيل الراهب، إلا أنه لم يستقر على قراره، بسبب صعوبة إلغاء باقى جدول أعماله بالولايات المتحدة.
الجثمان فى الدير
وصل جثمان الراهب الراحل فى الثالثة فجرا الخميس، إلى دير أبومقار، بعد إذن النيابة بدفن الجثمان، عقب انتهاء الطب الشرعى من تشريح الجثة، حيث قبل أن يصلى عليه، وسط حالة من الحزن الشديد، حيث تعالت صرخات وعبارات الوداع المؤثرة من ذويه، وحدث العديد من حالات الشد والجذب نظرا لتوتر الأمور، إلى أن رهبان الدير سيطروا على الأمر وقاموا بالصلاة على الجثمان وسط حالة من التأثر الشديد، حيث ذرفت عيونهم الكثير من الدمع.
غياب الأساقفة
بات من الملفت لنظر خلال صلاة الجنازة غياب الأساقفة وقادة الكنيسة عن الصلاة، ولم يتواجد بالكنيسة القاطنة داخل الدير سوى رهبانه، الأمر الذى جعل الأمور تزداد غموضا، فكيف للكنيسة أن تودع أحد رهبانها وحوله تلك الأزمة الكبرى بذلك الشكل غير اللائق؟ كما أن مراسم الصلاة لم يتواجد بها سوى العشرات فقط.
نظرة الوداع
سار من العرف والتقليد الثابت فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن يتم فتح صناديق المتوفيين من قامات الكنيسة، بطاركة، كهنة، رهبان، أمام أقرانه وأحبابه وأهله، بغية إلقاء «نظرة وداع» على المنتقل والتبرك به.
ويبدو أن هناك بعض الحالات التى تحول دون ذلك، فمنذ حوالى شهرين، كسر رحيل الأنبا إبيفانيوس ذلك التقليد، حيث رحيله قتيلا حال دون ذلك، واضطرت الكنيسة لعدم فتح صندوق جثمانه أمام محبيه لوداعه، وعلى ذات الغرار حدث ذات الأمر مع الراهب القس زينون المقاري، ولكن يبدو أن عدم إلقاء «نظرة الوداع» على الراهب المقاري، يشير إلى بعض الأشياء التى ستتأكد أو تنفى مع الوقت، حيث لم يفتح صندوقه خلال وبعد الصلاة عليه فجر يوم الخميس بديره الذى نشأ وترعرع رهبانيا به.
آراء المفكرين
فيما قال كمال زاخر، المفكر القبطي، إن حادث رحيل الراهب زينون المقارى بدير العذراء المحرق بأسيوط، يعد من تداعيات حادث مقتل الأنبا إبيفانيوس، مطالبا جميع الأطراف بالتحلى بالحكمة لمواجهة الظروف التى تمر بها الكنيسة. وشدد على ضرورة أن يكون هناك حل جذرى لأزمات الرهبان، ويكون ذلك الحل موضوعيا أيضا ويصاغ بمعالجة علمية، مطالبا بالاستعانة بالمتخصصين خاصة الأطباء النفسيين.
واختتم تصريحاته، بأنه على الجميع الاستعانة بالصلاة، وطلب المساعدة من الله، مطالبا قيادات الكنيسة بالعمل على وضع حلول قابلة للتنفيذ.
فى الطافوس
دفن الراهب المنتقل، عقب انتهاء الصلاة عليه، داخل «الطافوس» الخاص به داخل دير أبومقار ببرية شيهيت بوادى النطرون، رفقة رهبان الدير المنتقلى مؤخرا، والطافوس هى كلمة يونانية ταφος تُنطق بنفس نطقها اليونانى فى العربية، وهى القبر أو اللحد the grave - tomb، وهى اصطلاح سائد فى الأديرة على وجه الخصوص، لا يعرفه العِلمانيون كثيرًا.
وفى العهد الجديد وردت هذه الكلمة «طافوس أو تافوس» سبع مرات (متى ٢٣: ٢٧، ٢٩؛ ٢٧: ٦٦،٦٤،٦١؛ ٢٨: ١؛ رومية ٣: ١٣)، كما وردت مرة ثامنة بصيغة المؤنث ταφη (طافى) فى (متى ٢٧: ٧). وهناك كلمة يونانية أخرى وردت مراث كثيرة هى «منيما» أو «منيميون»، وتعنى أيضًا القبر أو المدفن.
جدير بالذكر أن كلمة «طافوس» تُطلق أيضًا على عملية الدفن نفسها، أو مواراة التراب a burial. كما تُطلَق على جنازة الميت funeral.
أبيفانيوس وزينون
وفى ظهر الخميس، وبعد انتهاء عملية الدفن، أثار محامو أشعياء وفلتاؤوس المتهمين بقتل الأنبا إبيفانيوس أمرا جديدا، خلال جلسة الدائرة الثانية بمحكمة جنايات دمنهور، المنعقدة بمحكمة إيتاى البارود، برئاسة المستشار جمال طوسون، حيث طالبوا بإرفاق تقرير الطب الشرعى حول وفاة الراهب زينون بقضية مقتل رئيس الدير، وذلك كونه أحد شهود القضية، فيما وافقت المحكمة وقررت تأجيل القضية شهرا لسماع الشهود والحصول على التقرير.