الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعني كلمة «لطف» فى الأصل اليونانى، «الصلاح فى المواقف والأعمال». فاللطف هو التجاوب السلوكى مع الآخر بمواقف رحمة بعيدة عن الأنانية وحبّ الذات. 
ليس اللطف حول توزيع الابتسامات للناس، بل منهجية تفكير واهتمام، تظهر من خلال اهتمامنا بالآخر، أكثر من اهتمامنا بنفوسنا ومصالحنا الشخصية. يحمل اللطف، مشاعر صادقة ودافئة، بل محبة صادقة، تتجاوز محبّة، الذين يستحقّون محبّتنا، لتصل إلى محبة الذين لا يستحقّون محبتنا. 
اللطف ليس ضعفًا، لكنّه قوّة، إنه قوة الاهتمام بالآخر. اللطف هو تعلّم قول الحقيقة القاسية أحيانًا، بطريقة ناعمة ومحببة، تمكنّ الآخر من قبولها رغم قساوتها. اللطف هو الاحتفال من كل القلب، بنجاح الانسان الآخر. اللطف هو اتخاذ القرار الشجاع بالذهاب مع الإنسان ميلًا آخر طوعا. 
اللطف يجعل منا أكثر إنسانية. اللطف لغة جامعة، يستطيع أن يتكلّمها الأبكم، ويسمعها الأصم، ويراها الأعمى، ويفهمها الطفل. تذكر إحدى الدراسات، بأن الأطفال لا يتعلّمون اللطف، فقط بالتفكير فيه أو التكلّم عنه، لكنهم يتعلمونه بالشعور به، عندما يعامَلون بلطف، وهكذا يقلّدونه. 
يمنح اللطف، للإنسان اللطيف، مشاعر السعادة والقناعة. فالناس اللطفاء، هم أكثر سعادة من غير اللطفاء. فى دراسة أجرتها الطبيبة التى تعالج الحالات النفسية، باربرة فرديكسون، فقد وجدت أن اللطف: «يُخرج الإنسان من دائرة الأنانية. يقلّل من درجة التوتّر والإحساس بالضغوطات. ويساعد فى التخفيف من المشاعر السلبية فينا، مثل الغضب والقلق والكآبة. 
يساهم، فى زيادة الشعور بالامتنان. ويقوى نظام المناعة». يُطلق فينا اللطف طاقة إيجابية، فنشعر أننا نحن بحالة أفضل. والإنسان الذى نعامله بلطف، يشعر هو أيضا بحالة أفضل، فيصير الاثنان لطفاء مع بعضهما البعض. فمن طبيعة اللطف، أنه معدٍ. فعندما تتعامل مع أحدهم بلطف، نرى أنه يرد بلطف. وهكذا تكبر كرة اللطف بين الناس.
يخبرنا الرسول بولس، أن توبتنا وخلاصنا من الخطية، بموت المسيح على الصليب، ترجع إلى غنى لطف الله نحونا. يقول بولس لكنيسة رومية: «أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله، إنما يقتادك إلى التوبة» (رومية2: 4). ولتلميذه تيطس، يقول: «لأننا كنا نحن أيضًا قبلًا، أغبياء غير طائعين، ضالين، مستعبدين لشهوات ولذّات مختلفة، عائشين فى الخبث والحسد، ممقوتين، مبغضين بغضًا تامًا. ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا الله وإحسانه، لا بأعمال فى بر عملناها، بل بمقتضى رحمته خلّصنا». (تيطس3: 3-4). وبالتالى يريد بولس أن يقول لنا اليوم.
إن لطف الله له قوة تغييرية كبيرة. فقد أجرى لطفه تغييرًا كبيرًا فى حياتنا. فبعدما كنا «أغبياء غير طائعين، ضالين، مستعبدين لشهوات ولذّات مختلفة، عائشين فى الخبث والحسد، ممقوتين، مبغضين»، فان لطف الله واحسانه ورحمته، التى تجسدت فى يسوع المسيح، قد اقتادتنا إلى التوبة، ومنحتنا الخلاص العجيب، وغيّرت سلوكنا، إذ جعلت منا أناسًا: لطفاء، أمناء، محسنين، مطيعين، محبين، مهتمين بالآخرين. ويشدّد الرسول بولس، على أن خلاصنا، لم يتم باستقاقاتنا، لا الروحية ولا الأخلاقية، «ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا الله وإحسانه، لا بأعمال فى بر عملناها». يؤكد الكتاب المقدس، أن الخطية قد أفسدت إرادتنا، فلم نعد قادرين على القيام بأعمال حسنة، لكن فقط، لطف الله هو رصيدنا. وبالتحديد غنى نعمة الله الفائقة، التى بادرت نحونا، فى موت المسيح على الصليب من أجلنا، ومنحتنا عطية الإيمان. قال بولس: «ليُظهر فى الدهور الآتية، غنى نعمته الفائق باللطف علينا، فى المسيح يسوع، لأنكم بالنعمة أنتم مخلّصون. بالايمان. وذلك ليس منكم هو عطية الله» (أفسس2: 7).
يذكر الرسول بولس، فى رسالته إلى كنيسة غلاطية، أن اللطف هو أيضًا، ثمرة من ثمار حلول الروح القدس فينا. يقول: «وأما ثمر الروح، فهو: محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، ايمان، وداعة، تعفف» (غلاطية 5: 22). قال أحد رجالات الله، «إن الروح القدس الذى يحلّ فينا، يجعلنا ننشر أجواء اللطف حولنا». وفى رسالته إلى كنيسة رومية، يدعو الرسول بولس أعضاء الكنيسة إلى الثبات فى اللطف، قائلًا لهم: «فهوذا لطف الله وصرامته. أما الصرامة فعلى الذين سقطوا. وأما اللطف فلك، إن ثبت فى اللطف» (رومية11: 22). ولأهمية اللطف كسمة من سمات الحياة المسيحية، يدعو الرسول بولس أعضاء كنيسة أفسس، إلى التصرف مع بعضهم البعض بلطف، قائلًا لهم: «كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين، كما سامحكم الله أيضًا فى المسيح» (أفسس4: 32).