الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إرادة الضفدع الأصم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما يخوض الإنسان في غمار اللا مبالاة، تاركًا يداه مغلولة إلى عنقه، واضعًا قيودًا على نفسه فلا يتقدم قيد أنمله واضعًا سجنًا حديديًّا على رقبته، فلا حركة تخرجه من هذا اليم الذي غرق فيه بنفسه.
إنها الإرادة التي لا تعرف المستحيل في الحياة والتقدم في مصافّ الأمم المتقدمة، فالحضارة تُبنَى بالإنسان ليس بغيره، والإبداع دائمًا هو كسر المألوف، فمتى وجدت قدرة الإنسان الحقيقية؟ كانت أمة تتقدم بثبات، لكن هناك عوامل تحد من قدرته يستسلم لها ويفتح حواسه بكل ما أوتي من قوة فتنخر قواه، ويذوب بها.
فلا يعرف التحدي والإصرار. فيسير في طابور النسيان ويستمع إلى كل ما هو فشل ويتلذذ به ويمضي في ركابه. ولعلني أسوق قصة الضفادع التي حاولت تسلق الجبل للحصول على الطعام اللذيذ، فقد وقفوا صفًّا يتشاورون في صعوده، فمن رأى أنه عال جدًّا، فابتعدوا وآثروا أكل ما تبقّى منه حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا. وهناك مجموعة حاولت الصعود حتى اقتربوا من المنتصف، لكنهم سمعوا بمن أسفل منهم أن الجبل شاهق وسوف يموتون بسرعة، فخارت قواهم فنزلوا متدحرجين في سعادة خوفًا على أنفسهم من الهلاك، إلا ضفدعًا فقد استلم الجبل وظل يصعد ثم صعد في سعادة، دون تعب حتى وصل إلى قمة الجبل فنال الطعام اللذيذ، ولما سألوه عن كيفية الصعود بمهارة، عرفوا أنه أصم لا يسمع لزخرف القول من قريب أو من بعيد، ومن ثم أصر في طريقه للصعود، رغم قمة الجبل وارتفاعه الشاهق. 
إن هذا الضفدع يضرب مثلا في التحدي والإصرار لمن استسلموا لآذانهم فجلسوا في رهان القدر يقلبهم كيف شاءوا، فكان اليأس حليفه فيقنط كما قال الله عز وجل: (لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ). 
لا يصل الناس إلى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطاتِ التعب والفشل واليأس، وصاحب الإرادة القوية لا يطيل الوقوف في هذه المحطات. فهناك أمم اندثرت وفي طريقها للاندثار، وأمم وشعوب ازدادت قوة؛ بفضل الإرادة، فقد بنيت مصر قديمًا بفضل أبنائها، فلم تضعف قواهم يومًا، لكن ما نراه اليوم من بعض شبابنا من ضعف ووهن، غير آبهين بمستقبلهم متسكعين على المقاهي، لا تشم من حديثهم بريقًا فيما يعملون، ينسجون على عيونهم خيوط العنكبوت، وما أوهنه، وما أضعفه. فلو اتخذوا من قصة الضفدع الأصم مسلكًا وطريقًا يتلمسون فيه العمل دون الحد من الإرادة لصعدوا؛ لكنهم يستمعون بشدة إلى قصص الفشل التي تروق لهم، فلو أن إديسون راق له ما سمعه من أحاديث الفشل لما أنار الدنيا بعد تجارب تعدّت الثمانين تجربة على المصباح الكهرباء. إنها إرادة الضفدع الأصم.