الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حُسين الجادرية وحُسين الغاضرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل قُصد مِن هذا الإعلان الإمام الحُسين؟! وما الغرض من عرض صورة المالكى لاطمًا؟! أسئلة قد تدور فى ذهن المواطن الذى يعتقد أن المالكى مسئول عن خيبة أمله فى سنوات حكمه
نُشرت لوحة وضع عليها صورتا نورى المالكي، وهو يضع يده على صدره لاطمًا، وتقابلها صورة محمد باقر الصَّدر (أعدم فى ١٩٨٠)، وبينهما قبة ضريح الإمام الحُسين. كُتب عليها: «يُقيم الحاج نورى المالكى مجلسه الحُسينى ابتداءً من الأربعاء إلى العاشر مِن محرم» والمكان «مجمع الأبرار فى الجادرية». كأنها البداية بوجود حُسينين: حُسين المكاتب وحُسين النَّاس، فالعزاء يُقيمه مكتب المالكي.
هل قُصد مِن هذا الإعلان الإمام الحُسين؟! وما الغرض من عرض صورة المالكى لاطمًا؟! أسئلة قد تدور فى ذهن المواطن الذى يعتقد أن المالكى مسئول عن خيبة أمله فى سنوات حكمه، وتحديدًا أن يُقام مجلس المالكى على أرض يعتقد العراقيون، المحتجون والصامتون، أنها عقارات مغتصبة، وهى «الجادرية»! 
كيف يُقحم الدِّين، فى ما ورد مِن الآية «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» التى علت اللوحة المذكورة، وهى خاصة بشعائر «الحج»، ووردت فى سورة «الحج» ومناسكه، وليس اللطم، حيث ظهر المالكى لاطمًا، وكأن الآية تشرح ماذا يفعل. لو كان الإعلان لشخص عادي، أو رجل دين، لا يلفت النظر، لكنه إعلان لرئيس وزراء سابق ونائب رئيس جمهورية حاضر، وحزبه، بشتى فروعه، يتربع على دوائر خطيرة. 
أراد مكتبه القول فى إعلانه، وبصفته الرَّسمية، إن اللطم رسميًا من شعائر الدَّولة، وإنها دولة الطّائفة، لكن أى طائفة، إنها الطائفة المقيمة على أرض الجادرية، أرض غناء تعد مِن أفضل أراضى العاصمة، أقيمت عليها جامعة بغداد، وداوئر الدَّولة المهمة، أما الطَّائفة الشيعية، فتجد أبناءها فى تظاهرات البصرة وبقية مدن الجنوب والوسط، وعاشوراؤهم يقيمونه بالغاضرية. 
وربَّ سائلٍ يسأل وما الغاضرية التى جعلتها تُقابل الجادرية؟! إنها أحد أسماء كربلاء، وردت فى معظم كُتب التاريخ، مع قصة مقتل الحُسين (٦١ هـ): «ودفن أهل الغاضرية مِن بنى أسد جثة الحُسين، ودفنوا جثث أصحابه رحمهم الله، بعدما قُتلوا بيومٍ» (البلاذري، جمل مِن أنساب الأشراف). ذكرها ياقوت الحموى (ت ٦٢٢ هـ): «الغاضرية منسوبة إلى غاضرة مِن بنى أسد، وهى قرية مِن نواحى الكوفة» (معجم البلدان).
كذلك جاءت المبالغات بقضية الحُسين من فقهاء السُنَّة الكبار، فضلًا إلى مبالغات مؤرخى وفقهاء الشِّيعة، وهذه إشارة إلى أن الإمام الحُسين لا يُصنف شيعيًا ولا سُنيًا، مثلما يراد له فى التعبئة الطَّائفية التى اجتاحت العراق، وجعلها رئيس وزراء العراق السابق صاحب مجلس الجادرية، حربًا مستمرة بين الحُسين ويزيد! فمَنْ كتب بخصوبة خيال، وتعصب للحسين، مِن فقهاء السُنَّة الشَّيخ أبو البركات نعمان الآلوسى (ت ١٨٩٩)، نجل صاحب «تفسير المعاني» أبى الثناء (ت ١٨٥٤)، فى فصل: «عاشوراء وقتل النَّفس المحرمة»، ورد: إن الجنَّ بكت الحسين، وإن جبرائيل عرف قبره ودلَّ عليه، وما حفظه الآلوسى من ندبِّ نساء الجنِّ: «أبكى قتيلًا بكربلاء/مضرج الوجه بالدِّماء» (الآلوسي، غالية المواعظ).
كان البويهيون عندما جعلوا عاشوراء رسميًا للدولة، والفاطميون، والصفويون بعدهم، انطلقوا من موقف إمبراطورى عابر للوطنية، لكن فى ظل الدَّولة الوطنية، تُحدد مهمة المسئول بالوطن، وتتُرك الخصوصية الطائفية للناس وليس للدولة، أى أن يبقى عاشوراء، عاشوراء «الغاضرية» وليس عاشور «الجادرية» الذى أُقيم تحت سطوة الحمايات، وغدق الأموال، بدا وكأنه معادل نقيض لعاشوراء الاحتجاج بالغاضرية، وعلى وجه الخصوص فى الموسم الجاري. فقبل سنوات كان قادة الأحزاب الحاكمة يظهرون واقفين وراء القدور يوزعون الطعام على الجمهور، ويتلفعون القماش الأخضر رياءً، لكن بعد حين صار الجمهور يطاردهم، والبصرة شاهدًا. 
انطلاقًا من لوحة إعلان مكتب المالكى عن مجلسه الحسينى وهو يُمارس اللَّطم، نجد ساسة العراق الإسلاميين، لم يميزوا بين ماض إمبراطورى دينى وحاضر وطني، فما عبرت عنه تلك اللوحة أن الطَّائفة حلت محل الدَّولة، لكن أى طائفة؟! إنها طائفة الجادرية. كذلك حسبوا خطأ بأن الحُسين معهم وهم فى المعارضة ومعهم وهم فى السُلطة، ولم ينتبهوا إلى وجود حُسينين: حُسين الجادرية وحُسين الغاضرية!
نقلًا عن «الاتحاد»