الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب: مأساة امرأة كانت ملكة

مأساة امرأة كانت
مأساة امرأة كانت ملكة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوم نام الملك فاروق على بطنه خوفًا من حصار الجيش
ناريمان: خوف وارتجاف زوجى أشعرانى بالذل 
محكمة مصر الجديدة تصدر حكمًا بطلاق ناريمان.. والملك: الحمد لله الآن أشعر بحريتى كاملة

فى هذه الحلقات يكتب الكاتب الصحفى محمود صلاح حكايات مهمة عن حياة الملكة ناريمان، ابنة حسين صادق ووالدتها أصيلة هانم، والتى جاءت بعدما أصيبت والدتها «بالإجهاض» تسع مرات، قبل أن تنجب المولودة ناريمان فى النهاية.
وأصبحت ناريمان فتاة جذابة، وبدت مثل وردة جميلة بين زميلاتها فى مدرسة الليسيه الفرنسية، وسرعان ما كان من الطبيعى أن يجذب هذا الجمال العرسان وراغبى الزواج، كما كانت هناك رغبة من والدتها بزواجها من الدكتور الشاب زكى هاشم، إلا أن اليوزباشى صلاح الشعراوى ابن اللواء الشعراوى قائد سلاح الطيران دخل على الخط.
إلا أن البحث عن خاتم مناسب لخطوبة ناريمان، كان هو الطريق الذى ساقها بالمصادفة للزواج من الملك فاروق لتكون آخر ملكات مصر.
لم تكن قد مضت سوى شهور قليلة على خروج فاروق من مصر، وذهاب ناريمان معه لتعيش فى قصر فى ضواحى روما، مع بناته الأميرات الثلاث الصغيرات وطفلهما المولود أحمد فؤاد إلى حياة الليل والملاهى والعربدة.
وبدأت المشاكل بين فاروق وناريمان، وأخذ فاروق يتفنن فى إهانتها وتعذيبها، ووصل الأمر إلى حد الاعتداء عليها بالضرب!
وأرسلت ناريمان تستغيث بأمها «أصيلة هانم»، التى حضرت على الفور، وأصرت على أن تأخذ ناريمان إلى سويسرا، ومنها إلى القاهرة.
وبقيت الخطوة التالية.. الطلاق!
ويقول أمين فهيم سكرتير فاروق فى مذكراته إن الأنباء وصلت إليهم فى إيطاليا، بأن ناريمان أقامت فى القاهرة قضية طلاق من فاروق!
وبسرعة استدعى فاروق محاميه الإيطالى، وطلب منه أن يذيع بيانًا باسمه، يقول فيه إن الشريعة الإسلامية لا تسمح لناريمان بطلب الطلاق، وأن فاروق وحده هو صاحب الحق فى طلاقها!
وأرسل أمين فهيم يستدعى المحامى السورى حسان الشريف ليتحدث معه فاروق فى موضوع طلاق ناريمان، وحضر المحامى السورى والتقى فاروق، الذى قال له إنه يوافق على طلاق ناريمان بشروط. أولها أن تتنازل ناريمان عن قضية نفقة كانت قد أقامتها ضد فاروق. وطلبت فيها أن يدفع لها ٥ آلاف جنيه نفقة شهرية من يوم انفصالهما. وأن تتنازل ناريمان وأمها «أصيلة هانم» وجدتها «نعيمة هانم» عن حقهن فى حضانة الطفل أحمد فؤاد! وتابع الرأى العام فى مصر قضية طلاق ناريمان. 
ويقول أمين فهيم إنه عندما أصدرت محكمة مصر الجديدة للأحوال الشخصية حكمها بطلاق ناريمان، أرسل المحامى السورى برقية إلى فاروق يقول له فيها «مبروك.. تم الطلاق وفق الشروط والرغبات التى أملاها الملك» !
وكانت سعادة فاروق بالغة بهذا الخبر..
• وقال لأمين فهيم: الحمد لله.. الآن أشعر بحريتى كاملة!
ثم أخذ يضحك فى سعادة..
• واستطرد يقول: كانت فاكرة حاتاخد الولد.. مش ح تشوفه عمرها!
ونادى على مربية أحمد فؤاد السويسرية..
• وقال لها: خلاص.. لن تأخذ الولد!
وقدمت الأميرات التهنئة لفاروق.
وكذلك فعل الخدم والحرس!
• والتفت فاروق إلى سكرتيره وقال له: قل لى يا سى أمين تفتكر المحامى حايطالب بأتعاب كام؟
- قال له أمين فهيم: لقد أعطيناه ما طلب مقدمًا.. وهو لم يلمح بأنه سيطالب بشىء فى حال نجاح مهمته، وإذا طالب بمؤخر أتعاب. أعتقد أنه من الملائم ألا نبخل عليه بشىء.
• رد فاروق: لا.. يبقى يقابلنى!
لكن المحامى السورى حضر إلى روما. ودفع له فاروق بقية أتعابه على مضض!
***
وفى هذا الجزء من المذكرات يروى أمين فهيم حكاية ناريمان وفريد الأطرش! ويقول: ذات يوم نشرت الصحف الإنجليزية أن ناريمان تحب المطرب فريد الأطرش وأنها سوف تتزوجه!
وأكد فريد الأطرش الخبر..
لكن ناريمان كذبته!
وقال فاروق إنه يصدق فريد الأطرش لأن ناريمان كانت معجبة به وتحب سماع أغانيه. وتصر على حضور حفلات معينة يغنى فيها. ولابد أنها بعد عودتها إلى القاهرة قد استأنفت علاقتها به!
لكن فاروق كان يقول إن فريد الأطرش يحب سامية جمال. وأن سامية جمال أجمل من ناريمان وأخف منها دمًا!
وكان عند فاروق تبرير عجيب لشائعة زواج ناريمان وفريد الأطرش.
• فقد قال: إن اسم فريد يبدأ بحرف الفاء مثل اسمى. ولدى ناريمان أشياء كثيرة مكتوب عليها حرف النون وحرف الفاء. ولهذا بحثت عن رجل يبدأ اسمه بحرف الفاء. فاختارت فريد الأطرش!
لكن الصحف بدأت تكذب القصة من أساسها..
لكن فى ظهر يوم ٧ فبراير ١٩٥٤..
دخل فاروق مكتب سكرتيره أمين فهيم فى حالة ثورة.. ويداه ترتعشان 
• وقال له: خيانة.. خيانة!
وكان فاروق يحمل فى يده جريدة إيطالية..
وكان مانشيت الجريدة يقول إن ناريمان سوف تتزوج الدكتور أدهم النقيب!
- قال له أمين فهيم: يا مولاى.. إنها الآن حرة.. مطلقة.. ومن حقها أن تتزوج من تشاء.
• قال له فاروق بانفعال: لكن فريدة لم تتزوج بعد أن طلقتها!
- رد أمين فهيم: كل امرأة لها مبادئها الخاصة بها.. وزواج ناريمان ليس خيانة!
• فوجىء بفاروق يقول له: هل تظن أننى زعلان لأن ناريمان سوف تتزوج.. إننى أتوقع منها هذه الخيانة. إنما الذى لم أتوقعه هو أن يخوننى الدكتور النقيب والد أدهم النقيب.. كده يعملها النقيب ويسمح لابنه بالزواج من ناريمان؟!
- رد عليه أمين فهيم: وماله.. أحسن ما كان يعملها واحد من خصومك.. على الأقل ده ابن صديق!
هز فاروق رأسه..
• وقال: صديق إيه.. ده عدو!.. عمومًا لو حصل شىء من هذا. فإننى سوف أطلق الرصاص على أى مخلوق يحضر ليطلب الولد.
ثم بدأت الصحف تكذب الحكاية..
وكذبت ناريمان الخبر وقالت إنه غير معقول.
وصرح أدهم النقيب بأنه لا يفكر فى الزواج.
وأقسمت أصيلة هانم أن الحكاية من أصلها لا أساس لها من الصحة!
***
ولكن الذى حدث أن ناريمان تزوجت فعلاً من أدهم النقيب بعد ثلاثة شهور!
وانفجرت ثورة فاروق!
وكان يتوهم أن هذه الحكاية مؤامرة دبرتها له حكومة الثورة. وغرضها فى النهاية خطف ابنه أحمد فؤاد!
وكان يتوهم أنهم سوف يرسلون فدائيين إلى إيطاليا لخطف ابنه!
وأصيب بما يشبه الجنون..
فبدأ يعد المسدسات والبنادق والمدافع الرشاشة استعدادًا لقتل هؤلاء الفدائيين إذا حضروا!
كان فاروق أصلاً كان يعيش فى دوامة المؤامرات!
وكان يتصور أن حكومة الثورة مشغولة به. وسترسل من يطلق الرصاص عليه!
وكان دائمًا يفحص أسلحته ويشترى أحدث الأسلحة.
أصدر أوامره للحراس الألبان بأن يقتلوا أى شخص يقترب منه. 
ويكشف أمين فهيم فى مذكراته عن سر الساعات التى حاصر فيها الجيش مقر فاروق فى رأس التين، وماذا فعل فيقول: كان فاروق يتباهى دائما بشجاعته وبأنه يحمل معه دائمًا مسدسًا سريع الطلقات. لكن كل الذين حوله لم يكونوا يصدقون هذه الشجاعة المزعومة.
ذات يوم جلس فاروق مع ناريمان وبناته الثلاث يتحدث عن شجاعته يوم حاصر الجيش مقر رأس التين. 
• فقال لهن: عندما حاصرت قوات الجيش مقر رأس التين لم أشعر بأى خوف أو اضطراب. لم أفقد رابطة جأشى وشجاعتى. وعندما بدأ بعض الجنود يطلقون الرصاص على داخل القصر. سارعت إلى بندقيتى الرشاشة. وخرجت إلى الشرفة لأرد على المعتدين. وأنتم تعلمون مدى كفاءتى فى الرماية. كنت دائمًا أفوز على كل المتبارين فى الرماية. المهم أننى كنت فى هذه اللحظة أستطيع قتل المئات منهم. لكن الذين حولى منعونى. 
ونظر أمين فهيم سكرتير فاروق إلى ناريمان والأميرات. فرآهن يغالبن الضحك!
بعد أن غادر فاروق المكان..
- همست ناريمان لأمين فهيم قائلة: يومها ذهبت إلى شرفة القصر لأرى بنفسى القوات التى تجمعت حول القصر وحاصرته. ثم لحق بى فاروق. وما أن وقف إلى جانبى. حتى بدأت طلقات الرصاص تتطاير فوق رأسينا. فأخذ فاروق يجذب شعر رأسى. ورمى نفسه على الأرض، ونام على بطنه وجذبنى معه لننجو من الموت.
ونادى فاروق على ناريمان فى هذه اللحظة فخرت إليه..
- فقالت الأميرة فريال لأمين فهيم: فى الساعة التى كان الجيش يحاصر فيها القصر. أمسك بمسدس فى يده. كانت يده ترتجف والمسدس يهتز. وكان يهرول فى حركة جنونية. ويجرى من حجرة إلى أخرى. كان يبكى من الخوف والاضطراب واليأس. أقسم لك يا أمين أننى كنت فى منتهى الخجل من هذا المنظر. كنت أتمنى أن أرى والدى متماسك الأعصاب. كنت أتصوره سيتلقى الهزيمة بنفس الأعصاب التى يتلقى بها النصر. كنت أرى كل الوجوه تنظر إليه. وجوه الخدم والحاشية والحرس. شعرت فى هذه اللحظة بذل غريب..
• وتقدمت منه وقلت له: متخافش يا بابا.. ربنا معانا!
لكن بابا لم يسمعنى. بل دفعنى بعيدا وتركنى. أسرع إلى جناحه وهو يبكى!
- وقالت المربية الفرنسية: لقد كنت فى تلك اللحظة فخورة بفريال وأخواتها. لقد كن رجالا وكان الأب هو الطفل المرتجف الباكى. كانت فريال وأخواتها يشجعن الملك. وكان كل هم الملك الجرى والقفز من مكان لآخر. يجمع حقائبه وأمتعته الثمينة، وكل ما له قيمة بينما أصدر إلى بناته أمرًا بألا تحمل الواحدة منهن سوى حقيبة واحدة!
وفجأة انفتح باب الحجرة..
ودخل فاروق يحمل فى يده مدفعًا رشاشًا.. 
• قال: لو كان هذا المدفع الرشاش معى يوم رأس التين.. لقتلتهم جميعًا.
لم تنته مذكرات أمين فهيم عند هذا الحد..
كان قد ترك خدمة فاروق كسكرتير خاص.
والغريب أنه بعد ذلك عمل لفترة سكرتيرًا لناريمان..
مذكرات أمين فهيم ما جاء فيها عن فاروق وناريمان. لا يتحمل مسئوليتها أحد سواه. وهو المسئول الوحيد عن كل كلمة جاءت فى هذه المذكرات.
لكن بقية مذكرات أمين فهيم كلها قصص مثيرة عن فساد الملك فاروق وشخصيته الغريبة.
ومن حق أكرم النقيب ابن ناريمان من أدهم النقيب. أن يتحفظ بشدة على هذه المذكرات وعلى صاحبها!
لكن المؤكد أن ناريمان كانت ضحية القدر!
وقد نشرت مجلة «آخر ساعة» التى سبق أن نشرت مذكرات مصطفى صادق عم ناريمان ومذكرات أمين فهيم سكرتيرها وسكرتير فاروق.. نشرت «آخر ساعة» تحقيقًا مصورًا عن ناريمان بعد عودتها إلى مصر.
قالت آخر ساعة: إن ناريمان التى أجلسها فاروق ذات يوم على عرش مصر. تعتقد اليوم أنها مظلومة. وأن الدنيا تجنت عليها. الناس يظلمونها.
وفى رأى ناريمان - وأمها - أنها لم يكن لها ذنب فى كل الذى حدث. 
القدر وضعها فى طريق فاروق.
لا أحد يقول إن ناريمان إحدى ضحايا القدر!
وتحاول ناريمان أن تنتظر تطورات قصة حياتها فى صبر.
إن قصة حياة ناريمان أشبه ما تكون بحلم غريب.
فتاة عادية جدًا كملايين غيرها فى مصر.
فجأة تجد أمامها ملكًا.. ثم تجد نفسها ملكة!
وفجأة تجد زوجها ملكًا مخلوعًا. تجد ابنها ملكًا. ثم تجد ابنها ملكًا مخلوعًا قبل أن يصبح عمره سنة واحدة!
من بيتها فى مصر الجديدة تخرج إلى أجمل قصور العالم.
ثم تهرب من هذه القصور ومن زوجها.
ولا تحتمل تصرفاته. 
ثم تهرب إلى سويسرا..
ثم تعود إلى بيتها فى مصر الجديدة!