الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مبادرة «المواقع الأثرية».. من وحي صان الحجر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«أنا مبسوط أوى إن وجودكم النهاردة خلّى الناس تعرف صان الحجر»، جملة قالها «محمد» الطفل الذى لم يتجاوز العاشرة من عمره من أطفال صان الحجر الذين كانوا فى استقبال وزير الآثار خلال الجولة التى أجراها بمرافقة عدد من نواب البرلمان وسفراء الدول الأجنبية فى القاهرة ورؤساء البعثات الأثرية العاملة بمصر للمنطقة الأثرية التى كانت محور اهتمام مختلف فئات الشعب المصرى خلال الأسبوع الماضي، وهى الجملة التى تفاعل معها الوزير بشكل كبير.
كانت بداية تسليط الضوء على صان الحجر فى الأسبوع قبل الماضي، حينما شرعت وزارة الآثار فى نقل عدد من القطع الآثرية من المنطقة إلى المتحف المصرى الكبير، لتعرض ضمن محتوياته وقت الافتتاح، إلا أن الأمر آثار حفيظة أهالى «صان» ودفعهم للخروج أمام الموقع الأثرى معبّرين عن رفضهم تفريغ المنطقة من محتواها التراثى والحضارى على حد تعبيرهم، مطالبين بإنشاء متحف يضم آثارها الملقاة على الأرض منذ آلاف السنين دون رعاية أو اهتمام، وهذا يبين العلاقة الوثيقة بين «الناس والآثار»، وهذا ما انعكس على حديث الطفل الصغير الذى فاجأ وزير الآثار بجملته مما دفع العنانى لدعوته وزملائه لزيارة مختلف المواقع والمتاحف الآثرية المصرية بالمجان.
وعلى الفور طلب الوزير من العلاقات العامة بمكتبه أن يتواصلوا مع «محمد»، ورغم أهمية الحضور وكثرة عددهم إلا أن الوزير اصطحب الطفل طوال الجولة ليسير بجواره من منطقة لأخرى يميل إليه من وقت لآخر ليتحدث معه- لم أكن قريبًا بالشكل الكافى لأسمع ما يدور- إلا أننى شهدت اهتمامًا كبيرا من قِبل الوزير بالطفل، وقبل نهاية الجولة مد الطفل يده تجاه وزير الآثار حاملًا علم مصر وهو يقول له: «أنا عايز أدى حضرتك العلم ده هدية»، فاقترب منه الوزير وقبله، وقال له أكتب لى اسمك على العلم وسأضعه فى منزلي، فوجدت الحيرة فى عيون الطفل، قبل أن أمد يدى لأعطيه قلمى الحبر قائلًا له اكتب اسمك وما تشاء على العلم، فنظر لى الدكتور «العناني»، وطلب أن أجرى لقاءً صحفيًا مع الطفل الصغير، مشيرًا إلى عبقريته ونضجه، إلا أن الوقت كان صاحب القرار، ولكن الفكرة ظلّت عالقة بذهنى لذا قررت أن أكتب عن هذا الطفل الذى استطاع بشكل فردى من بين مئات الأطفال من الحاضرين أن يتسلل إلى قلوب الحضور، إضافة لأنه ألهمنى لتقديم مقترح هذه المبادرة.
وزير الآثار رحب بزيارة تلاميذ المدارس للمواقع الأثرية بالمجان وبدون مقابل مادى وفى اعتقادى ما ينطبق على أطفال صان الحجر ينطبق على جميع تلاميذ المدارس المصرية، ومن هنا أقترح تفعيل بروتوكول تعاون بين وزارتى الآثار والتربية والتعليم، تحت رعاية مباشرة من رئاسة الجمهورية، لدفع تلاميذ المدارس بشكل مدروس منظم ومستمر لزيارة جميع مواقع مصر الأثرية، ليكون هذا الأمر الخطوة الأولى والعملية، التى لن تتكامل إلا باستحداث مادة تُقرر على تلاميذ جميع المراحل التعليمية ولتكن تحت عنوان «المواقع الآثرية وحضارة مصر»، بحيث يكون التعليم النظرى من خلال الكتاب المدرسي، والمشاهدة العملية فى المتاحف والمعابد على أرض الواقع، وما أكثر مواقعنا الأثرية وما أعظم تاريخنا القديم. 
نحن الآن فى أمس الحاجة لتعريف الأجيال الجديدة بتاريخ مصر الخالد، وهو تاريخ يستحق الإشادة والتعريف به، وليُقرر على كل صف دراسة معبد أو متحف على سبيل المثال بكل محتوياته لتكون المعرفة علمية ومتكاملة وليست قشورا، من هنا يمكننا تقديم جيل صالح محب لبلاده نابذ للعنف عاشق للحياة، فمن يزور مواقع مصر الأثرية لن يتسلل الكره والحقد لقلبه، إضافة إلى معرفة قيمة هذه الحضارة، فمن حق تلاميذ المدارس أن يروا بأعينهم وعلى أرض الواقع أننا أمة ذات تاريخ عظيم.