الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عن ظاهرة الإلحاد في مصر..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بحلول صيف عام 2014 بدأ الحديث عن شيوع ظاهرة الإلحاد فى مصر، حينها أفردت الصحف وبرامج التوك شو مساحات كبيرة للحديث عن الظاهرة.
اتهام الشباب الملحد بالزندقة والرغبة فى ممارسة شتى الرذائل بدءًا من شرب الخمر وصولًا إلى إقامة علاقات جنسية غير شرعية كانت النغمة السائدة لدى أغلب رجال الدين فى معالجتهم للمسألة.
ولم يهتم أحد سواء من الصحفيين والإعلاميين الذين اهتموا بمناقشة الظاهرة أو رجال الدين بالبحث فى الأسباب الموضوعية التى أفضت بهذا الشباب إلى خيار الإلحاد.
وخلق رجال الدين والإعلام معًا مناخًا عدائيًا ضد الملحدين مسفهًا ومسطحًا خيارهم لحد وصفه بأنه مجرد موضة شبابية وتقليد أعمى للغرب.
«الذين آمنو والذين ألحدوا» عنوان مقال كتبته حينها فى هذه الزاوية منتقدًا هذا الأسلوب الساذج والسطحى، ومشيرًا إلى أن سقوط رموز ما يسمى بالتيار الإسلامي، فى بئر الرذيلة، وتخلف الخطاب الدينى السائد، كأسباب موضوعية لشيوع ظاهرة الإلحاد.
وبقرب انتهاء صيف 2018 تعود القضية إلى السطح مجددًا، مع ظهور تقارير إعلامية تدعى أن مصر الأولى عربيًا فى انتشار الظاهرة وتتحدث عن أرقام تتراوح بين 3 إلى 6 ملايين شخص ملحد.
هذه المرة بدت المعالجة أكثر هدوءًا، ووجدت فى التجربة السيئة لحكم جماعة الإخوان الإرهابية مبررًا يمكن معه تفهم الأسباب التى قادت بعض الشباب إلى الأخذ بخيار الإلحاد، وقد تشارك بعض رجال الدين الرسميين مع بعض علماء الاجتماع والنفس فى تفسير الظاهرة باعتبارها رد فعل على انكشاف حقيقة ما تسمى بجماعات الإسلام السياسي.
ووجدنا رجال دين بحجم مفتى الديار المصرية الدكتور شوقى علام يتحدثون عن الحوار مع الشباب الملحد كوسيلة لردهم إلى جادة الصواب عبر إقناعهم بأن الإسلام شئ وجرائم وإرهاب جماعة الإخوان ومثيلاتها شئ آخر، واختفت نغمة الشباب الزنديق والمنحل، وهو ما يؤكد شعور المؤسسة الدينية الرسمية بحجم الظاهرة الحقيقي، ويؤشر إلى تخوفاتها من اتساع بقعتها بين الشباب المصري.
ومع ذلك لا يبدو هذا المنهج الذى يعتمد الحوار الهادئ وتفهم دوافع الشباب أسلوبًا للمعالجة قادر على استيعاب الأمر، أو حتى الحد من اتساع نطاق ظاهرة الإلحاد بين شرائح وفئات الشباب المختلفة، ذلك أنه يرى القضية من منظور أحادي، أخشى أن يكون سياسيًا بامتياز.
فلو أن تفسير الظاهرة يقف عند نقطة انكشاف حقيقة جماعة الإخوان أمام الرأى العام، لوجدنا أفواجًا من المصريين تخرج من الدين، لكن هذا لم يحدث لأن غالبية المصريين على عكس ما يرى دكتور شوقى علام مفتى الديار المصرية يدركون أن جماعة الإخوان لا تمثل الإسلام، وأنها فقط جعلت منه سلعة تتاجر بها ابتغاءً لمصالحها السياسية.
ظنى أن هذا التفسير المقصور محاولة للهروب من مواجهة الأسباب الحقيقية والتى تكمن فى تبنى رجال المؤسسة الدينية الرسمية خطابًا دينيًا متأخرًا ورفضهم المطلق أن يخطوا خطوة واحدة فى مسار تجديده وإصلاحه وتنقيته من شوائب الموروث العالقة به.
على ما يبدو أننا سنمضى على هذا الدرب، فبقدرة قادر تحولت مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتجديد الخطاب الدينى من مبادرة فكرية تسعى إلى إبداع فقه جديد مبنى على فلسفة إنسانية تلبى تطور الحضارة البشرية إلى بضعة قرارات إدارية وإجراءات شكلية لا تأخذ من الحضارة سوى مظاهرها وأدواتها التكنولوجية.
فى بداية طرحه للمبادرة تحدث الرئيس عن ضرورة تغيير مفاهيم وعقائد فاسدة تشكلت فى الأساس من مجموعة أفكار وتصورات بشرية اكتسبت قداسة من فرط الدفاع عنها ورفض نقدها واستبدالها بالجديد المناسب لكل زمن، فظنها الناس جزءًا من العقيدة أو العقيدة ذاتها، وفى إحدى المناسبات قال الرئيس «ليس من المعقول أو المقبول أن يتصور مليار ونصف المليار مسلم حول العالم أنهم الأفضل والأخير وأن الباقين أشرار».
تلك مبادرة الرئيس، لكنها تحولت على يد وزير الأوقاف دكتور محمد مختار جمعة إلى مجرد قرار لبدء تنفيذ استراتيجية تجديد الخطاب الدينى بداية من الأسبوع المقبل فى مختلف المحافظات ببضعة ندوات ودروس دينية تتناول قضية النظافة والبيئة وعلاقة الإسلام بالعلم وضرورة تطعيم الأطفال فى إطار خطة وزارة الصحة.
وبذات المنطق الشكلى تفاعلت دار الإفتاء مع المبادرة الرئاسية ووضعت استراتيجية لتجديد الخطاب الدينى عمادها تجديد الأطر الخارجية للخطاب وأدواته وتنقية ما لحق به من شوائب واقتحام عوالم جديدة كما جاء على لسان مفتى الديار المصرية فضيلة الدكتور شوقى علام فى حوار صحفى نشر مؤخرًا تباهى فيه بتربع دار الإفتاء على عرش مواقع التواصل الاجتماعى من حيث عدد المتابعين والمهتمين.
صحيح أن دار الإفتاء قامت بجهد محمود فى الرد على فتاوى الجماعات الإرهابية الشاذة عبر مرصدها، لكن الدكتور شوقى علام كباقى شيوخ الأزهر لا يعتقد فى ضرورة نقض الطالح فى التراث الإسلامى، ويرى أن من واجبنا الحفاظ على التراث وأن نأخذ الصالح منه.
هذه النظرة للموروث لا تسمح برؤية نقدية تفند الفاسد فيه حتى يمكن استبعاده من الخطاب الدينى من ثم سيظل هذا الفاسد مصدرًا إما للإرهاب والتخلف لمن سيتمسكون بالاعتقاد فى صحته، وإما سببًا للإلحاد بالدين كله لأنه سيستمر ممثلًا لجوهر الدين من وجهة نظرهم.
إذا كانت المؤسسة الدينية تسعى حقًا لتجديد الخطاب الدينى فعليها أن تفتح باب الاجتهاد فى نقد ونقض التراث، وفى استحداث فقه جديد، فليس الشافعى وابن حنبل ومالك وأبو حنيفة إلا بشر مثلنا وعليها مراجعة الفتوى التى تجيز دفع الرشوة للموظف المتعنت للحصول على حق، وأن تفصح عن حقيقة رأيها فى شعار الإسلام هو الحل لتوضح الفارق بين فهمها وفهم جماعة الإخوان الإرهابية له، وأن تكون واضحة فى مسألة فصل الدين عن الدولة، ففى تلك الأمور متشابهات كثيرة تلبس الحق بالباطل وتضع عقل المسلم فى مأزق حقيقي.