الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

قراءة.. مدحت صفوت والعلاقة الشبحية بين الغزالي وابن رشد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعلم القاصي والداني، المعركة الفكرية القديمة بين أبي حامد الغزالي وابن رشد، فالأول قدم للمعركة بكتابه "تهافت الفلاسفة" فرد الثاني بـ"تهافت التهافت"، وحينما سمع البعض بكتاب الباحث المصري مدحت صفوت اعتقد أنه سوف يتناول تلك المعركة بالتحليل أو النقد في إطار سياق الغزالي وابن رشد.. بينما جاء الكتاب أو "الدراسة" التي قدم لها الباحث، مغايرة للكثير من التوقعات، وربما اقترب مدحت صفوت في دراسته تلك من مقولات ابن سبعين عن الرجلين، حيث قال عن ابن رشد: "إنه مفتون بأرسطو ويكاد أن يقلده، وأكثر تواليفه من كلام أرسطو، إما يلخصها وإما يمشي معها في نفسه".
أما عن الغزالي فقال فيه: "ليس بأحسن حظ من ابن سينا وابن رشد، فهو لسان دون بيان، وصوت دون كلام، مرة صوفي ومرة فيلسوف، وثالثة أشعري، ورابعة فقيه، وخامسة محير، وادراكه أضعف من خيط العنكبوت، ومع كل ذلك ينبغي أن يعذر ويشكر لكونه من علماء الإسلام على اعتقاد الجمهور".
أثرنا أن نقدم بهذه المقدمة للتأكيد على أن نقد المفكرين والرموز ليس جديدا على ساحة الفكر العربي ولكنه اليوم أكثر حساسية من الماضي، لأسباب كثيرة أهمها تقديس البعض لتلك الرموز.
ومن هذا المنطلق يحاول مدحت صفوت - في هذه الدراسة القصيرة التي نتمنى أن تستكمل فيما بعد -تفكيك هذا التراث الرشدي ونزع القداسة عنه بإعمال منهج دريدا كما يقول الكاتب نفسه منطلقا من فكرة الشبحية التي قدمها دريدا في كتابه "أشباح ماركس"، لم يحاول مدحت صفوت الوقوف فقط عند نقد ابن رشد بينما اتخذ ابن رشد بداية لمشروع ربما يستكمله لاحقا وهو نقد مشروع التنوير العربي، حيث يؤكد في كتابه أن هناك "بعض التنويريين والعقلانيين، الذين لم يبرحوا القرن السادس الهجري، وتنتمي أطرهم الفكرية إلى عصر مر عليه تسعة قرون على الأقل، من بينهم التنويرين الرشديين في عصرنا الحديث، الذين تعاملوا مع التراث الرشدي خارج أطر التاريخ، وهو منطق الأصوليين الذين يتعاملون مع التراث الديني بوصفه بلا طبيعة تاريخية، متجاوزا الأطر الزمانية، وبات النص الرشدي في عيون المحدثين كنص أرسطو من وجهة نظر ابن رشد نفسه "منتهى ما وقفت عليه العقول الإنسانية"، ومن هنا يقترب مدحت صفوت من رمزين مهمين من رموز الفكر العربي ليس في مصر وحدها بل في البلدان العربية "عاطف العراقي، ومراد وهبة" محاولا تفكيك اطروحاتهما حول ابن رشد والرشدية، وحسب الكاتب "ورغم تكرار العراقي لمفهوم النقد، وتشديده على ضرورته بوصفه من أخص خصائص الفلسفة والتفلسف، فإنه لا يطيق بنقد ابن رشد من أي باحث.
ويصف ناقدي الرشدية بـ"أشباه الباحثين" ومدعي التنوير، وناشري الكذب، وهي حالة كما يصفها صفوت "دوجمائية تتلبس كثيرين من التنويريين كما تصيب السلفيين والنصوصيين، معتبرين أن حل مشكلاتنا في الوقت الراهن لا بد وأن يستمد من الماضي!"، ويقوم مدحت صفوت بتوجيه سهامه النقدية لرمز آخر من رموز الفكر العربي "مراد وهبة" صاحب ثنائية ابن تيمية/ ابن رشد، حيث يؤكد أن تلك الثنائية كانت مجرد مخرجا للهروب من مواجهة الأزهر والرؤية الأشعرية، فالاعتماد على الثنائية السائدة الغزالي/ ابن رشد يعني وضع نسق الغزالي برمته موضع الخصم بالنسبة لوهبة، ويجر بالتبعية خصومة المؤسسة التي اعتمدت منذ قرون الأشعرية عقيدة لها، ومثل الغزالي "حجة الاسلام" لديها ومنقذ الأمة من ضلالها. ويستطرد صفوت "تبدو أغلب حوارات وأحاديث وهبة عن العلمانية والتعددية.. تصدر بالأساس من مصدر أصولي علماني، اذ لا تقتصر الاصولية على الدينيين فحسب، فالأصولية موقف الذين يرفضون تكييف عقيدة أو أيديولوجية مع الظروف الجديدة.. وهي نسق يستند على الجمود والتصلب ومعارضة التطور، والتشدد في الانتساب للتراث ومنتج السلف. سواء كان السلف متمثلا في ابن تيمية أو ابن رشد".
فيقوم مدحت صفوت في هذه الدراسة برصد كيفية مطاردة شبح الغزالي لابن رشد، وكيف سكن المؤلفات الرُشدية، ليس فقط في "تهافت التهافت" وإنّما في "فصل المقال" و"مناهج الأدلة" أيضًا. ويصفه صفوت بـ"شبح يحرك مؤشر الرشدية ويضع مسار نقاشاتها، وربما المنطلقات وأحيانًا النتائج، ليبدو المختلف عليه هو عملية المعالجة، وطرائق التعاطي مع المعطيات، ليموت ابن رُشد بعد أن تقلصت مساحات نفوذه، ويبقى الغزالي واقعًا وشبحًا".
ويؤكد صفوت، أن كل ما حاول تقديمه هو فهم ابن رشد، فالحاجة الرئيسة الآن هي الإحاطة برؤيته وفلسفته أولًا في إطار زمنه وسياقه التاريخي بالقرن السادس الهجري، ثم نقد الرُشديةِ، أو حتى نقضهما وتقويضهما على النحو الذي يسمح بتجاوزهما وتخطيهما، وتقديم رؤية راهنة تكون ابنةً للسياق الحضاري والثقافي الذي نعيش فيه.