الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

باحث مصريات: صان الحجر أهم مدينة أثرية في الدلتا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال باحث المصريات الدكتور محمد رأفت عباس، مدير إدارة البحث العلمى بمنطقة آثار الإسكندرية: إن منطقة تانيس "صان الحجر" بالشرقية، تعد واحدة من أهم المدن الأثرية المصرية على الإطلاق فى الدلتا، ووصفها نخبة كبيرة من الأثريين وعلماء المصريات العالميين بأنها ”أقصر الشمال“ لأنها كانت تلعب نفس الدور الدينى الذى لعبته طيبة العظيمة فى الجنوب. 
وأضاف عباس، اليوم، بمناسبة مشروع التطوير الذى تنفذه حاليا وزارة الآثار بالمنطقة، إن تانيس- صان الحجر، تعد واحدة من أكثر المدن المصرية التاريخية شهرة على الإطلاق نظرًا لورود ذكرها فى العديد من المصادر التاريخية المختلفة وفى الكتاب المقدس، مشيرًا إلى أنه أطلق عليها فى اللغة المصرية القديمة ”جعنت“، أما اسم (تانيس) الذى عرفت به عالميًّا فهو المسمى اليونانى لها. 
وأوضح أن الملك رمسيس الثاني وآثاره الخالدة، يشكلان جزءًا عظيمًا من الهوية الحضارية والتاريخية لتانيس- صان الحجر خصوصًا، ولشرق الدلتا عمومًا. 
وقال: "إن موقع تانيس لفت أنظار علماء الحملة الفرنسية واستشعروا قيمته الأثرية والتاريخية، فتحولت بعدها تانيس إلى هدف ثمين من قِبل تجار الآثار الأوروبيين الذين ركزوا جهودهم فى اكتشاف كنوزها خلال القرن التاسع عشر، فتمكّن الفرنسى ”جان جاك ريفو “من نقل تمثالين من نوع أبو الهول من الحجم الكبير من الجرانيت الوردى إلى متحف اللوفر بباريس، وخرجت من أرضها العديد من التماثيل الرائعة التى نقلت إلى متاحف أوروبا الكبرى كبرلين وسان بطرسبرج". 
وأضاف: "إن العالِمَين الفرنسيين هنرى سالت وبرناردينو دروفتى، تمكنا من العثور على 11 تمثالًا رائعًا فى أرض تانيس، فقاما بإرسال بعضها إلى باريس، والبعض الآخر إلى برلين".
وأوضح أن الأثرى الفرنسى الشهير ”أوجست مارييت“ هو أول من قام بأعمال الحفائر الأثرية المنظمة فى موقع تانيس (صان الحجر) خلال الفترة بين عامى 1860 و1864م، وقام باكتشاف لوحة الأربعمئة عام الشهيرة من عهد الملك ”رمسيس الثانى“ والتى تحدثت عن أصول ملوك الأسرة التاسعة عشرة المنتمين إلى شرق الدلتا، إلى جانب العديد من التماثيل الملكية الأخرى والتى يؤرخ الكثير منها لعصر الدولة الوسطى. 
وأشار إلى أن مارييت أخطأ حين اعتقد أن تانيس هى عاصمة الهكسوس القديمة المعروفة باسم ”أواريس“، والتى ثبت لاحقًا أنها تقع فى موقع تل الضبعة المجاور كذلك فى شرق الدلتا، كما اعتقد أنها ربما تكون عاصمة الملك ”رمسيس الثانى“ الشهيرة فى شرق الدلتا والتى عرفت باسم ”بر رعمسيس“، والتى ثبت لاحقًا من واقع الأدلة الأثرية أنها تقع فى بلدة قنتير المجاورة بشرق الدلتا.
وبيّن أن عالم الآثار الإنجليزي ” فلندرز بترى“، قام بأعمال الحفائر داخل الموقع خلال الفترة من عام 1883 إلى 1886م، ورسم خريطة تفصيلية للمعبد الكبير الكائن بالموقع، كما قام بنسخ نقوش الموقع وبالعديد من المجسات المختلفة، وتمكّن من اكتشاف برديات من العصر الرومانى تتواجد حاليا فى المتحف البريطانى. 
وأشار إلى أنه خلال 30 عامًا ما بين 1921 و1951م تولّى عالم الآثار الفرنسى ”بيير مونتيه“ أعمال الحفائر الأثرية فى موقع تانيس (صان الحجر)، ومن أبرز الإنجازات الأثرية والعلمية التى قدمها إثباته أن تانيس ليست هى” أواريس“ عاصمة الهكسوس أو ”بر رعمسيس“ عاصمة الملك ”رمسيس الثانى“، كما اكتشف مونتيه المقابر الملكية لملوك الأسرتين 21 و22 فى عام 1939م، وهو الاكتشاف الذى لم يحظ بالتقدير العالمى المناسب له بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية فى تلك الأثناء. 
وعن المقابر الملكية فى تانيس أوضح أن هناك عددًا من المقابر بالمنطقة، 4 منها تخص الملوك ”بسوسنيس الأول“ (1039– 991 ق.م )، و”آمون إم أوبت“ (993– 984 ق.م )، و”أوسركون الثانى“ (874– 850 ق.م)، و”شاشنق الثالث“ (825– 733 ق.م)، مشيرًا إلى أن المنحوتات الرائعة التى عثر عليها فى جبانة تانيس تعد من أهم المصادر لدى العلماء عن الأثاث الملكى الجنائزى خلال عصر الانتقال الثالث، وهى من أهم كنوز المتحف المصرى بالقاهرة فى الوقت الحالى.
وقال: إن تانيس تحتوي على عدد من المعابد يقدره بعض العلماء بأنه يبلغ سبعة معابد، مشيرًا إلى أن المعبود ”آمون“ كان هو المعبود الأكبر للمدينة ومعه بقية أعضاء ثالوثه زوجه ”موت“ وابنه ”خونسو“، وهم نفس أعضاء ثالوث مدينة طيبة العظيمة، ومن ثم فقد أطلق المؤرخون على مدينة تانيس مسمى ”طيبة الشمالية“؛ لأنها كانت تلعب نفس الدور الدينى الذى لعبته طيبة العظيمة فى الجنوب. 
وأوضح باحث المصريات الدكتور محمد رأفت عباس، أن موقع تانيس يضم كذلك كمًّا كبيرًا من الكتل الحجرية المنقوشة والأعمدة والمسلات التى تعود إلى عهود مختلفة من تاريخ مصر القديمة، والتى حملت بعضها نقوشا للكثير من الملوك مثل ”خوفو“ و”خفرع“ و”تتى“ و”ببى الأول“ و”ببى الثانى“ و”سنوسرت الأول“، مشيرًا إلى أن النقوش وآثار الملك الشهير ”رمسيس الثانى“ لها النصيب الأعظم بين آثار تانيس المتناثرة. 
وقال إن علماء المصريات والأثريين يعتقدون أن آثار الملك ”رمسيس الثانى“ بالموقع نُقلت من عاصمته ”بر رعمسيس“ الواقعة فى قنتير القريبة من تانيس فى شرق الدلتا، ورغم هذا ليست هناك أي أدلة على أن الموقع يؤرخ بفترة أقدم من عهد ”بسوسينس الأول“ من الأسرة الحادية والعشرين.
وأشار إلى وجود مجموعة من المعابد الصغرى التى كرّست للمعبودات ”موت“ و”خونسو“ والمعبودة الآسيوية ”عشتار“، بجوار الجانب الجنوبى الغربى من المعبد الكبير، الأمر الذى جعل تانيس صورة أخرى من معبد الكرنك العظيم فى طيبة بالجنوب.
وأوضح أن المنطقة تزخر أيضًا بمجموعة كبيرة من المسلات لعلها الأكثر عددًا فى أى منطقة أثرية بمصر، لكنها للأسف راقدة نتيجة سقوطها فى فترات مختلفة من تاريخ مصر، ربما بسبب هبوط فى التربة أو لحدوث هزات أرضية، كسرت بعض هذه المسلات إلى أكثر من جزء، وقد نقل بعضها إلى أماكن أخرى بمصر، كما خرجت بعض المسلات إلى أوروبا لتزيين ميادين بعض الدول، كانت كل المسلات من حجر الجرانيت الوردى وتخص معظمها الملك ”رمسيس الثاني“.
وقال: إن تانيس أصبحت عاصمة لمصر خلال عهد الأسرة الحادية والعشرين وهى الحقبة التى تعد أهم عصور المدينة على الإطلاق، كما يعتقد البعض أنها ظلت العاصمة السياسية كذلك خلال عهد الأسرة الثانية والعشرين.
ولفت إلى أنه خلال العصر المتأخر تعرضت تانيس للغزو من قبل أحد أعظم ملوك الأسرة الخامسة والعشرين الكوشية ”بى“، واتخذ خليفته ”طهرقا“ من المدينة مقرًّا له لوقت قصير، ومن ثم فقد وجدت بعض المناظر المؤرخة بعهد هذه الأسرة فى جدران البحيرة المقدسة بالمعبد الكبير بعد أن أعيد استخدامها. 
وأضاف: "إن شأن المدينة بدأ يخبو رويدا خلال عهود الأسرات الكوشية والصاوية حتى جاء عهد الملك ”بسماتيك الأول“ من الأسرة الـ 26 الصاوية والذى قام ببناء جوسق فى تانيس، وخلال عهد الأسرة الثلاثين قام الملك ”نكتنبو الأول“ بإضافة بعض المنشآت إلى المدينة، كان أبرزها فى معبد ”خونسو“ الواقع فى الجانب الشمالى من معبد آمون الكبير، كما تم البدء فى بناء معبد حورس خلال عهد الأسرة الثلاثين بجوار البوابة الشرقية من المعبد الكبير، واستمرت الإضافات المعمارية فيه حتى العصر البطلمى.