الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"انتفاضة البصرة" توحد السنة والشيعة ضد إيران وميليشياتها.. طهران تتاجر بالدين وتستغل معاناة فقراء الشيعة لتحقيق مصالحها السياسية.. وتخطط لعرقلة تصدير النفط من العراق لمساومة أمريكا

انتفاضة البصرة
انتفاضة البصرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أجهضت انتفاضة مدينة البصرة فى جنوب العراق، كثيرًا من المؤامرات التى تحاك ضد هذا البلد، وقلبت الطاولة على مخططات إيران، التى اتخذت من الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، ذريعة للتغلغل هناك، والانطلاق بعد ذلك نحو توسيع نفوذها الإقليمي، بمحاولة إقامة ممر برى ينطلق من طهران، ويمتد عبر بغداد ودمشق وبيروت، وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط، إلا أن الرياح جاءت بما لا يشتهى «نظام الملالي»، وسرعان ما تلقى الصفعات، الواحدة تلو الأخرى، ابتداء من قرار واشنطن فى مايو الماضى الانسحاب من الاتفاق النووي، وانتهاء بالاحتجاجات الشعبية ضد سياساته فى بلاد الرافدين.


ففى ذروة اعتقاد إيران أنها نجحت فى مخططها بإشعال جنوب العراق ذى الأغلبية الشيعية، لمساومة أمريكا، بعد خروجها من الاتفاق النووي، جاءت انتفاضة أهالى البصرة ضد سياساتها، لتربك كل حساباتها، خاصة أنها طالما راهنت على الورقة المذهبية، للتغلغل فى العراق ودول عربية أخرى.

وكشف حرق القنصلية الإيرانية فى البصرة، وقبلها حرق مقرات أحزاب عراقية موالية لطهران فى المدينة، أن السحر انقلب على الساحر، وأن العراقيين على إدراك تام بكل أبعاد مؤامرة نظام الملالي، التى تقوم على استغلال الشيعة خارج حدودها لتحقيق مخططاتها الإقليمية، ومساومة الغرب، من جهة، ومحاولة تشكيل حكومات موالية لها، من جهة أخرى.

ففى أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية، التى جرت فى العراق فى ١٢ مايو الماضي، تعمدت النخب السياسية العراقية الموالية لإيران عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة، لإتاحة المجال أمام نظام الملالى الحاكم فى طهران لاحتواء صدمة فوز التيار الصدرى المناوئ لهم، وإعادة رسم خريطة التحالفات فى العراق، بما يضمن فوز حلفائها بتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، التى ستسمى الحكومة المقبلة فى بلاد الرافدين.


ورغم أن طهران نجحت فى السابق فى تمكين نورى المالكي، أكبر حلفائها فى العراق، من تشكيل الحكومة، إلا أن انتفاضة البصرة، أفشلت مبكرا مخططها الجديد، إذ زادت من أسهم التيار الصدرى الفائز فى انتخابات ١٢ مايو، والذى تنسجم شعاراته مع مطالب المتظاهرين، وطالما قاد زعيمه مقتدى الصدر تظاهرات ضد سوء الخدمات والفساد المستشرى فى البلاد، وانتقد أيضًا التدخل الإيرانى فى شئون العراق.

ولم يقف الأمر عند ما سبق، إذ كشفت الهتافات، التى رددها المتظاهرون هناك، أن مؤامرة نظام الملالى حول إشعال جنوب العراق لاستخدامه كورقة مساومة مع أمريكا، لن ترى النور، لأن الرهان على أن «الشيعة» هناك يدينون بالولاء والطاعة العمياء للمرجعية الشيعية الأم فى إيران، اتضح زيفه، وظهر بوضوح أن طهران لن تستطيع مجددًا التلاعب بورقة الشيعة والسنة، وأن الأمور تتطور باتجاه تكاتف العراقيين والحفاظ على عروبتهم، بعد تأكدهم من أن السبب الحقيقى فى مشاكلهم، هو فساد النخبة السياسية والتدخلات الإقليمية والدولية، وليس اختلاف مذاهبهم

وكان آلاف المتظاهرين حاصروا فى ٧ سبتمبر مقر القنصلية الإيرانية فى البصرة، قبل أن يقتحموه ويحرقوه، وأظهرت لقطات فيديو من داخل المقر، ألسنة اللهب وهى تحرق مبان داخل القنصلية على وقع هتافات «إيران بره بره.. البصرة تبقى حرة».

وفى لقطات أخرى، ألقى المتظاهرون بالعلم الإيرانى فى قلب النيران المشتعلة، ورفعوا العلم العراقى داخل القنصلية، فى خطوة عكست بوضوح الغضب من تدخل إيران فى شئونهم، بالإضافة إلى الانتقام منها، لمسارعتها لقطع إمدادات الكهرباء عن المحافظة، فور قيام واشنطن بإلغاء الاتفاق النووى معها، ما فاقم من أزمة تردى الخدمات والأوضاع المعيشية هناك.

وقبل حرق القنصلية، وتحديدا فى ٦ سبتمبر، قام متظاهرون غاضبون فى البصرة أيضًا بإحراق مقرات أحزاب وميليشيات موالية لإيران، وكشفت صحيفة «السومرية نيوز» العراقية، أنه تم حرق مقرات أحزاب «حركة إرادة» و«عصائب أهل الحق» و«حركة النجباء» و«أنصار الله الأوفياء»، و«الدعوة» و«الفضيلة» ومكتب منظمة بدر، ومقر كتائب حزب الله، ومقر سرايا الخرساني، إضافة إلى مكتب النائب «فالح الخزعلي».


وتشهد البصرة منذ ٧ يوليو الماضى مظاهرات شبه يومية، بسبب تردى الخدمات الأساسية، من بينها الانقطاع المتكرر للكهرباء خلال أشهر الصيف، ونقص مياه الشرب، وعدم توافر فرص عمل للشباب، لتتصاعد وتيرتها، بعد مقتل أحد المتظاهرين فى الثامن من الشهر ذاته، وفى ١٢ يوليو الماضى، اقتحم متظاهرون مقرات شركات نفطية فى حقل القرنة بالبصرة، وقاموا بسلب ونهب بعض أجهزة التبريد الخاصة بالحقل، مطالبين بفرص عمل وتوفير الخدمات.
وفى ١٤ يوليو الماضى، امتدت الاحتجاجات الغاضبة على انعدام الخدمات من البصرة إلى محافظات أخرى فى جنوب العراق ذى الغالبية الشيعية، بينها واسط وميسان والنجف وبابل، وبعد أن رافقت الاحتجاجات أعمال عنف، فرضت السلطات العراقية حظر التجوال هناك أكثر من مرة، فيما أصدر رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى فى ١٤ يوليو الماضى، عدة قرارات لاحتواء غضب المتظاهرين، من بينها تخصيص «٣.٥ «تريليون دينار فورا للبصرة، لتحلية المياه وفك الاختناقات بشبكات الكهرباء وتوفير الخدمات الصحية اللازمة، إلا أنه لم يتم فيما يبدو تنفيذ القرارات السابقة فى ظل انشغال السياسيين بأزمة تشكيل الحكومة الجديدة، ولذا ارتفعت حدة الاحتجاجات فى البصرة منذ ٣ سبتمبر الجاري، إذ رافقتها أعمال عنف واسعة وعمليات حرق مقار حكومية وحزبية، سقط أثناءها ١٥ قتيلا على الأقل فى صفوف المتظاهرين، بالإضافة إلى عشرات المصابين فى صفوف المحتجين وقوات الأمن.
ورغم أن احتجاجات البصرة لم تكن مستغربة بعد فشل الحكومات العراقية المتعاقبة فى معالجة أزمات البلاد، إلا أن توقيت تفجرها فى يوليو الماضي، لم يكن فيما يبدو محض صدفة، لأنها جاءت بعدما انسحبت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من الاتفاق النووى المبرم بين إيران والدول الست الكبرى عام ٢٠١٥، وما أعقب ذلك من محاولات الأخيرة مساومة واشنطن، ودفعها للتراجع عن عقوباتها القاسية ضد قطاع النفط الإيراني.
ووجدت طهران فيما يبدو ضالتها فى البصرة، بالنظر إلى أن هذه المحافظة هى خزان النفط العراقي، وفى حال توقف شركات النفط الأجنبية عن العمل فيها، فإن أسعار النفط سترتفع، ما يزيد الأعباء على الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى أن عدم تصدير النفط العراقي، ينسجم مع تهديد الرئيس الإيرانى حسن روحانى صراحة، بعرقلة صادرات النفط فى المنطقة، حال منع مبيعات النفط الإيرانية.

وقال المحلل السياسى العراقى هيثم الهيتي، لموقع «رووداو» الكردي، فى ١٤ يوليو الماضي، «إن ما حصل فى البصرة جاء نتيجة توقف إمدادات الكهرباء، التى تستوردها المحافظة من إيران». وتابع «إيران تريد أن تشعل حريقا فى جنوب العراق لعرقلة تصدير النفط العراقى ودفع شركات النفط الغربية والروسية للضغط على واشنطن لفك الحصار عليها». 
واستطرد «الإيرانيون لديهم نفوذ على الأرض، ولا يهتمون كثيرا بعلاقتهم مع العبادي، لأن لديهم نفوذا على الأرض، بل إن العبادى هو من يحتاجهم أحيانا».
وأضاف «إيران تتألم بسبب الحصار الاقتصادى الأمريكى ضدها، وتهديدات واشنطن لدول العالم بعدم استيراد النفط الإيراني، دفعها لاتخاذ قرار بأن تشعل جنوب العراق بإيقاف تصدير الكهرباء، هى أوقفت الخدمات، بهدف تفجير الأوضاع هناك، ومحاولة إيقاف تصدير النفط العراقى عن جميع الدول، كوسيلة ضغط على أمريكا والغرب».
واختتم الهيتي، قائلا: «إن شركات النفط العالمية هى التى تحرك السياسة العالمية ولديها لوبيات فى واشنطن ولندن وباريس، وهى التى تضغط على أوروبا وأمريكا، والتى تستطيع أن تدفع بفك الحصار عن إيران، والمتضرر مما يحدث فى جنوب العراق، شركات النفط الأمريكية والروسية والأوروبية، وبالتالى هذه الشركات عندما ترى أنها ستخسر ٧١٪ من الإنتاج أى تخسر جنوب العراق وهذا المخزون النفطى الرخيص والأرباح المليارية فى العالم، فإنها ستتحرك للضغط على حكومات بلادها».
وبصفة عامة، فإن مخطط إيران عرقلة تصدير النفط من العراق، ردا على محاولات أمريكا منعها من تصدير نفطها، أكد مجددا للقاصى والدانى أن هذه الدولة تتاجر بالدين وتستغل معاناة فقراء الشيعة، سواء داخل حدودها، أو خارجها، لتحقيق مصالحها السياسية، وتوسيع نفوذها الإقليمي، ولعل رد فعل المرجعية الشيعية فى العراق، يكشف أنها على علم فيما يبدو بنوايا إيران، ولذا سارعت لتأييد مطالب المتظاهرين، وأيدت ضمنيا وجهة نظرهم حول فساد النخبة السياسية وتواطؤ بعض رموزها مع مخططات نظام الملالي، الهادفة لنشر عدم الاستقرار فى بلاد الرافدين، وعرقلة انطلاقها نحو التقدم.
ففى ١٣ يوليو الماضى، أعلن ممثل المرجع الشيعى العراقى الأعلى على السيستانى فى كربلاء عبدالمهدى الكربلائي، التضامن مع التظاهرات، قائلا: «لا يسعنا إلا التضامن مع المواطنين فى مطالبهم الحقة، مستشعرين معاناتهم الكبيرة، ومقدرين أوضاعهم المعيشية الصعبة وما حصل من تقصير واضح من المسئولين سابقا ولاحقا فى تحسين الأوضاع وتقديم الخدمات لهم، رغم وفرة الإمكانات المالية، إذ لو أحسنوا توظيفها واستعانوا بأهل الخبرة والاختصاص فى ذلك، وأداروا مؤسسات الدولة بصورة مهنية بعيدا عن المحاصصات والمحسوبيات، ووقفوا بوجه الفساد من أى جهة أو حزب أو كتلة، لما كانت الأوضاع مأساوية كما نشهدها اليوم».