السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المؤرخ مجدي جرجس في حواره لـ"البوابة نيوز": ضحايا داعش من الأقباط أبطال رواية ألمانية جديدة.. هناك فترات في تاريخ الأرثوذكس سمحوا فيها بالطلاق

المؤرخ مجدي جرجس
المؤرخ مجدي جرجس خلال حواره لـ "البوابة نيوز"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كشف المؤرخ مجدى جرجس، المستشار العلمى للمعهد الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة، عن صدور رواية باللغة الألمانية كتبها الروائى مارتن موزا باخ، حول الأقباط الـ21 الذين قتلهم تنظيم داعش الإرهابى فى ليبيا، وتناول فى حواره مشاكل كتابة تاريخ الأقباط وتاريخ الكنيسة، مشيرا إلى أن كل المصادر الخاصة بتاريخ الأقباط قادمة من مصادر كنسية فقط ومن تنشأ الأزمة... وإلى نص الحوار:


حوار - روبير الفارس
■ كيف يتعامل الأقباط مع التاريخ؟
- بصفة عامة يتعامل أغلبية الأقباط مع التاريخ للوعظ، وهذا جزء من السياق المصرى بصفة عامة، فالتاريخ للموعظة والعبرة والشخصيات المهمة. لكن منذ ستينيات القرن الماضي، والعالم كله اكتشف أن التاريخ لايصلح أن يكون تاريخ الأشخاص أو النخبة الحاكمة، والنموذج الكبير الدال على ذلك هو مدرسة الحواليات، حيث نتعلم من التاريخ الاجتماعى بغض النظر عن نظام الحكم السياسي. 
■ وكيف ترى تاريخ البطاركة؟
- لا بد أن ندرك الفرق بين تاريخ البطاركة وتاريخ الأقباط، فالبطاركة يمثلون المؤسسة الرسمية، وكتابة تاريخ البطاركة فقط جعل هناك استبعادا لأى قطاعات أخرى، وكأن كل التفاصيل الأخرى حواش على المتن الرئيسي، وليس هذا معناه أن نهمل تاريخ البطاركة، ولكنه ليس العنصر الوحيد فى الصورة.
■ نجد الآن تساؤلات حول الحقبة القبطية الغائبة والتى تبلغ نحو ٦٠٠ سنة من تاريخ مصر.. لماذا؟
- هذه الحقبة تحظى بكتابات مهمة جدا، ولكن بلغات غير العربية، ومشكلة الأسئلة التى تطرح حولها أننا نقوم بإسقاط ثقافتنا الحالية على أحداث بقرون لم تكن فيها هذه الثقافات، فلا يصلح أن أتحدث عن حقوق الإنسان فى القرن الثانى أو السابع أو من ألف عام، لأن هناك أمرا مهما جدا هو «السياقات»، فمثلا العبودية كانت مقررة فى كل العالم بمختلف معتقداته حتى القرن التاسع عشر، فلا يصلح أن أتحدث عنها فى القرن الثانى بمنطق شخص فى القرن العشرين، فلا بد من إدراك السياق، فإذا كان عندى نص فى القرن السابع لا بد أن أفهم سياق إنتاجه، مثلا أرى أن الأقباط كان من الضرورى أن يتركوا اللغة القبطية ويتحدثوا باللغة العربية، وذلك أمر لم يفرض عليهم بالقوة، ولكن حدث تغيير ثقافى أدى أن تغير الكنيسة اللغة، لأن المجتمع حولها كان ينمو ويتطور باللغة العربية، وهى فى عزلة عنه، هذا الأمر يكشف عن أن التحولات التاريخية لها شقان، تحول ثقافى وتحول فى السلطة، لذلك تجد أن الأنبا ساويرس ابن المقفع، أسقف الأشمونين، وأول من كتب باللغة العربية، يشرح ذلك التحول الثقافى، ويقول إن الناس أصبحت لا تفهم اللغة القبطية.

■ تشترك مع عدد من المتخصصين فى إعادة كتابة تاريخ البطاركة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.. فمن هم وما أهمية ذلك؟
- هم مجموعة من أساتذة التاريخ المتميزين، منهم ستيفين ويفيز بجامعة "يل" الأمريكية، ومارك ساسون الأستاذ بالجامعة اللوثرية، ونيللى فان دورنر هارر، أستاذة بجامعة ويك فورست بأمريكا، وقدموا حتى الآن عدة كتب مهمة، بعضها ترجم والبعض الآخر لم يترجم، منها «القصص المؤسسة للكنيسة القبطية، والفرق بين التاريخ الرسمى وغير الرسمى» و«الكنيسة فى العصر الإسلامي»، والهدف هو كتابة تاريخ أكاديمى وليس تاريخا عاطفيا، فنحن فى القرن الواحد والعشرين ولا بد من إدراك الفرق بين التاريخ الوعظى والتاريخ الأكاديمي.
يمثل كتاب السنكسار -وهو كتاب سير تراثى - نموذجا للتاريخ الوعظى الذى طالب الكثيرون بتنقيحه أكثر من مرة.. فكيف تجده؟
فى القرن السادس عشر، عندما قامت ثورة الإصلاح البروتستانتية بدأ الكاثوليك يفكرون فى التاريخ والكتب التاريخية، وقاموا بمراجعة كاملة واستبعدوا الكثير من القصص والشخصيات، وأبقوا على سير قديسين وحذفوا أجزاء منها، وقاموا بدراسات أكاديمية جيدة فى هذا المضمار، شملت هذه الدراسات حتى أجساد ورفات القديسين تم ذلك بجرأة وبدون خجل وتم تطبيق المنهج العلمى للتاريخ الكنسي، لأنهم امتلكوا الاستنارة وهذه الاستنارة مطلوبة للإقدام على تنقيح السنكسار وغيره من الكتب، لأن عدم تنقيحها يؤدى لمخاطر فهناك قصص غير منطقية تسقط أمام أى باحث مبتدئ فى التاريخ، وهذا غير مرتبط بالقديسين أنفسهم، ولكنه مرتبط بطريقة تجميع ونسخ السير.
وأول من نشر السنكسار القديم هو هنرى باسيه، والقصة كلها تكمن فى طريقة النسخ والتداول وصعوبة تتبع النص الأصلي، وما يسمى اختلاط التقدير، أى الناسخ نقل ما رآه مهما من وجهة نظره أو تجاهل جزءا من المخطوط يراه غير مهم. 
وهنا أتذكر أن البابا شنودة الثالث فى أول عصره طالب بتشكيل لجنة لتعديل كتاب السنكسار، وشكلت اللجنة ورأسها البابا بنفسه، ولكنها لم تجتمع أبدا ولم تمارس عملها.
■ هناك محاولة قامت بها الكاتبة إيريس حبيب المصري.. كيف تراها؟
- إيريس المصرى تكتب هى أيضا تاريخا عاطفيا، فامتلاك المصادر لا يخلق مؤلفا، وإلا كان أمين الأرشيف فى أى مؤسسة هو أفضل مؤرخ، لأن تحت يده كل المصادر.
■ وماذا عن كتاب القس منسى يوحنا «تاريخ الكنيسة القبطية»؟
- هو تاريخ مؤسسة من شخص داخل المؤسسة، ولا يوجد لكتابه أى معايير علمية.
■ كيف ترى كتاب «تاريخ الأمة القبطية» ليعقوب نخلة روفيلة؟
- هو قراءة مدنية للتاريخ الكنسى والملخص الإجمالى له إذا أردت أن تعرف سبب مصائب الأقباط طوال تاريخهم، فتش عن رجال الدين، فالكتاب غير محايد، وكتب فى سياق صراع الأعيان مع الكنيسة. 
■ وكيف تقرأ تاريخ الكنيسة فى عصر البابا شنودة مثلا؟
- يمكن أن أقدم قراءة لهذه الفترة من خلال كتاب مهم جدا هو «القرارات المجمعية للكنيسة القبطية فى عصر البابا شنودة»، الذى أصدره المجمع المقدس للكنيسة. هذا الكتاب يقدم فترتين مختلفتين، الأولى من عام ١٩٧٠ إلى ١٩٨٠، والثانية من ١٩٨٥ إلى ٢٠١٢، ومن خلالها تدرك أن البابا شنودة أعاد تأسيس الطائفة والكنيسة والمجالس المختلفة لفرض السلطة المطلقة للبطريرك، وحتى لا تتكرر واقعة ١٩٨١، أى موافقة بعض رجال الكنيسة على إدارة الكنيسة والبطريرك ما زال حيا، فأعاد تشكيل المجمع بأساقفة صغار، وقرر رسامة أعضاء المجلس الملى شمامسة ليكون فى أدنى السلم الكنسي، وبعد صراع مع السلطة فى عصر السادات أصبح جزءا من السلطة وروج لخطابها فى عصر مبارك، وتبنى المجمع المقدس بيانات إعادة انتخاب مبارك وحصر مطالب الأقباط فى مطلبين بناء الكنائس والحصول على وظائف، وقد رمى الكنيسة فى حضن الدولة وعزل الأقباط عن المجتمع بدافع الحماية ولفرض السلطة الكاملة عليهم، وعلى مستوى التعليم، فإن كل كليات اللاهوت فى العالم تدرس تعاليم آباء الكنيسة المصرية، مثل أثناسيوس وكيرلس وعامود الدين وكليات مصر تدرس كتب البابا.

■ وما أكبر المشاكل فى كتابة تاريخ الأقباط؟
- كل المصادر الخاصة بتاريخ الأقباط قادمة من مصادر كنسية، وهذه مشكلة، لأن الأقباط خارج الكنيسة لا نعرف عنهم شيئا، كذلك الاعتياد على كتابة تاريخ الأقباط فى صيغ منفصلة عن التاريخ الأكبر، وهذه مشكلة أيضا، ولمواجهتها عقدنا مؤتمرا فى ألمانيا عام ٢٠٠٩ بعنوان «كيف تختار مداخل جديدة للتاريخ؟» مثل فهم التراتبية أى تدرج المجتمع الهرمي، وهل الأساس دينى أم اجتماعى أم مالي، مثلا شخصية إبراهيم الجوهرى وشقيقه جرجس الجوهري، هما فى الكنيسة قديسون، وفى المجتمع من الأعيان، والسؤال: أين أضعهما كفئة؟، وهناك محاولات منهجية حاليا لكتابة تاريخ الأقباط كجزء من التاريخ العام.
■ قدمت دراسة مهمة عن القضاء القبطى فى مصر.. فهل كانت الكنيسة تسمح بالطلاق تاريخيا؟
- هنا يكون السؤال، هل مشاكل الزواج قديمة أم حديثة؟، والسؤال الثاني: كيف تعاملت الكنيسة مع هذه المشاكل طوال العصور؟، والإجابة تعاملت بطرق مختلفة وسمحت بالطلاق، ولكن تحت مسميات مثل «الانسلاخ والانحلال»، والمشكلة الحالية هى فى التعامل مع كتاب ابن العسال المعروف بالمجمع الصفوي، فحتى النصف الأول للقرن العشرين، كانت الكنيسة تعطى انحلال الرابطة الزوجية لأسباب عادية أو خلافات مادية، وابن العسال قام فقط بترتيب قوانين وضعها ميخائيل الدمياطى فى القرن الحادى عشر، والبطريرك غبريال بن تريك، وهى قوانين تسمح بحل الرابطة الزوجية، ونظم ابن العسال هذه القوانين بطريقة تسمح بتطبيقها وتسهيل العمل بها.
ولكن فى النصف الثانى من القرن العشرين، اعتبرت الكنيسة أن ابن العسال، شخص علماني، أى ليس رجل دين ولم يخبرونا عن القوانين التى طبقت فى كنيسة تقليدية قبل القرن العشرين.
■ ماذا عن الرواية التى كتبها ألمانى عن الـ٢١ شهيدا قبطيا فى ليبيا؟
التقيت الروائى الألمانى مارتن موزا باخ، وهو من أهم روائيى ألمانيا حاليا، وجاء إلى مصر وأقام نحو عامين ليكتب رواية تاريخية عن الشهداء الـ٢١ الذى قتلتهم داعش، والتقى بأسرهم فى قرية العور بسمالوط، وتحدث معى عن تاريخ الأقباط، والرواية صدرت بالفعل بالألمانية، وحاليا تم ترجمتها للإنجليزية وسوف تصدر فى فبراير ٢٠١٩.