الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في ذكرى وفاته.. محمد أركون يروي تفاصيل معركته مع الغزالي

 الباحث والمفكر الجزائري
الباحث والمفكر الجزائري محمد أركون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعتبر الباحث والمفكر الجزائري محمد أركون حلْقة من أهم الحلقات في سلسلة التنويريين والحداثيين، الذين اتجهوا بدراساتهم نحو التراث لإزالة ما قد يَعلق به من ممارسات سيئة من قِبل المنتمين له.
أركون، والذي تحل ذكرى وفاته، اليوم الجمعة، كان قد ولد في 1 فبراير 1928، ببلدة تاوريرت ميمون بمنطقة القبائل الكبرى بالجزائر، وفيها قضى فترة الدراسة الابتدائية، بينما قضى المرحلة الثانوية في وهران. ثم تلتها دراسته الجامعية بكلية الفلسفة في الجزائر، ثم في السوربون بباريس، حيث حصل على دكتوراه في الفلسفة سنة 1968.
عمل من 1961- 1991 أستاذًا في جامعة السوربون، كما عمل أستاذًا زائرًا في جامعات عديدة حول العالم. وعمل منذ سنة 2000 مستشارًا علميًّا للدراسات الإسلامية في مكتبة الكونجرس بواشنطن العاصمة. 
اهتم مشروع أركون الفكري بنقد العقل العربي والإسلامي، وتصويب مساراته الفكرية، ونفي ما قد يَعلق به من انحرافات أو أساطير، واعتمد في مشروعه على المناهج العلمية الحديثة والمعاصرة الخاصة بعلوم الإنسان عمومًا، ودراسة الأديان والنصوص الدينية خصوصًا، ويشمل ذلك علوم التاريخ والأنثروبولوجيا، واللسانيات، وعلم اجتماع المعرفة، وعلم النفس الاجتماعي، وأركيولوجيا المعرفة، والتفكيكية اللغوية، والسيميائيات، والهرمنيوطيقا.. إلخ.
وتعرَّض لموجة شديدة من النقد والهجوم كان معظمها يرتكز على عدم وصول فكرته بدقة لمنتقديه، ومن بين هؤلاء كان الشيخ محمد الغزالي الذي هاجمه في مؤتمر وزارة الأوقاف بالجزائر عام 1986 تحت عنوان "الصحوة الإسلامية والمجتمع الإسلامي"، ولقد ذكر أركون تلك الحادثة في كتابه الشهير "قراءات في القرآن"، معتبرًا ذلك الهجوم امتدادًا لنموذج تراثي عقيم وهو محاولة قتل كل محاولة تجديدية وإرجاعها للعقل الجمعي التقليدي، ضاربًا المثل بابن عقيل الحنبلي الذي جالَس المعتزلة ثم أعلن توبته متبرئًا منهم لينجو بنفسه، وبأبي الحسن الأشعري الذي عاش على مذهب المعتزلة ما قارب الأربعين عامًا ثم توبته عن ذلك المذهب ورجوعه.
ويعتبر أركون ذلك "بارديجم" أو نموذجًا فكريًّا لدى الجماعة الإسلامية التقليدية التي تفترض التوبة في كل محاولة تجديدية، مستنكرًا هجوم الغزالي عليه الذي طالب أركون بالتوبة والرجوع عن اعتقاده.
فيقول أركون: "وقد تعرضت شخصيًّا لمحنة مشابهة أثناء انعقاد "ملتقى الفكر الإسلامي" في الجزائر عام 1986، فقد هاجمني الشيخ المصري محمد الغزالي، وأمرني بالتراجع وبالتوبة عن عبارة وردت في كتابي "الفكر العربي" تقول: "القرآن خطاب ذو بنية أسطورية"، للأسف، إن الدكتور عادل العوا، وهو مترجم الكتاب إلى العربية، ترجم العبارة على هذا النحو: "القرآن خطاب أسطوري البنية"، وهو فيلسوف يجهل الفرق بين كلمة أسطورة وبين كلمة قصص، وكان ينبغي أن يترجم العبارة على هذا النحو: "القرآن خطاب قصصي البنية".
وكردِّ على إنذار الغزالي الذي وجهه إليّ بكل عنف أمام جمهور الحاضرين المحتشدين في المؤتمر، لم أُقدم توبتي واعتذاري، إنما أعطيت حارس العقائدية الدوغمائية المتحجرة درسًا في علم اللسانيات، وكيفية الترجمة، والتفسير الديني، والأنثروبولوجيا، وقد احتفظ كثيرون من الجزائريين بذكرى تلك المواجهة الصعبة التي انتهت لمصلحة الضحية".
وقد توفي أركون في 14 سبتمبر 2010م عن عمر ناهز 82 عامًا بعد معاناة مع المرض في باريس، ودُفن في المغرب حسب وصيته.