الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

حوار كنسي فكري حول "الخلق الكتابي أم نشوء وارتقاء"

حوار فكري حول «الخلق
حوار فكري حول «الخلق الكتابي أم نشوء والارتقاء»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى الحوار الفكري حول «الخلق الكتابي أم نشوء وارتقاء»
القس رفعت فكري: نؤمن أن نصوص الكتاب المقدس معصومة من الخطأ.. لكن لا يوجد تفسير واحد 
القس إكرام لمعي: الدين أساسه الإيمان.. أما العلم فأساسه الشك
لقاء العلم بالدين فى حالات محددة.. لأن العلم يحرج الدين أو الدين يكفر العلم


نظمت لجنة الحوار التابعة لمجمع القاهرة الإنجيلي المشيخي حوارا فكريا حول «الخلق الكتابي أم نشوء والارتقاء» عرضت فيه الأفكار المعارضة والأفكار المتفقة مع العلم واحترامه والحفاظ على الإيمان المسيحي، دون الزج به للصراع مع العلم، في إطار حرص الكنيسة على التنوير والاستنارة من خلال لجان الحوار المجمعية ومجلس الحوارات والعلاقات المسكونية، لمواجهة الصراع اللاهوتي الداخلي بين أصحاب الفكر الأصولي وطالبي التنوير داخل الكنيسة.

قال القس رفعت فكري، رئيس سنودس النيل الإنجيلي: نؤمن أن نصوص الكتاب المقدس معصومة من الخطأ، ولكن لا يوجد تفسير واحد للكتاب المقدس متفق عليه بين المسيحيين في العالم، وإلا لما تعددت الطوائف المسيحية ولما تنوعت المذاهب المسيحية حتى داخل الطائفة الواحدة. 

وأكد أن التفسيرات المختلفة لنصوص الكتاب المقدس هي اجتهادات بشر قد تصيب وقد تخطئ، لذا فليس من حق أحد أن يزعم أن فهمه أو تفسيره للنص الكتابي، هو التفسير الوحيد الصحيح.

وأما بشأن مفهوم الوحي، فقال ليس هناك تعبيرات أدق مما قاله الكتاب المقدس نفسه عن طبيعة الوحي، ففي هذا الصدد قال الرسول بطرس في رسالته الثانية 1: 21 "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ".


عصر الرجعية
وبالعودة إلى عصور الرجعية الفكرية، نجد أن الإيمان المتعصب هو الذي ساد في العصور المظلمة، عصور التخلف واللاعقلانية ومشكلة المتعصب الرئيسية إنه يظن إنه بمفرده يمتلك الحقيقة المطلقة الكلية والوحيدة، ومن ثم فهو يمتلك اليقين الذهني والحسم الفكري القطعي، وبالتالي فأي خلاف فكري مرفوض، وهذا النمط من التفكير يقود أصحابه إلى الإسراع بتجهيل الخصوم أحيانًا، وتكفيرهم واتهامهم بالهرطقة أحيانًا أخرى، وهذا التفكير يستند أساسًا على إلغاء العقل والتفكير العقلاني، ومن هنا وجب على كل متعصب ورافض للآخر المغاير، أن يتخلى عن تعصبه الأعمى ويبني إيمانه على العقل وليس على النقل، فيقبل مبدأ التعددية ويقر بالتنوع الخلاق، ويحيا بموجب قيم التسامح الفكري التي تؤسس لقبول المغايرة، فالتعددية ثراء والتنوع غنى.
وأكد أنه لا يجب أن يكون الفكر الديني متحجرًا على أصل تأويلي بعينه، بل يجب على كل من يقوم بتفسير النصوص الدينية أن يتحرر من تعصبه ويعترف بأن هناك تأويلات أخرى، ومن ثم يجب عدم إلغاء الآخر المختلف في التأويل أو تجريمه بما يُنزله منزلة المخطئ أو الكافر الذي يستحق الاستئصال المعنوي والمادي، فالأصوليون وحدهم هم الذين يتوهمون إنهم وحدهم الفرقة الصحيحة المستقيمة الرأي التي تحتكر الرأي، وكل مختلف عنهم أو مخالف لهم يعتبر ضمن الهراطقة، أما الناضجون وغير المتعصبين فهم الذين يقولون للمغايرين لهم، لنتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.

تحرير الفكر الديني
وأضاف يجب أن يتحرر الفكر الديني من الانحياز للميراث التقليدي الاتباعي، وخصوصًا المتشدد، فلا يجوز إهمال الميراث العقلاني الفلسفي، ولا يجوز إقصاء المورثات المغايرة لها في المنحى والمخالفة لها في الاتجاه، بل يجب أن يكون الفكر الديني منفتحًا مفكرًا لا منغلقًا مكفرًا!.
وقال الـ11 إصحاحا الأولى من سفر التكوين هي نصوص مقدسة ومعصومة من الخطأ، ولكن لا يوجد تفسير قطعي واحد لهذه الإصحاحات، فهناك تفسيرات مختلفة ومتعددة ومتنوعة، ولذا ليس من حق من يتبنى تفسيرًا معينًا، أن يظن أن تفسيره هو الوحيد التفسير الصحيح أو التفسير الحق أو التفسير الأوحد الذي لا تفسير غيره، فهناك تفسيرات متعددة ورؤى متنوعة للنص الكتابي الواحد، وأرى أن هذه التعددية في التفسير، هي ثراء وغنى وتميز. 

معارضون نظرية 

وأكد الدكتور القس تيري مونسترون، أستاذ اللاهوت في شيكاغو، على أساس من الكتاب المقدس، أن الله خلق وبطريقة معجزة في 6 أيام الخليقة، محذرا من خطورة استخدام اللاهوتيين نظرية دارون ومحاولة الزج بها في الكتاب المقدس.

وأشار إلى أن التطور الديني الحلولي، أي إن الله استخدم النشوء والارتقاء، مشيرا إلى تعارض هذا الأمر مع الإصحاح الأول من سفر التكوين الموجود في الكتاب المقدس بالعهد القديم. وأفضل تفسير للإصحاح الأول من سفر التكوين هو سفر الخروج إصحاح 20، الله أعطى الوصايا العشرة لبني إسرائيل، والوصية الرابعة تتحدث عن حفظ الله للسبت، والله لم يعطي سبب لكل وصية من الوصايا العشرة، إلا في الوصية الرابعة التي يتحدث فيها عن حفظ السبت، هذه ليست بكلمات موسى الرب كتب هذه الكلمات بأصبعه والرب تحدث أنه في 6 أيام صنع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، ويستخدم نفس الكلمة اليوم في 6 أيام صنع الله السموات والأرض، نفس الكلمة في 6 أيام تعمل ينطبق على اليوم السابع وعلى 6 أيام الخليقة.

ترتيب الأحداث

وأضاف توجد مشكلة أخرى ليس الزمن فقط، ولكن مشكلة ترتيب الأحداث في نظرية النشوء والارتقاء، وترتيب الأحداث من خلال النص الكتابي مختلفين تمامًا، في فكر النشوء والارتقاء يبدأ بالانفجار العظيم منذ حوالي 14 بليون سنة، الأجرام السماوية تكونت من حوالي 12 بليون سنة، والشمس يعتبر نجم حديث من 5 بلايين سنة سابقة، الأرض تكونت من حوالي 4.5 بليون سنة، والحياة نشأت والمياه خرجت إلى الأرض عبر ملايين السنين في سفر التكوين من 1 إلى 11 يشرح لنا تاريخ مختلف تماما عن هذا التاريخ الخاص بالنشوء والارتقاء، إن الله خلق الأرض، الخطية دخلت إلى العالم، وكان يوجد طوفان عالمي مدمر، وأنه كان يوجد برج بابل وتشتت فيه الشعوب والألسنة، وهذا الأمر الذي كون الشعوب المختلفة الموجودة اليوم، الرب يقول في الكتاب المقدس إنه صنع الأرض أولًا وغطاه بالمياه بالكامل، وفي اليوم الثالث الرب أمر اليابسة أن تظهر وعمل كل النباتات، وفي اليوم الرابع صنع الشمس والقمر والنجوم، لا تستطيع أن تضع ملايين السنين في إصحاح واحد في سفر التكوين، لأن الله عد الأيام ووضع لها أرقام فلازم يبقي في تتابع تاريخي لا نستطيع أن ننكره، وعندما نشاهد النباتات والحيوانات التي بها اختلافات عملاقة بنظرية النشوء والارتقاء والخلق الكتابي، وأصحاب نظرية النشوء والارتقاء يقولون إن الحياة بدأت في المياه، بعد ملايين السنين من الكائنات في المياه وطلعت النباتات تم تكوينها، وبعد ملايين السنين النباتات الديناصورات ظهرت، وبعد ملايين السنين بدأت تظهر الطيور، وهذا الأمر يختلف تماما مع ما يسجل في سفر التكوين، الله خلق النباتات قبل الكائنات المائية التي جاءت في اليوم الخامس، وهو خلق الكائنات الطائرة مع الكائنات المائية في اليوم الخامس في نفس الوقت، وهذا يعني أنه يوجد ترتيب مختلف تماما وهما فكرتين متضادتين

خلق آدم

أما السبب الثاني الذي يرفض الخلق الإلهي باستخدام النشوء والارتقاء بأنها تتعارض مع حقيقة خلق آدم المتميز، وفي الإصحاح الأول والعدد الـ27، الله يقول أنه خلق آدم وحواء على صورة الله خلقهما، ليس الإنسان وحده الذي خلق على صورة الله، ولكن كل الكائنات على صورة الله، وفي تفاصيل خلق آدم في الإصحاح الثاني وعدد 7 أن الله خلق آدم من تراب الأرض ونفخ فيه نسمة حياة فأصبح آدم، إن خليقة الله أصبحت حية بعد ذلك.

وفي إصحاح 2 وعدد 7 واضح جدا أن الله لم يصنع الإنسان الأول من مخلوقات قبل ذلك من مخلوقات أقل منه، وبعد ذلك طورها وجعلها الإنسان، وفي نفس الإصحاح وعدد 22 يوضح لنا الله كيف خلق حواء، أنه صنع حواء من ضلع آدم، وفي هذه الحالة حواء خلقت من كائن موجود قبلها "آدم"، لا يوجد أي وسيلة تجعلنا نصدق في النشوء والارتقاء أن يتفق مع هذا النص المكتوب، وفي الإصحاح الثالث من سفر التكوين حواء هي أم لكل البشر، وفي كورنثوس الأولى 15 يتحدث عن آدم بأنه آدم الأول، فالكتاب المقدس واضح وضوح شديد في هذا الأمر، أنه لا يوجد كائنات آدمية قبل آدم وحواء وكل البشر هم نسل آدم وحواء.

وفي الإصحاح الخامس والإصحاح 11 من سفر التكوين لدينا سلسلة الأنساب من آدم حتى نوح ومن نوح حتي إبراهيم وهذه السجلات الخاصة بالأنساب مميزين داخل الكتاب المقدس، وفي كل الثقافات المحيطة لكن هذه السجلات فقط عمرهم منذ أن ولد وكيف عاش المدة الزمنية، فهذه المعلومات تعطي تسلسلا تاريخيا لأعمار الناس، وحتى لو كان في أسماء مفقودة في هذه السلسلة لكن لا يوجد أزمنة مفقودة.

مفهوم الموت

وأضاف أيضا فهم نظرية النشوء والارتقاء تتعارض تماما مع مفهوم الموت داخل الكتاب المقدس، في النشوء والارتقاء يتحدثون عن الموت والمرض والألم موجود من ملايين السنين، وهذه الدورة مستمرة وتتكرر ونتيجة الحياة والموت والبقاء للأصلح للإنسان، لكن الكتاب المقدس له تاريخ مختلف، أن الله خلق الله الإنسان كاملا في البداية، ولا كان يوجد مرض ولا ألم ولا موت، الموت دخل إلى العالم بسبب خطية الإنسان، وأصحاب نظرية النشوء والارتقاء يتحدثون أن تاريخ طبقات الأرض والحفريات هو تاريخ الإنسان الموت والحياة، ويقولون إن هذه الدورة تعطينا ملايين السنين في سجل الحفريات وطبقات الأرض، وفي الإصحاح الأول من سفر التكوين أنه في اليوم السادس كان طبيعي أكل الإنسان والطيور والحيوانات مأكل نباتي، وأيضا أكل الكائنات الأخرى من الحيوانات نباتي لا يوجد به سفك دم أي لا يوجد فيه روح، وبعد ذلك أرانا الله ماذا كان يقول عن خليقته الأساسية في سفر التكوين، قال إنه كان حسن جدا لكن لا تستمر حسنة جدا مدة طويلة، لأن الله أعطى اختبار لآدم، وآدم سقط في هذا الاختبار، هو تمرد على الله، وفي إصحاح 3 يرينا عقوبة الله للخطية ونتائج هذه العقوبة الحية لعنت، العقوبة على حواء أحد الأجزاء منها أنها يزيد آلام الولادة، دخل الموت إلى العالم، الأرض لعنت بالشوك والحسك.

أما أصحاب النشوء والارتقاء يؤكدون أنه يوجد في طبقات الأرض حفريات للشوك والحسك من 3 إلى 4 بلايين سنة، ويوجد عظم لديناصورات موجود فيها دليل على وجود أورام وسرطانات والتهابات في المفاصل، ويتحدثون عن تواجد الديناصورات أكثر من 65 مليون سنة قبل الإنسان، فإذا كان صحيح عمر هذه الحفريات ملايين السنين أنه يوجد مرض وألم وأورام قبل سقوط آدم وقبل دخول الخطية إلى العالم، والله نظر إلى هذه الطبقات، وقال حسنة جدا فهذا غير الله الموجود داخل الكتاب المقدس، الكتاب المقدس يؤكد على البدء بخليقة كاملة لا يوجد بها مرض أو موت أو أي شيء، ونظرية النشوء والارتقاء تتحدث عن البدء كان بخلية صغيرة ثم تكاثرت وكبرت وصنعت الكائنات المختلفة، وهذا بعكس ما يقوله الكتاب المقدس تماما.


ليس حدثا تاريخيا

ومن جانبه، أكد الدكتور مجدي صديق، إيمانه بأن "كل الكتاب هو موحي به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملا متأهبا لكل لكل عمل صالح" 2 تي 3:16-17، "لأن كل ما كتب كتب لأجل تعليمنا، حتى بالصبر والتعزية يكون لنا رجاء" رو 15:4، فتشوا الكتب "وهي تشهد لي يو 5:39، فهذه الأمور كتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور 1 كو 10:11".

وقال قصة الخلق ليس فقط مجرد حدث تاريخي، بل أيضا لإعطاء معنى للخبرة التاريخية. قصة الخلق هي تعبير عن الحقيقة الدينية، وتساءل هل من تعارض بين خلق الإنسان (آدم) ونظرية النشوء والارتقاء؟.

وأشار إلى أن الدكتور زكي نجيب محمود، كتب: "عند هذه النقطة نتحول إلى مجال الدين لنجد الفارق الواضح بين "علم" و"دين" حتى إذا ما رأيناه في وضوحه الناصع، حق لنا أن نعجب من علماء أفاضل يخلطون بين المجالين فيرون: علما“ فيما هو "دين". 

فالعلوم بكل صنوفها أنها قائمة أساسا على منطق العقل وما نعنيه في هذا السياق بكلمة "عقل" وهو أنه حركة استدلالية انتقالية يتحرك بها الفكر من مقدمات أو شواهد، إلى نتائج تكون هي نظريات العلم وقوانينه، أي أن العقل ينتهي إلى ما ينتهي إليه بطريق غير مباشر، إذ هو يلجأ إلى حركة انتقالية تتوسط بين المعطيات الأولية من جهة والنتائج عنها من جهة أخرى.

أما العقيدة الدينية فعمادها "إيمان"، والإيمان طريقه مباشر لا واسطة فيه بين المسموع من جهة وقبوله من جهة أخرى، وبالطبع قد يحدث بعد ذلك لمن آمن أو لا، لأن يتناول بالعقل ما قد آمن به ليستدل منهما على ما يمكن استدلاله

إذا وردت حقائق معينة في الكتاب الكريم عن هذا المجال أو ذاك فهي حقائق ولكنها ليست علوما، لأن جوهر العلم ليس هو مجموعة معينة من "حقائق" بل جوهره منهج خاص يؤدي إلى الكشف عن تلك الحقائق، الدين والعلم يتكاملان في الإنسان، وعلى هذا القياس لا يكون الصواب هو أن يقول المؤمن إن لي دين فيه العلم، وإنما الصواب هو أن يقول إن لي دين وعلم محكومان بقيم الدين

وقال لا اعتقد أننا تقدم قصة الخليقة علما مجردا عن التطور والنشوء والارتقاء، لكنها تقدم الله خالق كل الأشياء في السماء والأرض والبحار وما تحت الأرض، خالق الإنسان والذي يتعامل معه ومنظم الكون والذي أعلن ذاته بالكامل في تجسد ابنه يسوع المسيح. فكل ما كتب كتب لأجل تعليمنا. هذه الكلمة المقدسة تشهد عن يسوع ابن الله الوحيد

فاستخدام العلم لتأييد أو إثبات أحداث الكتاب المقدس أو استخدام العلم لهدم الكتاب المقدس خطأ، إذا كان الكتاب يؤكد العلوم الحديثة، فلماذا من يتبنون هذا الرأي يقولون لنا عن الاكتشافات والاختراعات التي ستحدث نتيجة الذكاء الاصطناعي؟، فكلمة الله تصير الجاهل حكيما


4 مدارس 

عرض الدكتور القس إكرام لمعي، رئيس مجلس الإعلام والنشر بالكنيسة الإنجيلية المشيخية، 4 مدارس في علاقة العلم بالدين: المدرسة الأولى، تعليم الدين على العلم، والتي كانت في قمتها من القرن السادس إلى الـ16، حيث كانت الكنيسة مسيطرة بالدين على كل شؤون الحياة، فأحرقت العلماء ورفضت الإكتشافات العلمية مثل كروية الأرض ووجود كواكب أخرى في الكون.. إلخ.

أما المدرسة الثانية، فهى إعلاء العلم على الدين، أطلق عليه عصر النقد العالى، حيث سيطر العلم على الدين، وقام بتحليل الكتب المقدسة وأخضعها للنقد العالي العلمي، وأخرجوا من الكتاب أخطاء علمية وتاريخية ولغوية ورفضوا المعجزات.. إلخ، وصار هناك ما يسمى الصراع بين مسيح الإيمان ومسيح التاريخ، والمدرسة الثالثة، تحدثت عن أن الدين والعلم خطان متوازيان لا يلتقيان، فيما رأت المدرسة الرابعة أنه يجب أن يكون هناك تفاعلا بين العلم والدين

الدين أساس الإيمان

وأشار القس إكرام لمعي إلى إن الدين أساسه الإيمان، أما العلم فأساسه الشك، بمعنى الإيمان بالكتاب المقدس إيمانا مطلقا بكل ما يحتويه، فالكتاب المقدس ليس كتابا علميا ولا تاريخيا ولا جغرافيا ولا هندسيا.. إلخ، فالكتاب المقدس يتحدث عن مسيرة الإنسان مع الله والعكس أي مسيرة الله مع الإنسان. والتاريخ الذي يذكره الكتاب هو التاريخ المقدس علاقة شعب الله بالله وبالشعوب المجاورة.

الشك.. أساس العلم

أما العلم، فأساسه الشك، فعندما تكتمل نظرية علمية، يبدأ العلماء في الشك فيها لتطويرها، فهى فى حالة تعديل مستمر بلا نهاية، ولذلك المنطقان مختلفان، أؤمن بالكتاب المقدس كما هو، وأتبنى العلوم وأشك فيها بهدف تعديلها.

وأشار إلى أن الدين ثابت والعلم متغير، فالدين من ألفى عام بل ومن 4 آلاف عام لم يتغير، إنه وحى من الله، كلام الله الذى لا يتغير، أما العلم فهو متغير باستمرار، لذلك من المستحيل الاعتماد على العلم فى أمر يخص الكتب المقدسة، حتى لو كانت إيجابية، ولا أعتمد على الكتب المقدسة فى أمر يمس العلم، لأنه لو اعتمدت على الكتب المقدسة فى تشجيع واعتراف بنظرية علمية، فلا يجب أن يقوم أحد بتعديلها، لأنه بهذا يعدل الوحى المقدس.

لذلك نلاحظ فى المسيرة العلمية أن قوانين أرسطو كانت هى المعتمدة في كل بحث علمى لـ200 عام، حتى جاء إسحق نيوتن، ومن بعده أينشتاين ومن بعده وبعده إلى أن وصلنا إلى هوكينج، فهناك تغييرات جذرية وعنيفة وقوية لكن مع كل هذا الكتاب المقدس صامد بطبيعته.

العلم تراكمي

وقال «لمعي» العلم يمتد رأسيًا والدين يمتد أفقيًا، أي أن العلم تراكمي، أما الدين فيمتد أفقيا بمعنى أنه يذهب إلى مجالات متعددة ومختلفة بتعدد ترجماته وتعدد تفسيراته وتعدد الشعوب التي تؤمن به، لكن لا يُترك منه شيء على حساب آخر كما يحدث في العلم.

أما المدرسة التي تقول إن العلم والدين يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان أبدا، وكانت هذه نظرية توما الأكويني، ووافق عليها ابن رشد وتلاميذه من بعده وهذه لا تحتاج شرحًا.

الدين والعلم

أما المدرسة الأخيرة فتقول أنه يمكن التقاء العلم بالدين في حالتين الأولى، ما وصل إليه تلاميذ توما الإكويني، وهما يستكملان الحوار مع ابن رشد الذي بدأه في حياته عن السؤال من هو له الأولوية عند الإنسان العلم أم الدين، فتوصل ابن رشد مع تلاميذ توما الكويتي إلى جملة عبقرية تقول: أؤمن فأعقل أو أعقل فأؤمن، أي أن الإنسان الذي يبدأ بالإيمان بالدين والكتب المقدسة ثم مع الوقت وفي دراسته للعلوم والتفكير العلمي والنقدي يعقلن إيمانه أي يجعل إيمانه أكثر قبولا، وهو يتحدث عنه للآخرين، فلا يكون الدين عند السامع غير المؤمن أو الملحد مجرد خرافات أو معجزات أو كلمات جوفاء بلا معنى، الجزء الثاني من المقولة أو أعقل فأؤمن أي يبدأ بالعقل رافضا الإيمان ومع الوقت ودراساته العلمية واستخدامه لمنهجة التفكير العلمي والنقدي والمنطق يمكن أن يصل للإيمان بالله: أؤمن فأعقل أو أعقل فأؤمن.

والحالة الثانية في لقاء العقل بالإيمان، ظهرت مؤخرًا بعد ظهور وسائل تنظيم الأسرة والاستنساخ والهندسة الوراثية وكل هذه الأمور فيها جانب أخلاقي في استخدامها أو عدم استخدامها، وهنا يلتقى العلم مع الدين في محاولة للحديث عن أخلاقيات زرع الأعضاء أو الاستنساخ أو خلافه في غير ذلك لا داع للقاء العلم بالدين لأنه إما العلم يحرج الدين أو الدين يكفر العلم.