الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"داعش" في لبنان.. اختراق فاشل وحسابات خاطئة للهروب من "المأزق السوري".. "التنظيم" يتمركز بالشمال لحماية عناصره الفارة من ضربات "الأسد"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ ظهوره على ساحة الأحداث عام ٢٠١٤، سعى تنظيم «داعش الإرهابي» لإيجاد موضع قدم له داخل ما يطاله من البلدان العربية، ليوحى للعالم بتمدده وانتشاره في أكثر من رقعة جغرافية، وعلى أكبر محيط إقليمى يستطيع أن يتغلغل فيه، من ضمن تلك الدول العربية التى وضعها «داعش» صوب إرهابه، دولة «لبنان» لما لها من حدود استراتيجية مع سوريا، فتسللت العناصر الداعشية عبر تلك الحدود، ونجحوا فى اختراقها وشن هجمات إرهابية على كنائس وأسواق وتجمعات لبنانية.

ومؤخرًا اشتعلت رغبة التنظيم فى السيطرة الكاملة على شمالى لبنان، والمتماس مع الحدود السورية، فمن ناحية يسعى التنظيم - باحتلاله هذا الجزء المهم- لاستراتيجية جديدة تعيده إلى المشهد كما كان، ومن ناحية أخرى يهدف هذا الجزء، إلى إيجاد ملاذ قريب وآمن، لعناصره الفارة من جحيم الضربات، التى يوجهها له الجيش الوطنى السوري، فى محاولة من التنظيم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عله يتدارك ما كبده الجيش من خسائر فادحة بشرية ومادية ومعنوية فادحة. 


فى خريف ٢٠١٤ (عام ظهور داعش فى العراق)، أذاعت قناة «بى بى سي» البريطانية، تقريرًا مطولًا أعلنت فيه، أن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادى عَيَّن المدعو «عبدالسلام الأردني» أميرًا للتنظيم فى لبنان فى العام نفسه.
وبالفعل عقب إعلان القناة تولى «الأردني» منصب أمير «داعش» فى لبنان، قامت العناصر الداعشية يوم الخميس السابع من سبتمبر عام ٢٠١٤ بتنفيذ أول عملية إرهابية استهدفت حاجزًا أمنيًّا للجيش اللبناني، عبر الحدود السورية اللبنانية؛ ما أسفر عن مقتل ما يقرب من ثمانية جنود، شيعت وزارة الدفاع اللبنانية جثامينهم يوم الجمعة، الموافق ٨ سبتمبر عام ٢٠١٤.

فى منتصف عام ٢٠١٥ نفت وزارة الداخلية اللبنانية- فى بيان رسمى لها- أى وجود منظم لداعش فى البلاد أو احتلاله مناطق معينة، رغم أنها أكدت - فى البيان ذاته - وجود عناصر من التنظيم بأعداد ضئيلة فى مناطق واقعة بالشمال اللبناني، خاصة فى منطقة قضاء «عكار» (محافظة تقع على الحدود اللبنانية السورية).
على صعيد متصل، وفى مايو عام ٢٠١٦، صرح نهاد المشنوق، وزير الداخلية فى لبنان، قائلا: إن داعش استطاع عام ٢٠١٤ أن يؤسس مجموعة خلايا نائمة فى منطقة « قضاء عكار»، وتسللت تلك العناصر عبر الحدود السورية بسلاح وعتاد ومؤن إعاشة.



وبناء على تلك المعلومات أعدت صحيفة «النهار» اللبنانية تقريرا صحفيًا عام ٢٠١٦، مستندة فيه على تقارير وبيانات وزارة الداخلية، أن «داعش» يتمركز أيضًا على الحدود الشمالية الشرقية للبنان، ليكون قريبًا للغاية من «رأس بعلبك» (إحدى القرى اللبنانية التابعة لمحافظة بعلبك، وهى قريبة للغاية من مدينة «القارة» السورية الخاضعة لسيطرة الجيش اللبناني)، كما أشارت الصحيفة فى تقريرها إلى أن التنظيم يحتل مناطق جغرافية شديدة الوعورة فى لبنان.


وأوضحت النهار اللبنانية عبر صفحاتها التى أفردتها لتقرير الوجود الداعشى فى لبنان، أن عناصر «داعش» فى لبنان قد نجحت- عام ٢٠١٦- فى طرد جبهة النصرة (الاسم السابق لهيئة تحرير الشام، وهى فصيل سورى مسلح موجود فى شمال سوريا) من تلال عرسال، الواقعة على الحدود السورية اللبنانية، كما سيطرت عناصر التنظيم على أنفاق تلال عرسال. (وفق ما ورد فى الصحيفة).


على جانب آخر، وفى يوم ٢٣ يوليو ٢٠١٧، أعلن السفير اللبنانى هيثم أبوسعيد، مفوض الشرق الأوسط لحقوق الإنسان وأمين عام الدائرة الأوروبية للأمن والمعلومات، فى اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، فى تقرير وإحصائيات نشرها على موقع يُسمى «شفقنا» تابع لوكالة أنباء شيعية، أن بلاده تحتوى على ما يقرب من ٥٠٠٠ عنصر تابعين لتنظيم «داعش»، ومعظمهم موجودون فى الجزء الشمالي، وعدد طفيف منهم يوجد فى جنوب لبنان، موضحًا أن معظم الدواعش الموجودين فى لبنان ليسوا لبنانيين، ولكنهم يحملون الجنسية البلجيكية والفرنسية، وجميعهم أتوا إلى لبنان عقب رفض بلادهم استقبالهم بسبب جرائم الإرهاب التى ارتكبوها.(حسب قوله وتقريره).

وعن الوجود الفعلى حاليا لداعش فى لبنان، يقول فادى عاكوم، الصحفى اللبنانى المتخصص فى شئون الإرهاب، عبر تصريح لـ«المرجع»: إن لبنان عرف انتشار الفكر الداعشى كغيره من الدول التى انتشر فيها هذا الفكر؛ وذلك من خلال الآلة الإعلامية التابعة للتنظيم الإرهابى من جهة، ومجموعة من رجال الدين الذين نشروا الفكر المتطرف من جهة أخرى، إضافة إلى بعض السياسيين الذين كانوا على خط الحرب السورية منذ بدايتها.
وأكد «عاكوم» أن الأحداث فى سوريا ساعدت على انتقال الأفكار المتطرفة فى لبنان، نظرًا لسهولة التنقل من وإلى لبنان؛ ما أدى إلى تواصل متين بين دواعش سوريا ومتطرفين فى لبنان.
وتابع الصحفى اللبناني: أن تنظيم «داعش» لم يكن له أتباع فى لبنان فى بداية الأمر، وأن غالبية حاملى الفكر المتطرف كانوا ينتمون لتنظيم «القاعدة»، ثم ما يعرف بـ«هيئة تحرير الشام» بعد ظهورها فى سوريا، وأخيرًا انضموا إلى «داعش» بعد التغيرات الدراماتيكية فى أفكار المتطرفين، والموقف من الحرب السورية، وبدء المعارك أو انتهائها، بغض النظر عن نتائجها النهائية.
وأوضح «عاكوم» أن دواعش لبنان فى الوقت الحالى يحملون جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية، على اعتبار أن المخيمات الفلسطينية -أو أجزاء منها- تعد من البؤر التى تأوى عشرات الإرهابيين والمطلوبين للأمن اللبناني، خاصة فى مخيم «عين الحلوة».



وتابع «عاكوم»: «إن أقرب وصف لدواعش لبنان هو الخلايا النائمة أو الذئاب المنفردة، كون هذه الطريقة هى التى باتت متبعة عالميًّا من قِبَل التنظيمات الإرهابية؛ بسبب الرقابة الصارمة التى تفرضها الأجهزة الأمنية، وهى الطريقة الوحيدة التى قد تتيح للإرهابيين -بمختلف انتماءاتهم- التحرك أو الحصول على الأموال أو حتى تنفيذ أى مخطط إرهابي».


وفى ما يخص القضاء على الإرهاب الداعشى فى لبنان، يرى أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تتعاون مع مثيلاتها فى المنطقة للقضاء على أى خطر إرهابي، وتتحرك الأجهزة من خلال تبادل اللوائح السوداء لملاحقة المتورطين فى الإرهاب، إلا أن الخطة الفعلية لملاحقة الإرهاب قد تبدو بعيدة المنال فى لبنان فى ظل وجود مربعات أمنية ومناطق لا يستطيع الأمن اللبنانى دخولها وملاحقة المطلوبين.

ويتفق هشام النجار، الباحث المتخصص فى شئون الجماعات الإسلاموية والحركات المسلحة، مع «عاكوم»، بقوله لـ«المرجع»: إن الدواعش فى لبنان موجودون كخلايا وكحضور تنظيمي، وخلال الفترة السابقة وجدوا فى العديد من المناطق اللبنانية ملاذًا آمنًا للتنظيم وعمقًا استراتيجيًّا، يتيح لهم حرية المناورة فى صراعاتهم وحروبهم الرئيسية فى العراق وسوريا، موضحًا أن عناصر التنظيم تتمركز فى معظم المناطق السنية فى الشمال والبقاع وفى المخيمات الفلسطينية ومخيمات النازحين السوريين. وأشار «النجار» إلى أن الجيش اللبنانى نجح خلال السنوات الأخيرة -عبر مواجهات مباشرة مع داعش- فى القضاء على قوة التنظيم الفاعلة فى لبنان، كما تمكن الجيش من تحطيم مشروعها الإرهابى فى الجزء الشمالى اللبناني، وإفشال مساعى التنظيم فى تحويل لبنان لساحة تصفية حسابات بين التنظيم ومنافسيه من الجماعات الإرهابية الأخرى.