الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

مذابح خلف الجدران.. دراسة: المخدرات وراء 80% من جرائم القتل في مصر.. وخبراء الاجتماع: التفكك الأسري السبب الرئيسي للظاهرة

المخدرات وراء 80%
المخدرات وراء 80% من جرائم القتل في مصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتشرت جرائم العنف فى المجتمع، خاصة جرائم العنف الأسرى بشكل كبير، وتصدرت أخبار الجرائم البشعة بقتل الأطفال والأبوين، وتعذيب الأطفال عناوين الصحف، فلا يكاد يمر يوم إلا ونكتشف جريمة جديدة، الظاهرة زادت بعد ثورة 25 يناير، بعد حالة الانفلات الأخلاقى داخل المجتمع، وانتشار وسائل الاتصال الاجتماعى، ومشاهد العنف فى الأفلام والمسلسلات والأعمال الدرامية، وسط حالة من التفكك الأسري، أسباب مختلفة عددها المختصون والمحللون، فما بين أمنيين اتهموا المخدرات والخروج على القانون والسلوكيات الشاذة، ونفسيون أرجعوا الظاهرة إلى ضغوط نفسية وخلل فى تركيبة أفكار المصريين، وإعلام ينقل ويحذر، ومطالب جماهيرية بضرورة التدخل للكشف عن أسباب حقيقية تطمئن العامة، خرج أخيرًا برلمانيون يحددون عددًا من مشروعات القوانين التى تتضمن مواد حازمة وصارمة من ورائها يمكن الحد من هذه الكارثة التى تهدد استقرار المجتمع. 

تحتاج الظاهرة إلى تكاتف الدولة بجميع مؤسساتها وجهاتها، وتتمحور القضية فى التربية والتعليم والمسجد والكنيسة والإعلام ودوره فى التوعية المجتمعية وبرامج الأسرة والمجلس القومى للمرأة والقومى للطفولة والأمومة، كل هذه العوامل تساهم بشكل كبير فى دحر هذه الظاهرة أو الحد منها لأنها تؤدى إلى تفكك الأسرة، ومن ثم تسبب ضررًا بالغًا فى المجتمع.
كشفت دراسة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، عن أن تناول المخدرات يتسبب فى وقوع ٨٠٪ من الجرائم، وأشارت إلى أن تعاطى الحشيش كان وراء انتشار جرائم القتل والسرقة وهتك العرض.
وأجريت على نزلاء مؤسسات عقابية مصرية، بالتعاون بين المركز والمجلس القومى لمكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى بالتعاون مع صندوق مكافحة الإدمان، وبينت الدراسة الارتباط الوثيق بين تعاطى مخدر الحشيش والجرائم. فنحو ٩٦٪ من أفراد العينة بالدراسة ممن يتعاطون الحشيش ارتكبوا جرائم هتك العرض، وأن ٤٥٪ منهم مرتكبو جرائم القتل العمد، وأن ٣٢٪ من مرتكبى جرائم السرقة بالإكراه كانوا يتعاطون الحشيش. وأوضحت الدراسة أن ٦٦ ٪ من مرتكبى الجرائم كانوا يتعاطون المخدرات قبل ارتكاب الجريمة. ويؤكد الأطباء المتخصصون فى علاج الإدمان، أنّ المخدرات تتسبب فى اختلال وظائف التفكير والإدراك بالمخ، ما يضعف ضبط الذات وفقدان السيطرة على التصرفات ويطلق المدمن العنان لرغباته وشهواته، فيرتكب الجرائم من دون أى رادع.
خبراء الاجتماع: التفكك الأسرى السبب الرئيسى

أرجع الدكتور وليد هندي، الخبير النفسي، هذه الحوادث، إلى أن وصول مفهوم الأسرة لمرحلة الوهن والضعف، وانعدم معه التماسك الاجتماعى الذى يعد من أهم الملامح الأسرية فى المفهوم التقليدي، وأضاف، التكنولوجيا المستخدمة ومواقع التواصل الاجتماعى جعلت كل أفراد الأسرة كلها فى غرف منعزلة، ويفقد علاقة الوجه بالوجه وحميمية المشاعر ودفئها العاطفي، فأصبح أفراد الأسرة يتعاملون مع بعضهم كالغرباء، وأصبح التنكيل والقتل والتعذيب لغة مستخدمه بين أفراد الأسرة الواحدة دون أن يهتز لهم مشاعر، ويضاف إلى ذلك انتشار العقاقير والهلوسة والمواد المخدرة التى أسقط السلوك الآدمي، ليصبح الفرد غير مسيطر على ردود أفعاله ومختل الحواس ودائم الهلوسة والتشتت الذهني.
وأضاف هندى أن الاضطرابات النفسية والأمراض العقلية دائمًا سببًا أساسيًا لارتكاب تلك الجرائم، كالوسواس القهرى والذى تسيطر فكرة الخوف على أبنائه وزوجته فيقتلهم، وإصابة الشخص بالاكتئاب وانفصام الشخصية عن تعرضه لأى مشاكل مادية يجعله يفكر فى راحة أبنائه بالقتل خوفا من شبح الجوع نتيجة الحالة النفسية، وكذلك الاعتياد على مشاهد العنف عبر وسائل الإعلام التى تشبع القتل وفقدان قيمة الحياة، وخاصة من بعد ثورات الربيع العربى والحروب، وتوافر وسائل الإعلام وتنزعها تسيطر على سلوك الإنسان وتجعله يستسهل جرائم القتل والتنوع فيها، بالإضافة إلى عدم التوعية والبعد عن الدين، كما أن الحالة الاقتصادية وإحساس الرجل بالمسئولية مع قصر ذات اليد يحوله لوحش فاقد الوعى.

«القادم أسوأ» هكذا بدأ حديثه الدكتور جمال فرويز، أستاذ علم النفس والاجتماع، وأضاف كلما يزيد التركيز الإعلامى على حادثة من الحوادث، يبدأ أصحاب النفوس الضعيفة والشخصيات العصبية فى تقليدها لأنه فور تعرضه لمشكلة فهى تكون أول ما يخطر بباله التخلص من زوجته وأولاده، مؤكدًا أن سبب انتشار تلك الوقائع يرجع إلى انحدار الأخلاق وانعدام العلاقات الدينية داخل الأسرة وداخل المجتمع، وأن هذه الشخصيات المهتزة تتأثر بالضغوط من الإعلام، بمعنى إذا الإعلام أذاع شيئًا خيرًا فيتأثر به وإذا أذاع شرًا أيضا يتأثر به، وهذا لعدم وجود ثقافة، فلا أحد يقرأ كتابًا أو مجلة الآن، فالجميع يعتمد على القراءة على الفيس بوك أو مواقع التواصل الاجتماعى. 
وأضاف فرويز أن المجتمع المصرى مر بمراحل اقتصادية أسوأ من تلك الفترة، وهى عنصر واحد فقط ليس كل العناصر، وتتبع مواقع السوشيال ميديا وصفحات الفيس بوك والتقليد الأعمى جعل من الجريمة أسهل ما يكون، وأن تعاطى المواد المخدر سببًا رئيسيًا لأنه عند تعاطيه قرصين من الترامادول فيهيأ له أن زوجته تخونه أو أن المجرم يعانى بالأساس من مرض نفسى فيخطر بمخيلته أن زوجته تخونه. 

وفى سياق متصل طرحت، الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع بجامعة آداب المنوفية، تساؤلًا هل الجميع أصبح فى حالة جنون؟ مطالبة بتطبيق عقوبة الإعدام على مرتكبى مثل هذه الجرائم حتي لا تتكرر مرة أخري، لكن لو كل متهم ادعى الجنون وتم وضعه داخل مصحة للعلاج النفسي، وتلقى بها الرعاية فلن يكون هناك رادع لذلك، مشيرة إلى أن الله سبحانه وتعالى قد تحدث عن القصاص فى كتابه العزيز قائلًا «وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» فهذه الآية تشير إلى أن القصاص مكتوب على القاتل والمقتول وولى الدم، فإذا علم القاتل أن الله قد قرر القصاص فإن هذا يفرض عليه أن يسلم نفسه، وعلى أهله ألا يخفوه بعيدًا عن أعين الناس؛ لأن القاتل عليه أن يتحمل مسئولية ما فعل، وحين يجد القاتل نفسه محوطًا بمجتمع مؤمن يرفض القتل فإنه يرتدع ولا يقتل، إذن ففى القصاص حياة؛ لأن الذى يرغب فى أن يقتل يمكنه أن يرتدع عندما يعرف أن هناك من سيقتص منه، حين شرع الله مثل هذه العقوبة لم يشرعها لتقع، وإنما شرعها لتمنع، ونحن حين نقتص من القاتل نحمى سائر أفراد المجتمع من أن يوجد بينهم قاتل لا يحترم حياة الآخرين، وفى الوقت نفسه نحمى هذا الفوضوى من نفسه؛ لأنه سيفكر ألف مرة قبل أن يرتكب جريمة.
وأشارت خبيرة علم النفس إلى أنه لابد من وجود عقاب رادع، فالعبرة ليست بسن القوانين، ولكن العبرة فى سرعة تنفيذها، خاصة أن إجراءات التقاضى أصبحت بطيئة، لذلك لابد من سرعة الاقتصاص من الفاعل والحكم علية بالإعدام فى فترة قصيرة حتى لا تنتشر هذه الجرائم، لكن الوضع يختلف عندما تطول فترة التقاضى لسنوات، فالمتهم يتمتع بحياته لفترة ويصبح غير مدرك لما فعله، مؤكدة بأنه ليس هناك أسباب محددة، تدفع القاتل لارتكابها، بل ذلك يرجع فى بعض الأحيان إلى ارتفاع سقف الطموحات وقلة الإمكانيات، كما أن ضيق اليد سبب قوة من الأسباب التى تؤدى إلى كثرة المشاكل الأسرية التى تنتهى بوقوع جريمة قتل، كما أن الأهالى عليها عامل مهم لا يجب أن يوافقوا على الزواج حتى يتأكدوا من أخلاقيات الزوج والعكس، ولو تبين أن هناك خللًا فى التعامل بين الطرفين لا يجب اتمام الزواج.

ومن جهته، أشار الدكتور طه أبو الحسن، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إلى غياب دور الدولة فى توجيه أفراد المجتمع إلى الفضيلة والأخلاق والقيم للحفاظ على تماسك المجتمع وحمايته من الظواهر الغريبة الشاذة. 
وأضاف أبو الحسن، أن المجتمع المصرى يعانى منذ سنوات ظاهرة العنف بين فئاته وانتشار الجرائم والحوادث التى كانت بعيدة تماما عن سلوكيات المصريين، وأرجع أسبابه إلى ما وصفه بـ«العبث الإعلامى بسلوكيات المجتمع». وأوضح، أن ارتفاع معدلات الجريمة العائلية فى المجتمع المصرى ناتجة عن الظروف الراهنة التى يعانيها المجتمع من البطالة وغياب الوعى الدينى والأخلاقى والتربوي.
ووصف الدكتور فتحى قناوى، الأستاذ بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، حالة العنف التى يعيشها المجتمع وازدياد معدل الجريمة، بأنه نوع من الحروب النفسية التى تواجهها الدولة بهدف تدميرها عقب فشل المخطط الدولى القذر من بعض الدول الحاقدة على مصر، مطالبا الدولة بالقيام بدورها المنوط بها من إنقاذ السلم الاجتماعى كأمن قومى، والتصدى لمثل تلك النوعية من الحروب، من خلال إعادة تثقيف أفراد المجتمع بالشكل الذى يمكنه من القضاء على سلوكيات العنف التى انتشرت بمعدلات مخيفة.
وأرجع انتشار الجريمة العائلية بالمجتمع، مثل قتل الآباء لأبنائهم وقتل الأبناء لآبائهم، والاعتداء الجنسى على طفلة، إلى انتشار المخدرات وغياب الوعى الدينى الحقيقى والانحدار الثقافى الشديد، وغياب الضوابط الاجتماعية والقدوة، مشيرا إلى دور وسائل الإعلام فى نشر ثقافة العنف، مطالبا بإعادة نشر القيم والمبادئ التربوية بين الأبناء فى الصغر عبر الأسرة والمؤسسات التعليمية.
بينما تؤكد دكتورة هالة يسرى، أستاذ علم الاجتماع فى الجامعة الأمريكية، أن أسباب العنف الأسرى متعددة، منها انتشار المخدرات، واختفاء ثقافة الالتفاف العائلى والحياة الأسرية السوية، بالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية من ارتفاع الأسعار وانخفاض دخول وازدياد مصاريف الزواج.
وأضافت، أن اختفاء ثقافة تكوين أسرة صالحة ومعايشة الحياة اليومية طبقا للعادات والتقاليد المصرية وزيادة وعلو النبرة الفردية واختفاء الجماعية فى التحرك اليومى للمجتمع بسبب «السوشيال ميديا»، أدت إلى التفكك الأسري، وهو المسئول الأول عن انتشار الجرائم.
وطالبت بإنشاء وزارة للأسرة تتحمل مسئولية جمع شتات الأسرة، ومحاولة استرجاع التماسك الأسرى الذى كانت تتميز به فى مصر فى السابق، والذى نفتقده حاليا، مما أصاب المجتمع بأمراض لن يعالج منها إلا بتدخل الدولة عن طريق إنشاء هذه الوزارة، بحسب قولها.