الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مصر الكل في واحد.. «القبطي» و«الهجري» يتعانقان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحتفل مصر، بعد غد الثلاثاء، بالعام الهجرى الجديد، فى الذكرى الـ1440 من الهجرة النبوية المشرفة، وبداية العام 1735 قبطى، فى تزامنٍ بين التقويم الهجرى والقبطى هذا العام، واحتفلت مصر برأس السنة الهجرية لأول مصر بعدما قرر بطرس باشا غالي، رئيس الحكومة المصرية - عام 1909، الموافق لسنة 1327 هجرية - غلق المصالح والدواوين فى اليوم الأول من السنة الهجرية. وقال المفكر إسحاق حنا، الأمين العام للجمعية المصرية للتنوير، إن التقويم القبطى هو بالأصل التقويم المصرى القديم، وسارت مصر على التقويم القبطى حتى عصر الخديو إسماعيل، تم تغييره إلى التقويم اليوليانى بعد ذلك. واقترح عودة اعتماد التقويم القبطي، وأن يتم وضعه جنبا إلى جنب مع التقاويم المصرية، اليوليانية والهجرية، باعتباره أقدم أنواع التقاويم عبر التاريخ، وهو ما يعكس الروح الوطنية المصرية.


احتفالات للأوقاف والصوفية من قلب الحسين

تنظم وزارة الأوقاف، عددا من الأمسيات الدينية بالمحافظات المختلفة، بمناسبة العام الهجرى الجديد١٤٤٠ هـ، أبرزها الاحتفال العام الذى تنظمه الوزارة بمسجد الإمام الحسين بالقاهرة بحضور الوزير الدكتور محمد مختار جمعة، ومحافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال، نائبًا عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، والشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الدينى بالوزارة، ووكيل القاهرة الشيخ خالد خضر.


وقال الدكتور محمد مختار جمعة، إن هجرة النبى إلى المدينة كانت فتحًا مبينًا وسبيلًا لنصر عظيم مؤزر، كما أنها أهم نقطة تحول فى تاريخ الإسلام والمسلمين نحو بناء الدولة بكل ما تعنيه كلمة الدولة من معان، حيث عقد النبى المعاهدات التى ترسخ أسس التعايش السلمى بين البشر، وكتبت أهم وثيقة فى تاريخ البشرية فى فقه التعايش السلمى واحترام التعددية، وبخاصة التعددية الدينية وحرية المعتقد.

وتابع، أكدت وثيقة المدينة أن يهود بنى عوف، ويهود بنى النجار، ويهود بنى الحارث، ويهود بنى ساعدة، ويهود بنى جشم، ويهود بنى الأوس، ويهود بنى ثعلبة، مع المؤمنين أمة، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وأن النصر للمظلوم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وأن من خرج منهم فهو آمن، ومن قعد بالمدينة فهو آمن، إلا من ظلم أو أثم، وأن الله عز وجل جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله.

وشدد الوزير، على أنه إذا كان أمر الهجرة كتحول من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة قد انتهى بفتح مكة، فإن كل معانى الهجرة النبيلة هى ما يجب أن نحرص عليه، كحسن الأخذ بالأسباب تعلمًا، وتعليمًا، وتخطيطًا، وعملًا، وإنتاجًا، وإتقانًا، بالتحول من البطالة والكسل إلى الجد والعمل والإتقان، ومن الأثرة والأنانية والعصبية الجاهلية إلى الإيثار والإخاء الإنسانى الصادق، حيث يقول النبي: «المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجَر ما نهى الله عنه».

بينما تلى احتفالات الأوقاف بالحسين، انطلاق موكب الهجرة، الذى تنظمه المشيخة العامة للطرق الصوفية برئاسة شيخ المشايخ عبدالهادى القصبي، ومشاركة بعض أتباع الطرق الصوفية، ويبدأ الموكب من ساحة مسجد الشيخ صالح الجعفري، بمنطقة الدراسة، وصولًا لمسجد الإمام الحسين، بشارع الأزهر، عقب صلاة عصر غد الثلاثاء.


وقال عبدالهادى القصبي، شيخ مشايخ الطرق، إن الاحتفال بالهجرة النبوية أمر اعتاد عليه الصوفية كل عام، وهو رسالة للعالم بأن الهجرة هى رسالة النبى بأنه حمل الحب والسلام، وأن الدين الإسلامى هو دين القيم الإنسانية والأخلاق، وهو أمر نسعى للتأكيد عليه من خلال الاحتفالية التى تقام كل عام من مسجد الإمام الحسين والدعوة إلى أن تحدث هجرة لكثير من العادات والتقاليد التى نراها لا تتوافق مع القيم الدينية أو الأخلاق أو الواقع الذى نحياه.

ولفت القصبى إلى أن الاحتفال سيرافقه دعوة إلى الخروج من حالة اليأس إلى الأمل، ومن الخمول إلى العمل من أجل البشرية جمعاء، مشددًا على أن مشاركة بعض أتباع الطرق تأتى لضيق المكان وتجنبًا لضغط الزحام حيث تقوم المشيخة بالمناوبة بين الطرق المشاركة بالاحتفالات الدينية سواء المولد النبوي، أو ذكرى الهجرة، على أن تتاح لكافة الطرق المشاركة بالاحتفالات الدينية التى تقام بساحة مسجد الإمام الحسين.

وأكد شيخ المشايخ مشاركة علماء الأزهر والأوقاف لاحتفالات الطرق الصوفية بذكرى الهجرة النبوية التى تقام بمسجد الإمام الحسين، غدا الثلاثاء، بعد انتهاء الموكب الذى ينطلق عصر ذلك اليوم من مسجد الشيخ صالح الجعفرى وصولًا إلى مسجد الإمام الحسين، لتنقل أحداث الاحتفالية من المسجد على الهواء مباشرة لتكون رسالتنا إلى العالم بأن الإرهاب لا يمثل الإسلام ولا يمكن أن تتوافق وسطيته واعتداله مع تلك الممارسات وتلك الجرائم التى تروع وتبيح دماء الأبرياء، لأغراض تتنافى مع سماحة الأديان ورسالة النبى المصطفي.


بداية التقويم الإسلامى فى العام 17 للهجرة

عمر بن الخطاب اعتمد تقويمًا يعتمد على توجيهات القرآن.. ويرتبط بدورة القمر

يحتفل المسلمون فى الأول من محرم كل عام بذكرى هجرة النبي، صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة، رفقة الصديق أبوبكر، والتى حدثت فى العام ٦٢٢ للميلاد، والموافقة لـ ١٢ ربيع الأول، ووجد الخليفة الثانى للمسلمين عمر بن الخطاب، الحاجة إلى إقرار تقويم يعتمد على توجيهات القرآن، ويرتبط بدورة القمر، خاصة وأنه وفقًا لما روى فى الأثر الإسلامى أنه بعد مرور ١٧ عامًا من الهجرة النبوية، ورد خطاب إلى أبى موسى الأشعرى مؤرخ بشهر شعبان، فبعث إلى الخليفة يسأله فى أمر التقويم، خاصة أن شعبان هذا مجهل بالنسبة لهم، أهو من السنة الماضية أم الحالية، فاستشار عمر الصحابة لرفع اللبس، فكان من بينهم من ارتأى اتخاذ ميلاد النبى موعدًا للتقويم الجديد، وذهب البعض منهم إلى وفاة النبي، وذهب آخرون إلى إقرار الهجرة، وكان من بينهما «عثمان بن عفان، على بن أبى طالب» رضى الله عنهما.

واعتمد «عمر» فى تأريخه الجديد على قوله تعالي: «نَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ»، وكانت أيام الشهور تتراوح بين ٢٩ و٣٠ يومًا وفق دورة القمر، ليأتى اعتماد التقويم الجديد بعد سنتين ونصف من خلافة «ابن الخطاب»، فى ربيع الأول من عام ١٦ للهجرة، ليصبح الأول من محرم عام ١٧ للهجرة بداية التقويم الهجري.

ويشمل التقويم الهجرى ١٢ شهرًا، تتألف من ٣٥٤ يومًا، هى «المحرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذوالقعدة، وذوالحجة»، منها أربعة حرم فيها القتال هم «المحرم، رجب، ذوالقعدة، وذوالحجة».

ورغم كون أشهر التقويم الهجرى اعتمدت ليعمل بها المسلمون إلا أن أسماءها سبقت البعثة النبوية حيث اجتمع العرب من رؤساء القبائل والوفود فى موسم الحج عام ٤١٢ للميلاد، فى وجود كلاب بن مرة، الجد الخامس للنبي، لتحديد أسماء جديدة للأشهر يتفق عليها جميع العرب وأهل الجزيرة العربية، بعد أن كانت القبائل تسمى الأشهر بأسماء مختلفة، فتوحدوا على تلك الأسماء.


فى عيد النيروز.. «الرزنامة» تكشف تزامنا نادرا بأم الدنيا فى عناق بين رأس السنة القبطية والهجرية

الرزنامة المصرية، أو كُتيب معرفةَ الأيام والشهور وطلوع الشمس والقمر على مدار السنة بمصر، وتشير الرزنامة خلال العام الجارى ٢٠١٨ ميلاديا، عن تزامن نادر لرأس السنة القبطية والهجرية، حيث إنه يتم الاحتفال حاليا بمرور ١٤٤٠ عاما هجريا، ومرور ١٧٣٥ عاما قبطيا، وأنه نظرا لقصر العام الهجرى عن نظيره القبطى بحوالى ١١.٢ يوم سنويا، وهو الأمر الذى يخلف كل عام موعد رأس السنة الهجرية سواء ميلاديا الذى يبدأ مطلع يناير، أو قبطيا الذى يتم الاحتفال برأس سنته مطلع توت فى الحادى عشر من سبتمبر من كل عام، فإن تطابق التاريخ الهجرى مع القبطى أو الميلادى أمر نادر الحدوث لوجود «كسور» كساعات فرق بين التقاويم، الأمر الذى يعطى مذاقا خاصا لبداية التقويم الهجرى مع التواريخ الميلادية والقبطية المميزة.


ويذكر أن آخر أقرب التقاء كان عام ١٩٨٦، حيث كان رأس السنة الهجرية اليوم التالى للقبطية أى ١٢ سبتمبر عام ١٩٨٦، أما عن تطابق رأس السنة الميلادية برأس السنة الهجرية، فقد تم تطابق اليوم الأول من يناير من السنة الميلادية مع اليوم الأول من محرم من السنة الهجرية آخر مرة فى عام ١٩١١، حينما جاء ١ يناير مع ١ محرم، وحتى الآن التقى التقويمان فى:

عام 640 ميلادى مع عام 19 هجري

عام 705 ميلادى مع عام 86 هجري

عام 1226 ميلادى مع عام 623 هجري

عام 1748 ميلادى مع عام 1161 هجري

عام 1911 ميلادى مع عام 1329 هجري


«لُقا وتلاقى» الأقباط يحيون عصر الشهداء بالبلح والجوافة

النيروز أو النوروز القبطي، هو أول أيام السنة المصرية من شهر توت، والذى تحتفل فيه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعيد الشهداء، وتعنى كلمة «النيروز» باللغة القبطية الأنهار، وبالفارسية تعنى اليوم الجديد، أما بالسريانية فتعنى العيد، وأتت لفظة نيروز من الكلمة القبطية (نى- يارؤو) الأنهار، لأن ذاك الوقت من العام هو ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل، وحينما دخل اليونانيون مصر أضافوا حرف الـ«سي» للأعراب كعادتهم، فأصبحت «نيروس» فظنها العرب كلمة نيروز الفارسية، أما فى اللغة الفارسية فتعنى اليوم الجديد (نى = جديد، روز= يوم) وهو عيد الربيع عند الفرس، ومنه جاء الخلط من العرب، ومع عصر الإمبراطور دقلديانوس- أقسى عصور الاضطهاد ضد المسيحية- احتفظ المصريون بمواقيت وشهور سنيهم التى يعتمد الفلاح عليها فى الزراعة مع تغيير عداد السنين وتصفيره لجعله السنة الأولى لحكم دقلديانوس ٢٨٢ ميلادية هى السنة رقم ١ قبطية الموافقة السنة رقم ٤٥٢٥ فرعونية، ومن هنا ارتبط النيروز بعيد الشهداء عند المسيحيين.

وكان فى تلك الأيام البعيدة يخرج المسيحيون فى هذا التوقيت إلى الأماكن التى دفنوا فيها أجساد الشهداء مخبأة ليذكروهم. ويحتفل الأقباط بهذا العيد حتى أيامنا هذه، لذلك يعتبر عيد النيروز هو أقدم عيد لأقدم أمة.

أم عن أشهر طقوس ذلك العيد، فقد عبر الأقباط «رمزيا» عن هذا العيد بالمأكولات، وذلك عن طريق البلح والجوافة، حيث إن البلح فى لونه الأحمر يذكرنا بدم الشهداء، الذى سُفك حبا فى المسيح، أما حلاوة البلح فتُذكرنا بحلاوة الإيمان المستقيم، وصلابة نواته تُذكرنا بقوة الشهداء الروحية وصلابتهم وتمسكهم بإيمانهم حتى الموت، أما الجوافة فقلبها أبيض، وهذا يرمز إلى قلب الشهداء الأبيض النقيّ، أما وجود بذور كثيرة داخلها، ففى ذلك إشارة لكثرة عدد الشهداء.


سعد الهلالى: المسلمون والمسيحيون لحمة الوطن ودليل ترابطه

مع اجتماع التقويمين الهجرى والقبطى هذا العام، يرى الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن هناك دلائل وقرائن تبرز لحمة الشعب المصرى وتماسكه لحكمة إلهية لا قدرة لأحد فى السيطرة عليها أو إفسادها، مشددًا على أن علينا استثمار الأمر وإبرازه فى وجه دعاة الفرقة والأعداء والتأكيد على أن ترابط هذا الشعب هو جزء من سنة الله فى كونه وخلقه.

وقال الجندى: «مناسبة طيبة أن يلتقى التقويمان فى توقيت متقارب، وهذا يدل على أن مصير هذا البلد والوطن واحد، فاللحمة الاجتماعية والمصيرية تجتمعان معا، واختلاف الدين فى أمر يتعلق بخصوصية الاعتقاد، هو أمر مسلم به فى عقيدة الإسلام التى تقوم على احترام التعدد والسماح بوجود أتباع الديانات الأخرى على أراضى الدول التى حكمها المسلمون».

وتابع، علينا استثمار الحدث كعنصر قوي، يعبر عن مشيئة إلهية، بأن هذا الشعب واحد، وإن اختلف الدين والعقيدة فيه، هو سنة إلهية لأن الخالق عز وجل هو القائل: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين»، أى مختلفون فى العقائد والدين واللون والجنس، لكن هذا لا يمنع ترابطهم وإخوتهم وتعاونهم وتآلفهم، مشددًا لن تجد لسنة الله تبديلًا ومن هذه السنة ما نراه من التقاء أو تقارب بين تقاويم المسلمين والأقباط، لذا ينبغى علينا أن نعى جيدًا وأن نستثمر تلك المناسبات بصورة تتواكب مع متطلبات العصر.

وحذر عضو البحوث الإسلامية، من دعاة الفتنة وشق الصفوف الذين يبذلون الجهد والأموال فى وأد الفتنة والاجتماع بين الشعب المصري، ونشر أفكار الأصل العربى للمسلمين والفرعونى للأقباط، فى محاولة لسلب الهوية عن المسلمين، وهو أمر لا يصح من المنظور الإسلامى كما لا يجوز طبقا للمصلحة الوطنية، فتعدد الأجناس من السنن الكونية، ومصر القبطية عرفت الدين وعرفت التوحيد منذ فجر التاريخ بدليل دور «أخناتون»، وانتشار المعابد فى جنوب مصر، ما يدلل على تجذر الدين والألوهية فى نفوس هذا الشعب.

وشدد على أن وجود هذه التعددية فى الوطن الواحد لا يمنع من وجود أمة واحدة، ومصير واحد، عدوها مشترك، ولا يجوز فى هذه الفترة الانتقالية أن نغفل الحكمة الإلهية من اجتماع الاحتفال بالتقويمين، وهو برهان ودليل على أن إرادة الله فى وحدة هذه الأمة، وأن يعملوا على هزيمة دعاة الفرقة فالمسلمون والأقباط هم أقباط مصر جميعًا، ولم تعد المسألة عقيدة ودين، بل هى وحدة التاريخ والمصير والمصلحة المشتركة التى تحتم علينا أن نبتهج بهذا التوحد، وعلينا أن نعلم المقصد وتوظيفه لصالح الأمة ونخبر العالم بأن هذه حقيقة لم يتدخل فيها أحد، وأن الاختلاف لن يقسم هذه الأمة فالدين لله والوطن للجميع، وهو أمر ينبغى أن يقدمه كل مصرى مسلم ومسيحى فى رسالة للعدو أنه لن يستطيع أن يقترب فهذه الأمة باقية.

وهو أمر شدد عليه، الدكتور سعدالدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، حيث أكد أن مصر أمة واحدة لا تقوم على الفرقة والمسميات وأنها تحكم بقوة القانون لا الانتصار لفريق على حساب آخر، فالمسلمون والمسيحيون هم لحمة هذا الوطن ودليل ترابطه وتماسكه ويعملان على الرقى به ورفعته بين الأمم، وأن الدين هو خصوصية بين العبد وربه لا تفرض على أحد ولا يجبر عليها أحد.

وقال الهلالي: «الظواهر الكونية واجتماعها هى سنة الله فى كونه، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكون معلومة أو مرتبطة بتأويلات بشرية، لكن علينا أن نؤكد أن مصر أمة واحدة ومصير واحد لا تعرف أقليات أو فرقة أو تفرقة بين أحد سواء أكانت تلك التفرقة على أساس العقيدة أو الدين فالكل سواء أمام القانون ومتساوٍ فى حقوقه وواجباته وأن ما يقال فى شأن الفتنة لا مجال له فى هذا البلد».


بينما أكدت الدكتورة فتحية الحنفي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن التقويم الهجرى الذى تقوم عليه الأمة الإسلامية، هو تأريخ لحدث عظيم فى تاريخ الإسلام والبشرية جمعاء ألا وهو هجرة سيد البشر من مكة إلى المدينة، والذى مثل تحولًا فى حياة المسلمين من الباطل إلى الحق، ومن الشرك إلى الإيمان، ومن الظلمات إلى النور، مشددة على أن هذا التحول استحق أن يكون بداية للدولة الإسلامية، حيث استقرارها بالمدينة المنورة.

وتابعت، إن ما فعله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، هو تطبيق لقوله تعالي: «إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)َ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٣٧)، ليكون التقويم بمثابة تذكرة بالقيم والآثار التى ترتبت على تلك الهجرة الشريفة سواء من بعد عن الشرك، أو تمسكًا بما أرساه النبى فى مجتمع المدينة من أخلاق وعبادات وقيم نشأ عليها المسلمون.

وحول اجتماع التقويمين الهجرى والقبطي، أشارت أستاذ الفقه المقارن، إلى أنه حدث يجب أن يستثمر فى التأكيد على الوحدة الوطنية والترابط والتلاحم، وتقبل الآخر الذى هو جزء من الشريعة الإسلامية، فهو الذى أمرنا بالوحدة لقوله تعالي: «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا»، وأيضًا:» قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم»، كما أمرنا بالتماسك والترابط والألفة والمحبة، حتى وإن لم يجتمع التاريخ أو الزمان، فالمسلم والمسيحى عليه أن يكون داعمًا لتقدم هذا الوطن ورقيه ودعمه وصد محاولات العدوان عليه.


المفكر إسحاق حنا: اعتماد «القبطى» بجوار التقاويم المصرية واليوليانية والهجرية

يرى المفكر إسحاق حنا، الأمين العام للجمعية المصرية للتنوير، أن التقويم القبطى هو بالأصل التقويم المصرى القديم، وأن هذا العام يكون قد أتم ٦٢٦٠ سنة، وأنه قد تم تصفير ذلك التقويم فى عصر الإمبراطور دقلديانوس، ليبدا تأريخ شهداء الكنيسة عبره.

وأضاف، أن مصر سارت كتقويم رسمى بذلك التقويم حتى عصر الخديو إسماعيل، وأنه تم تغييره حينها بسبب اللغط الذى حدث حينما استقدم علماء ومتخصصين من فرنسا لبناء سد والأوبرا وبعض الأشياء الحديثة حينها، إلا أنه حدث نوع من التضارب فى الحسابات نظرا لاستخدام الخبراء التقويم اليولياني، ليعلن الخديو استخدام التقويم اليوليانى بدلا منه من أجل ذلك.

ويضيف المفكر، أن التقويم اليوليانى بالأصل مشتق من التقويم القبطى أو المصرى القديم، ولكنه سمى بأسماء الأباطرة الرومان، لافتا إلى أن التقويم القبطى أكثر دقة من الآخر اليوليانى «يناير، فبراير، مارس.. إلخ».

واقترح الأمين العام للجمعية المصرية للتنوير، أن يعود التقويم القبطى لاعتماده، وأن يتم وضعه جنبا إلى جنب مع التقاويم المصرية، اليوليانية والهجرية، حيث إنه أقدم أنواع التقاويم عبر التاريخ، إذ ترجع بدايته لأكثر من ٦ آلاف سنة، الأمر الذى يعكس أن مصر صاحبة علم، وتاريخ وهى من أسست علوم الدنيا من فلك ورياضة، وأن ذلك من شأنه خلق حافز جديد لشباب مصر لاستكمال ما بدأه أجدادهم عبر التاريخ القديم، وأيضا كى يعى العالم كله أن مصر أصل الحضارة، وكى لا تنسب أى جهة التاريخ لها زيفًا، وأن ذلك ضرورى الآن من أجل الروح الوطنية المصرية، واسترجاع حق المصريين.

ويشير حنا، إلى أن الكنيسة القبطية لا يمثلها ذلك التقويم، وإنما هى من حافظت عليه بعد أن استغنت الدولة عن رسمية ذلك التقويم، وهو تمسك وطنى من الكنيسة به بهدف المحافظة على الهوية المصرية، وهو أمر تمدح عليه الكنيسة، ويجب على جميع أطراف الدولة إعادة ذلك التقويم، لأنه ليس دور الكنيسة وحدها.

وعن تزامن رأس السنة القبطية مع نظيرتها الهجرية هذا العام، يقول لسنا فى حاجة لذلك التزامن حتى ندرك الحب والتآخى المتبادل بين مسيحيى ومسلمى مصر، خاصة أن هذا التزامن يأتى مرة كل أعوام كثيرة، فمعنى ذلك أنه إذا كان له معنى الآن فإنه لا معنى لعلاقتنا الجيدة بهذا البعض بالسنوات المتباعد فيها الأمر.

وأضاف «حنا» أن الحسابات التقويمية «قمريا حسب التقويم الهجري، أو شمسيا حسب التقويم اليولياني، أو حسب مواسم الزراعة قبطيًا» فإن تلك الحسابات ليس لها علاقة بالأديان، فهى حسابات فلكية فقط، ولا تقلل أو تنتقص من الأديان الأخرى حسب كل دين، متسائلا بأنه حال وجود علاقة لله بها، فلماذا لا تأتى متزامنة كل عام؟!. مشددا على أن اللغة القبطية هى لغة مصرية خالصة ويجب إعادة تعليمها بالمدارس، فى تطور اللغة المصرية القديمة، من هيروغليفية إلى ديموطيقية، ثم هيراطيقية، وأخيرا القبطية، مشددا على أن الأمر هو تطور خطوط، وإن الأصل بها اللغة المصرية القديمة، وما الأمر إلا تطور لعملية الكتابة عبر الخطوط الأربعة التى ذكرنا.


اعتماد «القبطى» بجوار التقاويم المصرية واليوليانية والهجرية

الشهور القبطية شاهد عيان على فصاحة الفلاح المصرى فى علوم الزراعة

«مية طوبة، ولبن أمشير، وخروب برمهات، وورد برمودة، ونبق بشنس، وتين بؤونة، وعسل أبيب، وعنب مسرى، ورُطب توت، ورمان بابة، وموز هاتور، وسمك كيهك»

أبدع المصريون القدماء، فى إبهار العالم، وتفننوا فى إرساء قواعد ونظم، بل ونظريات، من خلال خبراتهم، فما إن ترمق للخلف بنظرة، إلا وتجد نفسك فى بحر، هم من حددوا شطآنه، وكان للفلاح المصرى القديم دور فى ذلك، فرغم بساطته كفلاح، إلا أنه كان عالما فى بحوث الفلك، الجيولوجيا فى علوم الأرض، خبيرا فى شئون الحياة.

واستعرض الفلاح المصري، عظمته خلال مواسم الزراعة من خلال ربطها بالتقويم القبطي، حيث ضخ سيلا من الأمثال الشعبية، الملائمة لكل فصل، بل وأظهر ثقافته وعلمه بسرد أمثال خاصة بكل شهر من تلك الشهور، والتى بعد مئات السنين أدركنا قيمتها وأهميتها وعمقها رغم بساطتها، وكان الربط بين الشهور والأمثال كالتالي:

توت

«توت، يقول للحر موت» حيث اشتهر رأس السنة القبطية وأول شهورها، بأنه بداية اعتدال الجو، ونهاية فصل الصيف، حيث يقع فى الفترة ما بين ١١ سبتمبر و١٠ أكتوبر، كما قيل عنه أيضا «توت.. اروى ولا تفوت» فى إشارة لأهمية رى المحاصيل خلال كثرة المياه المتواجدة من الفيضانات.

بابة

«بابة.. خش واقفل البوابة» فى إشارة لبداية فصل الشتاء الفعلية، وانخفاض درجات الحرارة، حيث يقع فى الفترة ما بين ١١ أكتوبر إلى ١٠ نوفمبر، كما اشتهر ذلك الشهر بوفرة المحاصيل وقيل أيضا عنه «إن صح زرع بابه يغلب النهابة» كناية عن الربح الوفير حتى إذا تعرض المحصول للنهب والسرقة.

هاتور

«هاتور.. أبو الدهب منثور»، ويشير ذاك الشهر إلى انتشار لون القمح الأصفر الذهبى بتلك الفترة من السنة، وهى الفترة الزمنية الواقعة ما بين ١١ نوفمبر و٩ ديسمبر، ويبدأ فى ذات الشهر أيضا بدء زراعة بعض المحاصيل حيث قيل «إن فاتك زرع هاتور اصبر لما السنة تدور»، فى إشارة لحتمية بدء الزراعة خلال ذلك الشهر وإلا الاضطرار للانتظار لعام كامل لبدء الزرع مجددًا.

كيهك

«كيهك.. نهارك مساك، تقوم من فطارك تدخل على عشاك» ويشير المثل بذلك الشهر إلى قصر فترة النهار من اليوم، الأمر الذى يشعرك بأن وقت وجبة الغذاء لا يأتى باليوم، حيث تهم بتناول وجبة الإفطار وإلا وتجد وقت العشاء قد حل، ويقع ذلك الشهر ما بين ١٠ ديسمبر و٨ يناير.

طوبة

«طوبة.. يخلى الصبية كركوبة» حيث يشتد البرد بالشهر الواقع ما بين ٩ يناير و٧ فبراير، ويجعل من يصاب خلاله بأى نوبات برد للتحول لكهل من شدة البرد فيه، كما أن ذلك الشهر يتخلله «عيد الغطاس»، وقيل مثلا عنه أيضا، «اللى مياكولش قلقاس فى الغطاس، يصبح جتة من غير راس».

أمشير

«أمشير أبو الزعابير الكتير ياخد العجوزة ويطير»، بما أننا نمر الآن تقويميا بشهر أمشير، والذى يبدأ تقويمه ميلاديا منذ يوم ٨ فبراير وحتى ٩ مارس، فإن الأمثال التى وردت عن تلك الحقبة كانت لتعكس وجود رياح وزعابيب، وتقلب بالجو، كما ورد عن ذات الشهر أيضا «أمشير اللى يخلى جلدة ع الحيط نشير» ليوضح شدة الجو، كما قسم الفلاح المصرى القديم ذلك الشهر إلى ثلاثة أجزاء، «مشير» وهى أول ١٠ أيام ولقبت بذلك بانخداع «الراعي» بالجو الجيد، ثم «مشرشر» الذى يعود فيه الجو للاشتداد، «شراشر» والذى يكون الجو فيها أقل حدة.

برمهات

«روح الغيط وهات، قمحات وعدسات وبصلات»، كان ذلك الشهر يأتى ميلاديا فى الفترة ما بين ١٠ مارس و٨ أبريل، واشتهر ذلك الشهر بالخير الوفير، ومواسم الحصاد، وتجلى ذلك فى معنى المثل على كثرة الطعام.

برمودة

«برمودة، دُق العمودة» اشتهر الشهر صاحب الترتيب رقم ٨ بين الشهور القبطية، والذى كان يأتى من يوم ٩ أبريل وحتى ٨ مايو، بأنه الذى تبدأ فيه عملية زراعة القمح من كل عام، حيث يقوم المزارع فيه بغرس سنابل القمح.

بشنس

«بشنس يكنس الغيط كنس، وخد بالك من الشمس» يأتى ذلك الشهر ببداية اشتداد حرارة فصل الصيف، وذلك من يوم ٩ مايو وحتى ٧ يونيو، ويكون الغيط فى تلك الفترة بلا أى خَضَار، ويحذر فيه الفلاح من بدء سخونة الشمس.

بؤونة

«بؤونة أبو الحرارة ملعونة» يعكس مثل ذلك الشهر اشتداد الطقس، ولكن ذلك الشهر اشتهر بالخير، حيث كان هناك مثل آخر به يقول «بؤونه انقل وخزن المونة» وذلك خشية من الفيضانات وفساد الزرع والمحاصيل، ويأتى فى الفترة بين ٨يونيو ٩ يوليو.

أبيب

«أبيب فيه العنب يطيب» ويقال أيضا «طباخ العنب والزبيب»، حيث شدة حرارة الشهر الواقع بين ٨ يوليو و٦ أغسطس تقوم بتسوية العنب حتى يطيب ويكاد يصبح زبيبا، كما أن الشهر ذاته قد تكون فيه فيضانات فقيل عنه «أبيب.. مية النيل فيه تريب» كناية عن تخويفها للفلاح، كما قبل أيضا عنه، «إن كلت ملوخية فى أبيب هات لبطنك طبيب» نظرا للجو أيضا.

مسرى

«مسرى.. تجرى فيه كل ترعة عسرة».. اشتهر آخر شهور السنة القبطية «الفعلية» والواقع ما بين ٧ أغسطس و٥ سبتمبر، بالفيضانات، ويعكس المثل بأن المياه بذلك الشهر تدوس كل ربوع الأرض حتى اليابس منها، ولارتفاع منسوب المياه.

نسيئ

سقط ذاك الشهر من ذاكرة أمثال الفلاح المصرى القديم، كونه شهرا مدته ٥ أيام فقط، ويقع ما بين ٦ و١٠ سبتمبر فقط.


مسيحى» يعلن رأس السنة الهجرية إجازة بمصر

لم يكن رأس السنة الهجرية يوم احتفال أو إجازة رسمية بمصر، فى سابق الزمان، إلى أن قام بطرس باشا غالى رئيس الحكومة المصرية عام ١٩٠٩ ميلاديا الموافق ١٣٢٧ هجريًا، عندما قرر رئيس الحكومة يومئذ من غلق المصالح والدواوين فى اليوم الأول من السنة الهجرية، وبهذا أضيف يوم الهجرة إلى الأعياد الرسمية، فى تلبية للدعوة التى طلب بها بعض الشباب حينها، ليصبح الأمر تقليدًا ثابتا منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، رغم أنه كان يقام احتقال غير معمم فى بادئ الأمر إلى أن تم تعميمه كما بالوقت الحالي.