الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

آباؤنا أيضا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقاس تحضر الأمم بقدرة مواطنيها على التعبير عن أنفسهم بحرية، أدباء وفنانو هذه الأمم هم صناع ذاكرتها وتاريخها، الحرية فى البلاد الحرة تسمح للأديب أو السينمائى أو الرسام أو السياسى أو الصحفى بأن يكون صادقا وهو يكتب سيرته، ولا يشغل باله بمحام ينتظر الإشارة للدفاع عن شرف الأمة بسبب سطر فى كتاب، ولا بورثة وأقارب المبدع الذين يخافون على «شرف العيلة»، فى البلاد الحرة المبدع حر، فى المعمل وفى الجامعة وفى رواياته وأفلامه، وفى كتابة مذكراته، فى الثقافة العربية توجد متاريس راسخة تمنعك من الاعتراف، بالطبع الاعتراف فى الثقافة الغربية جزء من التكوين الكنسى بداخل هذه الثقافة، لا توجد مذكرات حقيقية لأدبائنا الكبار، باستثناء أوراق العمر للحر الدكتور لويس عوض، التى لم تتطبع مرة أخرى بسبب أسرته، التى رأت فيها كلاما غير لائق عن بشر من العائلة ماتوا منذ آلاف السنين، أم كلثوم هى التى رسمت صورتها بنفسها، لا توجد رواية غير روايتها عن نفسها، وأيضا معظم من كتبوا سيرهم، هم ليسوا جبناء، ولكن ثقافة المجتمع «المتدين بطبعه» لن تستسيغ الحديث عن نزوات (هم منغمسون فيها أصلا)، كأن يكون «الرمز» يسكر أو يدخن الحشيش أو له «دخانيق» نسائية، أنت تريد أن تعرف الشخص الذى أثر فى تكوينك وثقافتك، وأغنى بلدك بإبداعه وسيرته، الأستاذ نجيب لم يكتب سيرته لهذه الأسباب، ولكنه مع رجاء النقاش تحدث بحرية عن حياته ونزواته وخروجاته فى بدايات العمر.
مؤخرًا اختفت كتب السير، لعزوف الناس، ولانحدار مستوى كتب ومذكرات المشاهير، منذ كتاب الأستاذ خالد محيى الدين «والآن أتكلم» لم تقع عينى على عمل فريد، وربما يوجد ولكنه لم يقع تحت يدى، وأصبحت أبحث عن الكتب الصحفية، أو حكايات الكبار عن بعضهم فى دوريات قديمة أو من خلال مقالات صحفية مجمعة، قبل أيام صدر عن سلسلة كتاب الهلال كتاب «أبى كما لا يعرفه أحد» لزميلنا فى جريدة الوفد وصديقنا خيرى حسن، الكتاب يتناول حياة ٢٢ شخصة مؤثرة فى الوجدان العام من خلال الأبناء، الأبنودى، رفعت المحجوب، عماد حمدى، يحيى الطاهر عبد الله، النقشبندى، شكوكو، محمود السعدنى، عبد الحكيم قاسم، محمد رشدى، محمد نوح، رياض القصبجى، حسن البارودى، على إسماعيل، بدر الدين أبو غازى، يحيى حقى، على سالم، حسين رياض، كابتن غزالى، عبد السميع الرسام أبوالنجوم ومرسى جميل عزيز، أفيش عريض متنوع لمصر المبدعة، مع هذا الكتاب الصحفى الجميل لن تكون مشغولا بالتأريخ، ولكن توجد حكايات شجية تعرفها للمرة الأولى، حكايات تبدو صغيرة ولكنها تترك أثرًا وابتسامة على روحك، مثلا حين التقى توفيق الدقن مع محمود المليجى فى أول دور للأول فى فيلم «أموال اليتامى»، المخرج أعاد المشهد أكثر من مرة لأنه غير راض عن أداء الصاعد توفيق الدقن، المليجى بخبرته أحس أن شيئا ما خطأ، أوقف التصوير وذهب مع الدقن إلى غرفته، سأله: مالك؟، قال له: إن سبب ارتباكى هو أنت، وقبل أن يسأله المليجى أكمل: «يا أستاذ محمود عليك أن تعلم أن والدتى هى التى وقفت إلى جوارى حتى أعمل بالتمثيل، أبى كان رافضا، وكان لها شرط وحيد لكى تدعمنى وتواصل الوقوف بجوارى، سأله الفنان العظيم.. وما هو هذا الشرط؟ قال: أن أكون مثل محمود المليجى».. فرد عليه: «اعتبر نفسك يا راجل محمود المليجى نفسه»، وبالفعل جاء المشهد وكأنه مباراة فى التمثيل بين نجمين يصعب تكرارهما، ليظلا معا نجمين على الشاشة وفى الواقع، وحكاية جميلة أيضا وردت فى حوار مع الفنان الكبير حسن البارودى فى مجلة الكواكب منتصف الستينيات، يحكى البارودى: «لقد أعجبت بى فتاة وصارحتنى بإعجابها، نشأت علاقة حب بيننا دامت سبع سنوات، وكنت أتلقى منها رسالة كل صباح، وأخيراـ من حبها لىـ طلبت وعرضت على الزواج، فوافقت، ولكنها اشترطت أن أترك التمثيل، فتركتها. (بعيدا عن الموضوع، واحدة ترسل رسالة كل يوم لمدة سبع سنوات.. أى زمن جميل هذا؟!) البارودى شخصية جميلة جدًا والحكايات حوله ترفع منزلته، وأيضا حسين رياض صاحب السيرة الطيبة والموهبة العظيمة، وهو الذى ترك الدراسة فى الكلية الحربية وترك بيت أهله ليعيش مع صديقه حسن فايق، لأن عزيز عيد قال له: «أنت موهوب ومعجون تمثيل».