الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

7 آلاف مؤسسة مالية مهددة بالإفلاس في بلاد الملالي.. مضاربة في العقارات واختلاسات وفساد أبرز مظاهر دولة "ولاية الفقيه"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تفاقمت خلال السنوات الأخيرة فى إيران أزمة المؤسسات المالية الموازية. وهى مؤسسات مالية تعمل فى الجوانب المالية إلى جانب المؤسسات الأخرى المتعارف عليها دوليًا، داخل إيران ذاتها. وظهرت تلك المؤسسات بعد نجاح الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، وتعمل إلى جانب البنوك وتحاول تقديم عائدات إلى المواطنين أكبر من البنوك عبر استثمار هذه الأموال فى قطاعات معينة مثل: البناء والعقارات، وهو ما يمكن تشبيهه بشركات توظيف الأموال فى مصر، لكن هذه المؤسسات كانت تعمل بإشراف الحرس الوطنى وخومينى نفسه.

وظهرت هذه المؤسسات المالية فى إيران تدريجيًا فى أعقاب نجاح الثورة، وتحديدًا خلال سنوات الحرب الإيرانية - العراقية؛ بسبب بدء تطبيق عقوبات دولية على الاقتصاد الإيرانى فى تلك الفترة، نظرًا للخلافات الدولية والتوترات التى نشأت ما بين النظام الإيرانى الجديد والمجتمع الدولي، غير أن هذه المؤسسات فى البداية لم تستطع مجاراة العمل البنكى التقليدي؛ حيث لم تستطع جذب اهتمام أو ثقة المواطنين الإيرانيين سريعًا، مما تسبب فى تراجع دورها نسبيًا خلال هذه السنوات الأولى. وخلال العِقد الماضي، عادت هذه المؤسسات تظهر من جديد، بشكل أكثر فعالية كلما فُرِضَت عقوبات دولية أكثر وأشد على النظام الإيراني، وظهرت هذه المؤسسات تحديدًا، خلال عهد الرئيس الإيرانى السابق محمود أحمدى نجاد، المعروف بخطابه العدائى ضد الغرب.
وعندما بدأت هذه المؤسسات فى العمل مرة أخرى، ركّزت استثمار أموالها فى القطاع العقاري، وهو ما كان له أثر سلبى فى القطاعات الأخرى داخل إيران، مثل الصناعات الغذائية أو المواد الثقيلة أو غيرهما. وهذه المؤسسات المالية لا تتمتع بالوجه القانونى داخل إيران، فهى تبتعد عن التنظيم القانونى العادى والتقليدى للبنوك والمؤسسات المصرفية، ما جعلها تواجه مشكلات قانونية وسياسية.
وعندما تدهور الاقتصاد الإيرانى بشكل أكبر خلال الفترة الأخيرة، وبعد الركود الاقتصاد تحديدًا الذى شهده القطاع العقارى فى إيران، الذى ركزت عليه هذه المؤسسات الاستثمارية والمالية مشروعاتها، بدأت هذه المؤسسات تتضاءل قدرتها شيئًا فشيئًا على تقديم عائدات لأصحاب الأموال الذين أودعوها مسبقًا، نتيجة التدهور الذى شهده القطاع، وشهدت، ولا تزال، كثير من المدن الإيرانية عددًا من التظاهرات المختلفة احتجاجًا على عدم تلقى أصحاب الأموال لأموالهم من هذه المؤسسات المالية.

أشهر المؤسسات
تنشط فى إيران فى مجال المؤسسات المالية الموازية العديد من الشركات الكبرى التى عملت خلال السنوات الماضية على جذب ودائع وأموال الإيرانيين، وتقول بعض التقارير إن عدد هذه المؤسسات المالية الموازية فى إيران للنظام المصرفى يبلغ حوالى ٧ آلاف مؤسسة تعمل داخل الأراضى الإيرانية.
وتشير هذه التقارير إلى أن حوالى ٢٠٪ من السيولة النقدية فى إيران تسيطر عليها مؤسسات مالية من هذا النوع يبلغ عددها فقط حوالى ٦ مؤسسات فقط، لم تحصل بالأساس على ترخيص من البنك المركزى الإيراني.
ومن ناحية أخرى، تقول تقارير إن عدد هذه المؤسسات يبلغ المئات ومدعومة من الحرس الثورى الإيرانى وخامنئى نفسه. وترتبط هذه المؤسسات مباشرة بالحرس الثورى الإيرانى أو بشكل غير مباشر، ومن أشهر وأهم هذه المؤسسات:

مؤسسة «كاسبين»
تُعد مؤسسة «كاسبين» الإيرانية من أشهر المؤسسات المالية الموازية فى إيران، والتى يميزها أنها حصلت على ترخيص من البنك المركزى الإيراني. وكانت «كاسبين» تُعرف قبل ذلك باسم آخر هو «آرمان إيرانيان»، إلا أن حصولها على ترخيص البنك المركزى الإيرانى عام ٢٠١٥ قد غيّر معها اسمها إلى «كاسبين»، فقد كانت تعمل قبل ذلك التاريخ بذاك الاسم المذكور. وتملك هذه المؤسسة المالية المستثناة من الضرائب، حوالى ١٢٠ فرعًا فى كل أنحاء إيران، تعمل على محاولة استثمار الودائع الشعبية لديه، وأقرت هذه المؤسسة، كمثل غيرها، بإعطاء فوائد تتراوح ما بين ٢٠ و٣٥٪ على ودائع بالتومان الإيراني، العملة المتداولة داخل إيران، للمودعين. وخلال الفترة الأخيرة، وبعد تدهور الاقتصاد الإيرانى بشكل كبير، خاصة فى القطاع العقاري، أعلنت «كاسبين» عن إفلاسها لتكون المؤسسة الأولى من نوعها فى إيران التى تعلن عن الإفلاس، مما أثار ضدها احتجاجات لا نهاية لها من مودعى الأموال الذين فقدوا أموالهم؛ حيث انطلقت مجموعة كبيرة من التظاهرات المستمرة فى إيران حتى يومنا هذا ضد هذه المؤسسة. ورغم أن هذه التظاهرات على الرغم من أنها كانت فى البداية ضد مؤسسة «كاسبين»، فإنها تطورت لاحقًا إلى تظاهرات سياسية بالدرجة الأولى تحمل شعارات سياسية ليست فقط ضد النظام الإيراني، بل حتى ضد المرشد الإيرانى على خامنئي.

مؤسسة «ثامن الحجج»
تأسست «ثامن الحجج»، المملوكة للحرس الثوري، فى بداية العقد الماضي، وبدأت أنشطتها تقريبًا فى عام ٢٠٠٧ أو قبلها بقليل، وتتميز هذه المؤسسة المالية عن «كاسبين»، بأنها لم تنل ترخيصًا من البنك المركزى الإيراني، مما تسبب لها فى العديد من المشكلات المستقبلية مع البنك المركزى الإيراني. وفى ظل إعلان عدد من المؤسسات المالية الإيرانية إفلاسها، ظهرت مؤسسة «ثامن الحجج» التى حاولت أن تملأ هذا الفرغ أو هذا الفقدان فى الثقة. وأعلنت أنها ستوفر عوائد قد تصل إلى ٤٠٪، وهو أمر غير عادى لم تعلنه مؤسسات مالية أخرى موازية فى إيران، أو حتى المؤسسات الرسمية.
وواجهت «ثامن الحجج» خلال فترة عملها خلال الأعوام الماضية اضطرابات نتيجة عدم حصولها على ترخيص البنك المركزى وعوامل أخرى اقتصادية داخل إيران. ففى عام ٢٠١٥، وبسبب عدم قدرة هذه المؤسسة على تقديم الودائع إلى مودعى الأموال، بدأت تواجه مشكلات مع الجمهور، ثم أعلنت هذه المؤسسة هى الأخرى إفلاسها فى النهاية، وثار أصحاب الأموال وبدأوا فى إطلاق تظاهرات مماثلة فى مناطق مختلفة فى إيران مثلما حدث مع «كاسبين».
ومن المهم الإشارة إلى أنه كانت هنالك حالة من الفساد داخل هذه المؤسسة. فقد قالت مصادر قضائية إيرانية الشهر الماضى، إن أحد كبار المسئولين فى «ثامن الحجج»، قد فرّ إلى خارج البلاد مختلسًا أموالًا كثيرة من ذخائر المودعين، وذلك بعد أن أعلنت السلطات القضائية فى إيران عزمها ملاحقته قضائيًا بتهم الاختلاس والسرقة. وهناك مؤسسات أخرى مثل «ثامن الأئمة» التى أعلنت هى الأخرى إفلاسها منذ حوالى عامين. كما أن هناك مؤسسات أخرى مثل «عسكرية» و«سينا» وغيرهما.

مستقبل المؤسسات المالية
بعد أن واجهت، ولا تزال، إيران مشكلات اقتصادية مختلفة فى ظل العقوبات الدولية المختلفة، خاصة بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووى العام الجاري، بدأت هذه المؤسسات المالية فى إعلان إفلاسها، كما سلف ذكره؛ حيث إن هذه المؤسسات لن تستطيع فى ظل ما تواجهه إيران من أزمات اقتصادية أن تستمر فى أنشطتها.
وهذه المؤسسات لم تلتزم بضوابط البنك المركزى الإيرانى التى تقضى بأن تقوم أي مؤسسة مالية جديدة ترغب فى العمل أن تحصل على ترخيص من هذا البنك، وأن تكون أموال المؤسسة من المساهمين لا من المودعين، كما يلزم البنك بأن يكون هذا المال خاليًا من أي شبهة. وفى ظل عدم التزام هذه المؤسسات بتلك الضوابط، أعلنت إفلاسها وعدم قدرتها على دفع أموال المودعين. وعليه، فقد انطلقت التظاهرات من أصحاب الأموال المودعين فى هذه المؤسسات تظاهراتهم، وهى ما تطورت فى وقت لاحق إلى تظاهرات سياسية ترفع شعارات سياسية بالدرجة الأولى، وهو ما يقلق النظام الإيرانى كثيرًا، والذى لا يريد أن يندلع مزيد من التظاهرات الأخرى، سواء فئوية أو غيرها، فى ظل التظاهرات السياسية القائمة بالفعل. ولذلك، فستواجه هذه المؤسسات حالات إعلان إفلاس وتظاهرات مستمرة من مودعى الأموال، كما أنه من المتوقع أن يتدخل البنك المركزى الإيرانى والحكومة الإيرانية نفسها فى محاولة ضبط عمل هذه المؤسسات، إلا أن تبعيتها للحرس الثورى ربما يعرقل من مثل هذا المسار.