الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

أزمة المياه في إيران.. 25 قتيلًا و3700 معتقل.. الفساد والسياسات الحكومية الخاطئة والتغير المناخي.. أهم أسباب المشكلة.. وقيادات الأحواز: تحويل لمنابع الأنهار متعمد للتطهير العرقي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اندلعت احتجاجات كبيرة فى غرب إيران، لا سيما فى أصفهان وخوزستان، بسبب الأزمة الكبيرة فى المياه والكهرباء، وسادت حالة من القلق السياسى بسبب تفاقم الأوضاع، وسوء الإدارة، وألقت الأزمة بظلالها على وضع الزراعة، وواجه المزارعون مواجهات عنف كبيرة من قبل الشرطة الإيرانية، وقتل ٢٥ فردًا، فضلًا عن اعتقال ما يقرب من ٣٧٠٠ شخص، مما يُشكل تحديا كبيرا لحكومة الرئيس «حسن روحاني»، الذى أعيد انتخابه عام ٢٠١٥.
وأرجعت بعض التقارير أسباب الأزمة، للفساد والسياسات الحكومية الخاطئة داخل إيران، واتجاه تركيا لملء سد «إليسو»، والتغير المناخي.
والجدير بالذكر، أن تركيا دخلت مع إيران وتنظيم «داعش» فى منافسة على التحكم بالمياه فى المنطقة، ومن هنا أصبح للأزمة عواقب وخيمة على دول الجوار لا سيما العراق.

مُحفزات الأزمة
أدت مجموعة من الأسباب المتداخلة لظهور أزمة المياه والكهرباء على السطح فى إيران، والتى تجلى أبرزها فى تفاقم ملفات الفساد فيما يتعلق بشئون المياه والبيئة، واتجاه الحرس الثورى لتحويل مجارى عدد من الأنهار، مما تسبب فى زيادة حدة الجفاف داخل الدولة، سيما فى المناطق التى تقطنها الأقليات غير الفارسية مثل «الأحواز».
فطبقًا لإحصائيات منظمة الأرصاد الجوية الإيرانية، شهد إقليم الأحواز خلال ثلث أيام السنة عواصف ترابية هائلة؛ وبلغ معدل التلوث خلال بعض هذه العواصف ٦٦ ضعفًا أعلى من الحد المسموح به صحيًا.
فى السياق ذاته، لا تعيد إيران تدوير المياه لاستغلالها مرة أخرى، رغم أنها من أهم العمليات التى ينبغى أن تقوم بها كل الدول لاستخدامها فى الأغراض الأخرى غير الشرب، مما أدى لنقص معدل المياه الصالحة للاستخدام الآدمي.
كما تعد إيران من أعلى الدول عالميًا فى معدلات الاستهلاك المائي، لا سيما المياه الجوفية؛ حيث تعد الجمهورية الإسلامية ضمن ثلاث دول استهلكت أكثر من ٤٠٪ من مياهها الجوفية، فضلًا عن ارتفاع معدل المواليد والتوزيع الديمجرافى غير المتساوى داخل المدن.
على صعيد آخر، تعانى إيران ارتفاعا نسب الجفاف، فقبل ٢٥ عامًا كانت بحيرة «أرومية» من أكبر البحيرات المالحة فى الشرق الأوسط، لكنها تبخرت فى غضون عقدين من الزمان، وبات شأنها شأن عديد من البحيرات الإيرانية الغنية بالنفط والفقيرة بالمياه.

نشاط البيئة
أقر عديد من المحللين، بأن نصف عدد المتظاهرين منذ بداية عام ٢٠١٨، كانوا من المزارعين؛ حيث تعانى إيران شحا مائيا فى مناطق مختلفة، أدى إلى تذمر المزارعين على خلفية عدم وصول المياه إلى أراضيهم. وأشار المزارعون إلى أن سبب الأزمة يتمثل فى سوء الإدارة والفساد المتفشى داخل البلاد. واتهموا المسئولين المحليين بتحويل مجارى الأنهار مقابل تلقى بعض الرشاوى.
وقامت قوات الشرطة بقمع هذه التظاهرات، وبسبب النقص الحاد فى كمية المياه الموجودة فى المناطق الزراعية، هاجر للبحث عن عمل آخر. وينادى خبراء الزراعة فى إيران بضرورة تطوير أنماط جديدة للرى لتقليل كمية المياه المهدرة، فضلًا عن عدم وجود خزانات لحفظ مياه الأمطار، بما يمكن من استخدامها وقت الحاجة.
على خلفية هذه الأزمة، شنت الدولة الإيرانية حملة ضد نشطاء البيئة؛ وتم اعتقال مدير الصندوق الفارسى لتراث الحياة البرية «كاووس سيد إمامي»، وستة آخرين من المدافعين عن البيئة، بسبب تنديد النشطاء بسياسات الجمهورية الإسلامية فى هذا المجال.

مآلات الأزمة
ألقت الأزمة بظلالها على الوضع داخل إيران وستؤدى إلى تداعيات خطيرة على المدى الطويل، فضلا عن نتائجها التى طالت بعض الدول المجاورة مثل العراق، وأدت ندرة المياه فى المناطق الزراعية إلى موجات كبيرة للهجرة من قبل المزارعين من الريف للمدينة؛ حيث تعد إيران حاليًا من أكثر دول العالم جفافًا، وتحولت مدن بأكملها إلى صحراء جرداء، وبالتالى، انتقال الملايين إلى المدن الإقليمية، فضلًا عن تصاعد الاستياء بين الشباب، مما أدى لموجات كبيرة من الاحتجاجات.
كما سيؤدى تغير المناخ لجعل إيران أكثر جفافًا، وفى هذا السياق، أقر وزير الزراعة الإيرانى السابق «عيسى كالانتاري» أن ندرة المياه، إذا تُركت دون مراقبة، ستجعل إيران أكثر جفافًا، مما يؤدى لهجرة ٥٠ مليون إيرانى داخل البلاد وخارجها. وستؤدى ظاهرة الهجرة إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة بالفعل.
كما أدت أزمة المياه والكهرباء لتصاعد موجات كبيرة من التظاهرات داخل الجمهورية الإسلامية، لا سيما فى المناطق التى تعانى نسبة كبيرة من الجفاف؛ حيث تشير الأرقام الصادرة عن وكالة الطاقة الإيرانية إلى أنه تم استنفاد موارد المياه الجوفية بالكامل فى محافظات مثل فارس، خراسان الجنوبى وأصفهان، فضلًا عن انخفاض احتياطى مياه السدود فى إيران من ٢٥٪ إلى ٥٠٪ مقارنة بالعام السابق.
بالتزامن مع المشكلات الأخرى التى تعانى منها الجمهورية الإسلامية المتمثلة فى الخروج الأمريكى من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات مرة أخرى، فضلًا عن المشكلات الداخلية التى تواجه الحكومة، تأزم الوضع الداخلى كثيرًا، مما أدى لاتهام المتظاهرين للحكومة بعدم السعى لحل أحد أبرز المشاكل التى تواجههم، بل والعمل على إخماد الأزمة من خلال استهداف نشطاء البيئة.

كما ألقت الأزمة بظلالها على الوضع فى العراق؛ الذى بات يعانى أزمة كبيرة، على خلفية قطع طهران لشرايين الأنهار الواصلة بين البلدين، مما تسبب بقطع المياه عن مناطق عراقية عديدة وانخفاض منسوب المياه بدرجة كبيرة لا سيما، فى إقليم كردستان.
فى السياق ذاته، عملت إيران على تغيير مجرى مياه الأنهار المغذية لنهر دجلة إلى أنهر وخزانات جديدة داخل أراضيها، ضمن خطة لقطع المياه المتدفقة إلى الأراضى العراقية؛ حيث قطعت طهران المياه عن نهرى «الوند» المار عبر مدينة خانقين (فى محافظة ديالى شمال شرق بغداد)، فضلًا عن نهر «الزاب» المار خلال مدينة السليمانية.
كما قامت تركيا بملء سد «إليسو»، مما انعكس مباشرة على انخفاض مناسيب الأنهار لدى الجانب العراقي. وتتفاقم الأزمة فى جنوب العراق؛ حيث بات الجفاف على مياه الشرب والري، كما يتضاعف الخطر فى ظل غياب سياسات جادة من قبل الحكومة لمجابهة الأزمة. تركزت الاحتجاجات الناتجة عن أزمة المياه داخل الجمهورية الإسلامية فى منطقة الأحواز وأصفهان؛ حيث اتُهمت الدولة بتغيير مسارات الأنهار فى الأحواز إلى محافظات أخرى، مما أدى للإضرار بالبيئة. وانتقد البرلمانى «حسن كامران» وزير الطاقة «رضا أردكانيان»، بعدم تطبيق قانون توزيع المياه بشكل صحيح مما أدى إلى هجرة العديد من المزارعين لمنازلهم، لأن ذلك من الممكن أن يؤدى إلى إصابة الكثير من الأحوازيين بالأمراض السرطانية والجلدية نتيجة التلوث والعواصف الترابية.
وترى قيادات الأحواز أن ما يحدث من تحويل لمنابع الأنهار، ليس نتاجًا لعدم الكفاءة، وإنما هى سياسة متعمدة من جانب الحكومة للتطهير العرقى على المدى الطويل، يهدف لتغيير التوازن الديمجرافى فى المنطقة. وأدت البرامج الحكومية فى محافظة الأحواز إلى زيادة مستوى الملوحة فى الأنهار بنسبة ٢٥٪، مما جعل المياه سامة للكائنات البحرية وغير صالحة للشرب فى نفس الوقت، فضلًا عن كونها عديمة الفائدة لرى المحاصيل.
ختاما: باتت أزمة المياه والكهرباء من أكثر القضايا الدالة على فشل الحكومة الإيرانية فى تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. وسيكون للبرامج الممنهجة من قبل الدولة بتحويل مجارى الأنهار من الأحواز، تداعيات سلبية فى المدى الطويل على مستقبل العلاقة فيما بين الجمهورية الإسلامية والأقليات، بالتزامن مع المشكلات الاقتصادية الناتجة عن الخروج الأمريكى من الاتفاق النووى وإعادة فرض العقوبات.