الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"ماكرون".. "سيد الإليزيه" تحاصره المشاكل الداخلية والتحديات الخارجية.. الوحدة الأوروبية وصعود "اليمين المتطرف".. ملفات شائكة في مواجهة الرئيس الفرنسي.. يجتمع بـ250 دبلوماسيا في "أسبوع السفراء"

الرئيس الفرنسى «إيمانويل
الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يسعى «سيد الإليزيه» لاستعادة مكانة فرنسا الدولية، من خلال تحديد أولويات سياستها الخارجية، وتوجهاتها وفقًا للمصلحة الوطنية لباريس، التى تقتضى التحرك فى كافة الاتجاهات والتنسيق والتعاون مع الحلفاء لإدارة الملفات الشائكة، النابعة من المتغيرات الدولية والإقليمية المتلاحقة التى تكاد تعصف ببعض النظم السياسية. لذا يعد «ماكرون» من أهم القادة الأوروبيين المؤمنين بالوحدة الأوروبية، فبتوليه الرئاسة فى مايو 2017 مثل بداية جديدة لباريس، وباقى دول الجوار الجغرافى، التى باتت تعانى من صعود القوى اليمينية المتطرفة، فضلًا عن تراجع بعض القوى الأوروبية عن المشهد السياسي، مثل بريطانيا لانشغالها بالتفاوض على إجراءات الخروج من الاتحاد، بالرغم من دعم المستشارة الألمانية «إنجيلا ميركل» إلا أنها غارقة فى أزماتها الداخلية.

فى هذا السياق، إنطلق «أسبوع السفراء» بحضور ٢٥٠ دبلوماسيًا وخبيرًا فى العلاقات الدولية بقصر الإليزيه، الذى ينعقد للمرة ثانية؛ حيث انعقد للمرة الأولى برئاسة «ماكرون» فى ٢٠١٧ تحت عنوان (تجديد عمل فرنسا فى عالم متقلب) بحضور نحو ٢٠٠ سفير فرنسى لتقويم السياسية الخارجية وتحديد أهم أولوياتها خلال العام المقبل. 
يأتى هذا الحدث بالتزامن مع تراجع شعبية الرئيس الفرنسي، إلى أدنى معدل لها؛ حيث وصلت إلى ٣٤٪ خلال أغسطس ٢٠١٨، متراجعًا بنسبة ٥ نقاط عن شهر يوليو، و١٨ نقطة منذ يناير ٢٠١٨، وفقًا لاستطلاع المعهد الفرنسى للرأى العام. 
ومن المتوقع أن تستمر شعبيته فى التدهور، على غرار إصدار قانون العمل الجديد، الذى اعتبره البعض انقلابا اجتماعيا، نابعا من النهج الاقتصادى والاجتماعى الذى تمثله سياسات ماكرون، بالإضافة إلى حادثة «ألكسندر بينالا» المساعد والحارس الخاص لماكرون، الذى كان قد قام بالتعدى على المتظاهرين خلال تظاهرة للتنديد بقانون العمل فى شهر مايو ٢٠١٨.

بجانب استقالة وزير البيئة «نيكولا أولو» خلال مقابلة إذاعية، بشكل مفاجئ للرئيس الفرنسى ورئيس الوزراء، اللذين لم يعلما مسبقًا بأمر الاستقالة، التى جاءت نتيجة عدد من الإحباطات المتتالية التى تعرض لها إبان محاولته المستمرة فى التعاطى مع التغيرات المناخية والتهديدات البيئية، علاوة على تنامى قوة جماعات الضغط على قرارات الحكومة الخاصة بالتعامل مع التغير المناخي، التى تجلت فى إعلان الحكومة تخفيف القيود المفروضة على الصيد. 
لذا تُشكل هذه الاستقالة ضربة موجعة للحكومة الفرنسية التى ما زالت تواجه تحديات داخلية فى وضع ميزانية لعام ٢٠١٩ جراء تراجع النمو الاقتصادى التى تكاد تعصف بحكم «ماكرون».

فى المقابل؛ تعتزم المعارضة تحويل الانتخابات الأوروبية فى مايو ٢٠١٩ إلى استفتاء على استمرار «ماكرون»، كما أكد «جان لوك ميلانشوف» زعيم اليسار المتشدد، الذى دعا سابقًا إلى الخروج فى مسيرات ببعض المدن الفرنسية، داخل العاصمة باريس احتجاجًا على السياسات الداخلية التى ينتهجها، على أهمية أن يثبت الرئيس الفرنسى أن جهوده الخارجية تتوافق مع المصلحة الوطنية للفرنسيين بشكل مباشر.
ركز «ماكرون» على عدد من الملفات الدولية الشائكة التى أصبحت محل خلاف بين الفرقاء الدوليين، خاصة فيما يتعلق بالملف الإيرانى والسورى والليبي، إلى تحديات الأمن الأوروبى فى أعقاب «أسبوع السفراء» على عدة نقاط أبرزها: «الأزمة السورية؛ محذرا من الوضع المقلق فى سوريا، ومن استمرار بقاء النظام السورى لما له من تداعيات عميقة على الوضع الإنساني، واعتبر تواجده فى المستقبل بـ «خطأ فادح»، كما أعرب عن مخاوفه من «معركة إدلب» المحتملة التى من الممكن أن تتسبب فى أزمة إنسانية جديدة خاصة وإنه لا يُبدى أى رغبة بشأن التفاوض لبحث سبل التسوية السلمية. 
على صعيد الأزمة الليبية؛ أوضح الرئيس الفرنسى عن رغبته فى الاستمرار فى مباحثات التسوية السلمية بين الفرقاء الليبيين، مؤكدًا على أن دور باريس يكمن فى عودة الاستقرار إلى الأراضى الليبية، من خلال تطبيق اتفاق باريس الذى تم توقيعه فى مايو ٢٠١٨، لأنها أصبحت مسرحًا ومجالًا للتنافس بين القوى الخارجية.
وعلى صعيد «أمن أوروبا المشترك» يرغب «ماكرون» فى مواجهة التحديات والتهديدات التى تواجه الاتحاد الأوروبى وخاصة فيما يتعلق بتعزيز الأمن داخل القارة، مرتكزًا على المقدرات الأوروبية بدلًا من الاعتماد على الحلفاء الاستراتيجيين، وفى مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، موضحًا أنه سيعلن عن مقترحات خاصة بإعادة النظر فى حماية أمننا، فى وقت عادت فيه الحركات القومية والتطرف والعنف بشكل أقوى. 
أما على جانب التعاون مع روسيا؛ فى سياق حديثه عن تعزيز الأمن داخل القارة، فأوضح «ماكرون» أهمية التعاون مع موسكو لضمان الاستقرار بجانب الشركاء الأوروبيين، فـ «ماكرون» المعارض للنهج الروسى فى توجهاته الخارجية تجاه دول القارة وخاصة «أوكرانيا»، أدرك مدى أهمية الدور الروسى فى المنطقة وخاصة مع استمرار العلاقات التصادمية بين واشنطن والاتحاد الأوروبى فى إدارة الملفات العالقة بينهم. 
وعلى صعيد التعاطى مع «البريكسيت» أكد أهمية أن يتوافق الاتحاد الأوروبى مع بريطانيا حول شروط الخروج، موضحًا أولوية الوحدة الأوروبية بالنسبة له، وأكد أن فرنسا تود الاحتفاظ بعلاقاتها مع بريطانيا قوية برغم من أن «البريكسيت» اختيار مستقل يجب احترامه، ولكن ليس على حساب الوحدة الأوروبية. 

وعن انضمام تركيا لـ«لاتحاد الأوربي» دعا «ماكرون» إلى التعامل مع «أنقرة» بدون نفاق وخاصة فيما يتعلق بانضمامها إلى الاتحاد، كما اقترح التعامل معها فى سياق «شراكة استراتيجية»، معتبرً أن المشروع الذى ينادى به الرئيس التركي، هو مشروع «إسلامي» حيث تتعارض إجراءاته مع المبادئ الأوروبية، فى المقابل أوضح وزير الخارجية التركى «حامى أكسوي» أن تصريحات ماكرون تكشف عن أنه بعيد عن فهم الحقائق المتعلقة بأنقرة.
وعلى التحرك الخارجى لإصلاح المنظومة الأوروبية، يبدأ «ماكرون» جولته الأوروبية التى تستمر لمدة ثلاثة أيام، تشمل كلا من الدنمارك التى تمثل الوجه الأولى له؛ حيث تعد الزيارة الأولى من نوعها يقوم بها رئيس فرنسى منذ ٣٦ عامًا، وفنلندا التى تعد أيضًا الزيارة الرسمية لرئيس فرنسى منذ ١٩ عامًا، من أجل طرح مقترحات خاصة بتطوير وإصلاح المنظومة الأوروبية وخاصة فى مجال الدفاع والأمن استنادًا للمقدرات الأوروبية.
تبرز أهمية الزيارة فى رغبة «ماكرون» فى مناقشة المواقف والقرارات غير المتوافقة مع الفرقاء الأوروبيين، مثل الدنمارك وفنلندا، التى رفضتا المقترحات الفرنسية المتعلقة بإقامة موازنة موحدة لمنطقة اليورو، وتوحيد النظام الضريبي، مطالبين مع سبع دول أخرى فى منطقة اليورو بإنشاء اتحاد مصرفى وضبط الموازنات العامة لباقى دول المنطقة. 
بجانب محاولة تقارب وجهات النظر حول ملفات الهجرة، على وجه التحديد، ففى الوقت الذى تقيم فيه الدنمارك مراكز لإيواء اللاجئين الممنوعين من دخول أوروبا وتقدم لهم المساعدة، خاصة القادمين من أفريقيا، تنتهج فنلندا سياسة أكثر حزمًا نتيجة صعود القوى الشعبوية، التى ساهمت فى مراجعة سياسات الهجرة بعد تنامى موجات الهجرة واللجوء بشكل غير نظامي.
ختامًا؛ يواجه الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» تحديات داخلية وخارجية تكاد تهدد مستقبله السياسي، لكنه ما زال مستمرا فى الصمود، من خلال استعادة شرعيته من توجهاته الخارجية والداعمة لاستقرار القارة، بالتعاون مع الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين لمواكبة التطورات المتلاحقة. 
لذا فمن المتوقع استمرار حالة الجدل الداخلى وخاصة من قبل اليسار المتشدد والقوى اليمينية، التى تحاول الخروج على سياسات «ماكرون» بحجة أنها غير متوافقة مع مصلحة الفرنسيين، كما أنها ستستغل استقالة وزير البيئة للترويج لفشل حكومته فى إدارة البلاد بكفاءة وفعالية.