الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الكاميرا في المدارس الحكومية البعيدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الكاميرا فى المدارس الحكومية أصبحت ضرورة لا جدال فيها. فهى عين ثالثة وذاكرة لا تغفل حدثًا إن استثنينا التعطيل عن عمد أو انقطاع التيار الكهربى، وهى حكم عدل ليس لديه قلب يميل أو ضمير يشترى وليس لأحد عليها جمايل عشان تردها فتكذب، الكاميرا لا تتجمل لأحد. إنها ضابط الأمن الذى يقتنص من يقفزون من فوق الأسوار وترحب بمن يدخلون من البوابات ومن يسيرون بالقرب منها إن وضعت بالخارج. الكاميرا تلتقط التلاميذ الذين يخرجون بين الفترات الدراسية ومن يهربون إلى الحديقة أو إلى الفناء كأماكن يجيدون التخفى فيها بشكل طبيعى، حينما يرون المشرفين. الكاميرا فى غرف المدرسين والمدرسات وغرفة المدير، غرفة التربية الاجتماعية وغرف الإداريين. لست مهووسة بالكاميرا ولا أراها ترفًا فى مدارسنا الحكومية التى قد ينقصها العديد من الخدمات التى قد تكون أكثر أهمية عند البعض لكنى بعد هذا المشوار الطويل فى مجال التربية والتعليم أعى جيدا ما أقول. هناك العديد من الحوادث التى شاهدتها على مر السنوات وتكرر حدوثها للأسف بشكل اعتيادى، كأن يهجم أولياء أمور على مدرسة ما أثناء الامتحانات بالقوة. أو يدخلون فعلًا لحل مشكلة ما قد تعن أو أمر يخص ابنهم أو ابنتهم ولا يعجبهم الأمر فيقومون بقلب المنضدة على المدرسة ويخرجون لعمل محاضر فى أقسام البوليس ضد المدرسة أو ضد أعضاء هيئة التدريس بها هذا إذا افترضنا أن الرجل اكتشف مصيبة ما أو حمقًا ارتكبه الطالب أو الطالبة وسيدينه حتمًا فيؤثر السبق بالشكوى بدلًا من الاعتذار أو خوفًا من تلقى ابنه عقوبة رادعة وفق اللوائح والقوانين. وبذلك يضمن تسوية الأمر فيما بعد مع المدرسة. ناهيك عن استمرار قلة من المدرسين فى ضرب التلاميذ كنوع من التأديب أو القصاص لأنفسهم من سخافة ضايقهم به. قد يعترض البعض على ما يقرأوه الآن أو يتهمنى بالمبالغة لكنى أكتب عما مر فى حياتى الوظيفية فى مدارس ريفية، بعيدة عن المدينة يعتمد الأمر فيها على صلات النسب والمصاهرة ومعرفة بعضهم البعض وكثيرًا ما ينتهى الأمر بجلسة عرفية أو زيارة منزلية لأهل الطالب. لست ضد ذلك بالمناسبة. إنما كتبته لأدلل على كلامى. رأيت فيما رأيت من سنوات بعيدة أحد المدرسين المتشددين دينيًا يضرب البنات الصغيرات بالخرطوم على أجسادهن وأكفهن الصغيرة وذات مرة ضرب طفلة بالصف الأول الإعدادى، لأن خصلة من شعرها الناعم سقطت من تحت إيشاربها يومها لم أطق الأمر وتشاجرت معه كأنها ابنتى كانت الطفلة يتيمة ومزقت قلبى. لدرجة أننى هددته بأنى، سأبلغ عنه وأن عليه أن يراجع طبيبًا نفسيًا أو يبتعد تمامًا عن البنات. لا أنكر أن العديد من الأهالى قاموا بالشكوى منه لإدارة المدرسة أكثر من مرة، لكن الأمور كانت تهدأ تحت سطوة النسب والخوف من قطع العيش. تهدأ دون أن تصل إلى الشئون القانونية ثم يتكرر الأمر للأسف. لا أعلم أين هو الآن فقد انتقلت أنا إلى مدرسة أخرى، ولم ينتقل هذا النموذج من ذاكرتى إلى حيز النسيان. كما لم ينتقل هجوم بعض الأهالى على إحدى المدارس لتهديد وضرب إحدى المدرسات وعمل محضر لها، لأنها قامت بعمل محضر لابنهم الذى تعدى على نجلها بالموس لسرقة تليفونه، وهو يسير آمنًا فى طريقه ليلًا وأحدث إصابات تطلبت تجميلًا. المضحك فى الأمر أن إدارة المدرسة وقتها رفضت أن تقوم بعمل إثبات حالة أو تعطى هذه المدرسة ما يثبت تهجمهم لتستطيع أن تأخذ حق ابنها وساهموا فى ضياعه فيما بعد فى المحاكم وفر الجانى. فقط لأن المعتدين كانوا جيران ومعارف لمن قابلوهم فى المدرسة من إدارتها، ولم تكن المدرسة قد حضرت بعد. كما أننى حضرت أزمة اعتداء زميل على زميلة بالضرب، لأنها منعته من الاعتداء على طالب أثناء تأدية الامتحان، لأنه كان قد تشاجر مع ابنه. هذا غير اعتداءات بعض الطلاب فى كل عام على المدرسات، فى مدارس البنين -تحديدًا- بالسب أو التطاول اللفظى فى مواقف تستوجب الحزم والتوجيه التربوى. ناهيك عن حدوث شجارات أو مشادات بين أفراد من هيئة التدريس حول تقسيم العمل أو توزيع الجداول أو مجاملة البعض من المدرسين الرجال بوضع حصصهم فى بداية الدوام ليحتفطوا ببعض اللياقة اللازمة للدروس الخصوصية فى آخر اليوم، بينما تترك حصص آخر اليوم المجهدة للسيدات أو غيرها مما يكثر حدوثه، حينما تكون قبضة الإدارة مرتعشة أو ضعيفة أو مكبلة، فالمدارس مثل البيوت لا يعرفها إلا ساكنوها من يحيون فيها لسنوات والعابرون مهما كانوا حصيفين فى نهاية الأمر هم غرباء وعين الغريب كليلة. حضرت العديد من هذه المواقف كنت شاهدًا رأى وسمع أو نصف شاهد سمع دون أن يرى. أكثر ما كان يستفزنى هو صمت الشهود والانسحاب عامدين حتى لا يخسر الطرفان من زملائهم إلى أن ينسى الجميع بفعل الأيام والانشغال أو يتم الصلح الذى هو الجبن بعينه لأحد الطرفين. من هنا تكون الكاميرا، شاهدًا محايدًا لا يأبه بخصام أحد. لأن قلبها حديد وعينها زجاج. من هنا تكون الكاميرا وقاية وعلاج وإصلاح لأنها تنقذنا وتنبهنا وتمنع الكثير من الجرائم الأخلاقية والنفسية ما يمكنه أن يسهم بشكل كبير فى انتظام دولاب العمل دون مخاوف والحفاظ على بيئة تعليمية نحلم بها.