الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإخوان ودماء عبدالناصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
العلاقة بين الإخوان المسلمين والرئيس جمال عبدالناصر لم تكن على ما يرام، فكلٌ منهما كان يرى خطرًا على مشروعه من الآخر؛ فبينما كان يسعى «عبدالناصر» لتحرير الوطن العربي من الاستعمار الأجنبي، كانت «الجماعة» تسعى لإعادة «الخلافة الإسلامية» التي سقطت في العام 1924، وكانت ترى نفسها «التنظيم» الوحيد المؤهل لقيادة الجماهير والجديرة بهذه المهمة التي برر من خلالها المؤسس الأول حسن البنا نشأة التنظيم بأنها خطوة في عودة الخلافة من جديد.
منذ اليوم الأول لقيام ثورة 23 يوليو عام 1952 وجماعة الإخوان المسلمين تريد فرض إرادتها على السلطة الجديدة باعتبارها «التنظيم» الأقوى في الشارع بعد مرور 25 عامًا على نشأتها، حتى صار الاجتماع الشهير للرئيس جمال عبدالناصر بكامل أعضاء مكتب الإرشاد ومرشد الجماعة آنذاك المستشار حسن الهضيبي، وطلب الرئيس حل النظام الخاص للإخوان «الذراع العسكرية للجماعة» لعدم وجود مبرر لاستمراره بعد قيام الثورة، والانخراط في العملية السياسية والمشاركة في الحكم إلا أن «الجماعة» رفضت!
ظلت علاقة «الإخوان» و«عبدالناصر» على توترها، إلا أنها أخذت قرارًا باغتيال الرئيس فيما يمكن أن نطلق عليه انقلابًا سياسيًا على السلطة الوليدة، محاولة اغتيال يليها الاستيلاء على السلطة أو التمهيد لاعتلائها.. قررت «الجماعة» أن تقتل الرئيس بميدان المنشية بمحافظة الإسكندرية أثناء احتفاله بالانسحاب العسكري البريطاني بمعاهدة الجلاء في 26 أكتوبر عام 1952، حيث أطلقت «الجماعة» ثماني رصاصات على الهدف، أعقبها إصرار «عبدالناصر» على استكمال احتفاليته عندما قال بصوت متشح بالحزن: «فليبق كلٌ في مكانه أيها الرجال.. حياتي فداء لكم، دمي فداء لكم، سأعيش من أجلكم وأموت من أجل حريتكم وشرفكم».
محاولة اغتيال «عبدالناصر» لم تكن جنائية فقط وإنما كانت معنوية أيضًا، حيث حاولت «الجماعة» عبر آلتها الإعلامية وأتباعها عبر المراحل التاريخية اغتيال أي إنجاز قدمه خصمها اللدود «عبدالناصر»، ولم تتعامل مع هذه الفترة الزمنية بحيادية وإنما اعتبرتها أسوأ ما مر على مصر، رغم أن قطاعًا عريضًا من الشعب انتموا بأفكارهم لهذه الحقبة التاريخية وهم جزء من الوطن لا يمكن التقليل منهم ولا من إسهاماتهم.
العلاقة المتأرجحة بين «الإخوان» و«عبدالناصر» ذهبت لأبعد من مجرد الاغتيال الجنائي والمعنوي للأخير، فقد نشرت «الجماعة» عشرات الكتب والرسائل غير الموثقة التي تؤكد خلاف الحقيقة بأن «الإخوان» ليس لهم علاقة بدماء «ناصر»، وأن ما حدث في المنشية جزء من مسرحية أراد من خلالها الأخير أن يكتسب شعبية جديدة ويبرر من خلالها إجراءاته ضد «الإخوان» و«الشيوعيين» في ذلك الوقت.
وثقت «الجماعة» الاستدلال بعدم وجود علاقة بين إطلاق النار على «عبدالناصر» و«الإخوان» بأنها كانت تستطيع قتله من خلال أحد حراسه «إسماعيل الفيومي»، كما تُشير أدبيات «الجماعة» التي أكدت انتماءه «للتنظيم» حيث عرض على مرشدها قتل «عبدالناصر» فرفض، كما ربطت «الجماعة» بين إجراءات «عبدالناصر» الاستثنائية وعدم جدية الواقعة من حيث الزمان والمكان بأنها مفبركة، وظلت الاتهامات تراود «الجماعة» وهي تنفيها حتى اعترف أحد قادة الإخوان بعلاقة «الجماعة» بحادث إطلاق النار على «عبدالناصر» في المنشية بعد 64 عامًا من واقعة محاولة الاغتيال.
قال عصام تليمة، في تغريدة له: إن مرشد الإخوان مأمون الهضيبي كان يعرف مَن أطلق النار على عبدالناصر في حادث المنشية وأنه حي يرزق ومستشيخ «حسب قوله»، وتفاصيل أخرى يعرفها «المرشد» ولكن أغلقت أفواه الناس عنها بأمر صدر من المستشار مأمون الهضيبي"، يستطرد تليمة، وهو أحد قادة الجماعة على المستوى الفكري والشرعي والتنظيمي أيضًا: أنه كان شاهدًا على منع مرشد الجماعة أشخاصًا كانت شهادتهم مهمة وهو نفسه قال إنه يعرف من أطلق الرصاص على عبدالناصر، ولكنه لم يفصح عن الاسم وألزم غيره بذلك.
دلالات وجود علاقة بين «الإخوان» ومَن أطلقوا النار على الرئيس جمال عبدالناصر واعتراف أحد قادة الجماعة بذلك بعد أكثر من نصف قرن، وهو من المحسوبين على التيار الإصلاحي، دليل جديد على عنف «التنظيم» ودور «الجماعة» في الردم على الحقيقة والتاريخ، فمرشد «الجماعة» وهو أعلى سلطة في الجهاز التنفيذي للتنظيم هو من كمم الأفواه حتى تغيب الحقيقة، فأي حقيقة إذن تريد «الجماعة» أن تمثلها وما حقيقة ما ذكره «تليمة».
الأمر يحتاج لمزيد من النقاش ليكشف «تليمة» عن مصادره بخصوص معرفة مرشد الجماعة لمن حاول أن يقتل «عبدالناصر»، وإصراره على عدم الكشف عن الحقيقة، أو ترد «الجماعة» على اتهامات «تليمة» لمرشد الجماعة الأسبق الذي غيّب الحقيقة عن عمد.