الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"مصر - إثيوبيا".. تقارب جديد في مفاوضات "سد النهضة".. تعاون بين البلدين لحل أزمة المياه.. والتنسيق المسبق يجيب عن الأسئلة المثارة حول زيارة وزير الخارجية ورئيس المخابرات لـ"أديس أبابا"

مفاوضات «سد النهضة»
مفاوضات «سد النهضة»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اختتم وزير الخارجية «سامح شكري»، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء «عباس كامل»، زيارة رسمية إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، كان قد سبق الإعداد لها منذ فترة، فى سياق استكمال المفاوضات الجارية بشأن سد النهضة الإثيوبى، إلى جانب بحث عدد من القضايا الثنائية المشتركة. 

وتصادف توقيت الزيارة مع المؤتمر الذى عقده رئيس الوزراء الإثيوبى «آبى أحمد»، والذى كشف خلاله عن صعوبات تواجه إتمام بناء السد، ما أثار تكهنات حول ثمة علاقة بين زيارة المسئولين المصريين وتصريحات «آبى أحمد»، وهو ما نفته الخارجية المصرية فى بيان لها، أوضحت خلاله أن زيارة «شكري» و«عباس» تستهدف نقل رسالة شفاهية من الرئيس «عبدالفتاح السيسي»، تعكس توجه ورغبة مصرية نحو حلحلة المفاوضات بين الجانبين، لا سيما بعد أن شابها قدر من الجمود خلال الفترة الماضية، نتيجة لتعنت الموقف الإثيوبى ورفضه أى ملاحظات يبديها الجانب المصرى فى هذا الصدد. 

يوم السبت الموافق ٢٥ أغسطس ٢٠١٨، عقد مؤتمرًا صحفى لرئيس الوزراء الإثيوبى «آبى أحمد» بالعاصمة أديس أبابا، وارتكز المؤتمر بالأساس على نقطة رئيسية تتعلق بتطورات الوضع بشأن سد النهضة، وكشف «آبى أحمد» خلاله عن معوقات عدة تسببت فى عرقلة اتمام بناء السد، بينما تجسدت أبرز المعوقات فى الشركة المسئولة عن المشروع، حيث استهجن رئيس الوزراء فشل شركة «ميتيك» التابعة لقوة الدفاع الإثيوبية فى إتمام المشروع الذى كان من المقرر الانتهاء منه خلال عام ٢٠١٨، وجاءت انتقادات «آبى أحمد» للشركة نتيجة عدم امتلاكها الخبرة الكافية التى تؤهلها للعمل فى المشاريع الكبيرة.
كما اتهم «آبى أحمد» الشركة بعدم الامتثال إلى الخطة التى وضعها عقب توليه منصبه مباشرة، والتى تضمنت توجيهات وتوصيات تتعلق بسير العمل فى السد، بينما لم تنفذ الشركة أى منها، ما دفعه لإصدار قرار بإنهاء عقد الشركة، معلنًا فى الوقت ذاته عن مشكلات فنية فى تصميم السد، تسببت بشكل كبير فى عرقلة اتمام بنائه وتسليمه فى الوقت المحدد، وقد أدى التراجع فى أداء الشركة الإثيوبية إلى دفع شركة «سالينى الإيطالية» لسؤال الحكومة الإثيوبية بشأن حجم التعويضات المالية التى ترتضيها. وتجدر الإشارة فى هذا السياق إلى أن شركة «سالينى إمبريغيلو» الإيطالية هى المقاول الرئيسى فى مشروع بناء السد البالغة تكلفته خمسة مليارات دولار، بينما كانت «ميتيك» متعاقدة على القطاعات المعدنية الخاصة بالمكونات الكهروميكانيكية والهيدروليكية فى المشروع.
وفى سياق الحديث عن المعوقات، فإن مجموعة من العيوب الفنية التى سبق وأشارت إليها الحكومة المصرية فى بداية المفاوضات التى أعقبت الإعلان الإثيوبى عن المشروع، لعل أبرزها الموقع الجغرافى غير المناسب الذى تم اختياره لإنشاء السد. فالسد تم بناؤه على بعد خمسة كيلومترات من الحدود الإثيوبية السودانية، فيما لا تسمح الطبيعة الجغرافية لتلك المنطقة من تحقيق المنافع التى ادعتها الحكومة الإثيوبية لنيل الترحيب السودانى بالمشروع، حيث كشف عدد من الجيولوجيين عن صعوبة استمرار سد مائى بتلك المنطقة نظرًا لهشاشتها؛ ومن ثم انهياره على المدى القريب، يضاف إلى ذلك أن طبيعة البلاد الجبلية يصعب فى ظلها إنشاء شبكة كهرباء نظرًا لارتفاع التكلفة فى ظل الوعورة الجبلية التى تعانيها المنطقة، وفيما يتعلق بفكرة تصدير الكهرباء إلى الأراضى السودانية؛ فهو أيضًا أمر لا قيمة له لا سيما فى ظل افتقار السودان قاعدة صناعية تتطلب هذه الكهرباء، يضاف إلى ذلك صعوبة مد شبكة مياه مما سيتم تخزينه خلف السد إلى داخل الأراضى الإثيوبية نظرًا لانحدار الأراضى باتجاه السودان.

ردود فعل متضاربة 
كما أثارت تصريحات «آبى أحمد»، ردود فعل متضاربة ما بين الجانبين الإثيوبى والمصرى، حيث سادت حالة من اليأس بين صفوف الشعب الإثيوبى عقب اعتراف الحكومة الوطنية عدم إمكانية إكمال مشروع السد على المدى القريب، والذى كان الشعب يراه حلمًا قوميًا له، فيما كانت ردود الفعل المصرية أكثر تفاؤلًا وحذرًا من تصريحات «آبى أحمد»، والتى تبلورت أبرزها فيما ورد على لسان وزير الرى السابق «حسام المغازي» الذى أوضح أن تصريحات «آبى أحمد» جريئة، وتأتى فى إطار حسن النوايا والمكاشفة بين إثيوبيا ودول حوض النيل، مضيفًا أن مصر تقدر هذه الخطوة، ومشددًا فى الوقت ذاته على ضرورة استمرار التواصل والتباحث ما بين القاهرة وأديس أبابا للوصول إلى نقطة توافق تضمن مصالح الطرفين.
مكاسب مصرية
وتعتبر تلك التطورات بمثابة فرصة لمصر، للحصول على أكبر قدر من المكاسب التفاوضية، لا سيما فى ظل امتلاكها خبرات متراكمة فيما يخص الأمور الفنية والإنشائية؛ حال تقدمت إثيوبيا للجانب المصرى بطلب رسمى للمساعدة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من تجارب مصر الناجحة فى إنجاز مشروعات كبرى كالسد العالى وبناء قناطر جديدة تنتج طاقة كهربائية نظيفة، إلى جانب امتلاكها خبراء مخضرمين فى مجال الرى وما ينبثق عنها من تخصصات فرعية كحركة المياه والجيولوجيا، حيث يمكن أن تخلق تلك المقومات حالة تعاون ثنائى يمكن أن يتطور ليصل إلى مستوى أكثر تقدمًا فى العلاقة بين الجانبين يمكن أن تتبلور فى مشروع إقليمى يربط مصر كهربائيًا بإثيوبيا.
وعلى الجانب الآخر يرى سياسيون أن اعتراف أديس أبابا بوجود مشكلات فى تنفيذ مشروع السد كان أمرًا متوقعًا بل نوهت إليه السلطات المصرية منذ عدة سنوات، لا سيما فى ظل عجلة الجانب الإثيوبى فى إنجاز المشروع فى أقرب وقت.
وفيما يتعلق بتصريحات «آبى أحمد» الأخيرة؛ فلا بد من الإشارة إلى أنه سيكون لها انعكاسات إيجابية للقاهرة؛ من حيث إتاحة الفرصة لمزيد من المرونة وكسب مساحة أكبر فيما يتعلق بالتفاوض بشأن هذا الملف، ومع ذلك فعلى الجانب المصرى تحرى أكبر قدر من الموضوعية فى التعامل مع التصريحات، إلى جانب ضرورة الابتعاد عن الخضوع العاطفى لتصريحات «آبى أحمد»، والتمسك بالدبلوماسية البحتة والاستمرار فى المطالبة بالحفاظ على حصة مصر بمياه نهر النيل بما يحقق مصلحة الأمن القومى المصرى. بينما يرى سياسيون أن تصريحات «آبى أحمد» تعكس فى مضمونها فشل المشروع نهائيًا على خلفية المشاكل المادية والخدمية التى تعرض لها.

الأسباب الحقيقية وراء زيارة «شكرى» لأديس أبابا
زيارة وزير الخارجية «سامح شكري»، ومدير الاستخبارات العامة اللواء «عباس كامل»، يوم الاثنين الموافق ٢٦ أغسطس عام ٢٠١٨، إلى أديس أبابا، ارتبطت تكهنات عدة بشأن محاولة ربطها بتصريحات «آبى أحمد»، وهو ما دحضته الخارجية المصرية فى بيان لها أكدت خلاله أن زيارة وزير الخارجية «سامح شكري» ورئيس المخابرات العامة اللواء «عباس كامل» إلى إثيوبيا، تستهدف استمرار حلقة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق شامل بشأن أزمة السد، وكذلك الحرص على استمرار التواصل بين القيادتين السياسيتين لبحث القضايا الثنائية المشتركة، نافية فى الوقت ذاته أى صلة بين الزيارة وتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى الأخيرة.
وشددت على أن الزيارة كان قد تم الإعداد لها منذ فترة، وتزامنها مع المؤتمر الصحفى «لآبى أحمد» كان بمحض المصادفة. فيما لم تقتصر الزيارة على المفاوضات بشأن ملف سد النهضة، لكنها تضمنت برامج عديدة للتعاون بين الدول الثلاث، كبحث إمكانية تطوير الصندوق الثلاثى الخاص بإقامة مشروعات تنموية تخدم المصالح التنموية لمصر وإثيوبيا والسودان، إلى جانب بحث المشروعات الثنائية بين مصر وإثيوبيا التى تحتاج متابعة، فضلًا عن الأوضاع الإقليمية والتطورات فى منطقة القرن الأفريقى. 
ومن جهة أخرى فإن التحليلات المتتالية بشأن وجود علاقة بين زيارة «شكري»، وتصريحات «آبى أحمد» غير منطقية فقد انصبت تصريحات «آبى أحمد» على الجوانب والمشكلات الفنية التى عرقلت إتمام بناء مشروع السد، بينما لا يتصور أن تكون مناقشة الأمور الفنية من اختصاص وزير الخارجية أو مدير المخابرات، فيما تأتى هذه الزيارة فى سياق حرص السلطات المصرية على متابعة مسار العملية التفاوضية التى ما زالت مستمرة حتى الآن. 
وبذلك فقد أغلق بيان الخارجية المصرية الأبواب أمام أى تكهنات يمكن أن تضع الزيارة فى مسار بخلاف ما هو عليه. فالقاهرة تسعى باستمرار للبحث عن حلول مرضية للأطراف كافة للخروج من هذا المأزق، وهناك تطلع حقيقى نحو تعجيل التوصل لاتفاق بين الأطراف المعنية (مصر وإثيوبيا والسودان) بشأن السد، والدفع نحو تفعيل الاتفاقيات المائية الموقعة ما بين الدول الثلاث لا سيما مخرجات الاجتماع التساعى المنعقد فى مايو الماضى بأديس أبابا بمشاركة وزراء الخارجية والموارد المائية والرى، ورؤساء أجهزة المخابرات، والذى أسفر عن الخروج بتكليفات محددة تتعلق بتعجيل مسار الدراسات المشتركة، الذى يتضمن خطوات إكمال دراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للسد على مصر والسودان، ومحاولة الوصول إلى رؤية مشتركة تحقق مصالح الدول الثلاث وتكون داعمة للمسار الرسمى القائم. 
مستقبل التفاوض الإثيوبى المصرى
ورغم ما سبق فإن القاهرة تعلن مرارًا وتكرارًا استعدادها للتعامل مع كل السيناريوهات سواء فى حالة الانتهاء من إنشاء السد أو فى حالة إيقاف العمل بالمشروع. 
وستشهد الفترة المقبلة استمرارا للمفاوضات، حيث أفادت مصادر بأن الاجتماع المقبل سينعقد فى القاهرة، وستتم خلاله مناقشة نتائج التقرير الذى سيودعه المكتب الفنى للرد على التساؤلات والملاحظات الخاصة بالتقرير الاستهلالى، وهو ما سيتزامن مع استمرار المباحثات مع «المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية» المختصة بتقديم توصيات يمكن من خلالها إزالة الخلافات وتقريب وجهات النظر ما بين الدول الثلاث بشأن خلافاتهم حول الانعكاسات السلبية لبناء السد على الأمن المائى لكل منهم. 
وختامًا؛ يعانى مشروع سد النهضة أزمات عدة منذ تدشينه عام ٢٠١١، وقد تبلورت أخطر تلك العقبات عام ٢٠١٧ حينما تم الكشف عن تأخر وصول أجزاء كهروميكانيكية رئيسية فى المشروع، يضاف إلى ذلك وجود شبهات فساد تتعلق بجودة الأسمنت والخرسانة التى تم توريدها للسدّ، فى حين جاءت واقعة اغتيال مدير المشروع السابق «سيميجينو بيكيلي» وتعيين «أفريم ولد كيران» بدلًا منه لتضفى مزيدًا من الغموض حول مصير المشروع المائى، بينما جاءت تصريحات «آبى أحمد» الأخيرة لتؤكد أن السد لن يشهد النور على الأقل على المدى القريب. كل ما سبق يفرض على القاهرة العمل على استثمار الأوضاع الداخلية الإثيوبية والتطورات الأخيرة، لكسب مساحة تفاوضية أكبر للبت فى معالجة تلك الأخطاء الفنية فى السياق الذى يحقق مصلحة جميع الأطرف.