الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حواديت عيال كبرت «21».. «أنا وأبويا وضابط الشرطة»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن في نيتي أن أكتب اليوم «حدوتة»، فأنا في حالة مزاجية سيئة، كلما حاولت الخروج منها أعادوني إليها، وسبب الحالة كثير ممن حولي، فأنا أفعل ما أفعله في حياتي وفي عملي كله ابتغاء مرضاة الله لا أخاف من أحد ولا أخشى على رزق ولا أقبل أن يشكك أحد في ضميري، فالله حاضر في ذهني وقلبي دائما حتى في شربة الماء، خطواتي وحديثي ومعاملاتي مع الناس سواء أحسنوا أو أساءوا كلها لله، هكذا أخذت على نفسي منذ زمن بعيد أن أسلم أمري كله لله، لا أنازع أحد على رزق، ولا يُرهبني حزن ولا يستعبدني فرح، هذا ليس تصوفا بل مواقف عدة مررت بها في حياة وأدركت تماما أنه لا ملاذ ولا ملجأ سواه ولا أحد يملك ضرا ولا نفعا لأحد إلا بإرادته، ومادام أراد فعلي أن أقبل برضا ثم أدعوه بوجل وتضرع وخشية فيقر عيني بما أرضى.. وحتى لا أطيل عليكم سأسرد لكم بعض المواقف التي حدثت لي وجعلتني في هذا الحالة.. ولنبدأ اليوم بحكايتي أنا وأبي والضابط.
كان أبي رحمة الله عليه ممن وهبهم الله مالا وغرته الدنيا ووثق أن الحال معه لم ولن يتغير، وكان الدرس الرباني أن أفقده عقله تلك الثروة في لمح البصر، فاعتكف على حاله وخرج من اعتكافه بتوكيل رسمي لله، وبيقين منقطع النظير أن الله لن يخذله، كانت تلك الثروة خلفت ورائها العديد من القضايا والمشكلات المعقدة، التي احتار رجال القانون في حلها، وبات مؤكدا أن والدي بين عشية وضحاها سيقضي بقية حياته خلف القضبان، كانت الظروف أصعب مما يمكن وصفه بالكلمات، لكن لست أزكي أنفسنا، كان الإيمان بالقضاء يطلي جدران المنزل ويتمدد في كل الحجرات، كنا أنا وأبي وأمي وأشقائي ككتيبة مصلين نبدر سجاجيد الصلاة ولا نلٌمها، حتى بزغ فرج الله وبدأت حياتنا تحبو، في هذه الأثناء كنت أعمل مراقب مخازن في إحدى الشركات، وأكرمني الله ووفرت لوالدي فرصة حج عن طريق صديق «خدمة حجيج»، كان معه رخصة وسيسافر كسائق ويحج بيت الله، لتكون بداية جديدة ونهوض من عثراته، أنهينا الإجراءات عدا تصريح الأمن، ذهب والدي ليأخذه فأخبروه أنه مازالت عليه قضية «إيصال أمانة»، ولن يتمكن من السفر، هاتفني حينها على التليفون الأرضي وأنا ببهجة أسارعه القول: ها تمام يا حاج، لم أسمع صوت أبي حزينا طيلة حياته برغم كل ما مر سوى هذه اللحظة، صوت مخنوق يتلفظ أنفاسه بالكاد، ولا أدري من أين أتاني الثبات لأقول له: تعالى يا أبا بسيطة أنا هجيب التصريح، رد في لهفة وشغف: هتجيبه إزاي؟ بجد؟.. بحزم قلت له: إن شاء الله عيب عليك يا حاج.
جاء أبي إلى مقر الشركة، استقبله زملائي وأحضروا له ماء فقد كان الموقف اترسم على وجهه، بعدما هدأ قلت له استناني هنا هروح أنا أجيب لك التصريح، فور أن خرجت من المكتب بكيت ويعلم الله أنني أسرد ما حدث بكل صدق وأمانة، بكيت لأنني لم أكن أعرف أحدا غير كمسري القطار، وعامل البوفيه في الشركة، لم يكن لي وسطة ولا معرفة ولا سندا، ركبت الأتوبيس وأنا أردد: يا رب.. يا رب.. ساعة كاملة لم أنقطع عن البكاء وعن طلب العون من الله، وأن يجعلني سببا في رسم الابتسامة على وجه أبي، تلك الابتسامة التي حاولت جاهدا طيلة حياته ألا تفارقه، وصلت المصلحة، ودخلت للضابط فقال لي ما قاله لوالدي ففرت من عيني دمعة، وأجهشت بالبكاء، فربت عقيد الشرطة الذي لن أنساه على كتفي وقال لي: «يا بني دي تعليمات، السنة الجاية يخلص قضيته ويطلع إن شاء الله»، رددت: «يا عالم بالحال دي كانت فرصة أبويا في أشد الحاجة لها»، تعجب العقيد ودعاني إلى داخل مكتبه وقال لي: إيه الحكاية يا بني حكيت له كل شئ حتى وصلت إليه، وقلت له أنني أخبرت أبي حتى أزيل عنه الهم أنني تحدثت إلى مسئول كبير، وقال لي إن الأمر مقضي إن شاء الله، فتبسم العقيد وقال لي: بتكذب ليه ما قولتش لوالدك إنت ما تعرفش حد ليه؟ بدل ما تعشموا ويزعل أكتر،.. كنت قد هدأت وقلت للعقيد بثقة: «ما أنا كلمت ربنا طول الطريق ومادام ربنا هداني لهنا يبقى لا هيخيب عشمي ولا عشم أبويا»، صمت العقيد وقال لي انتظرني دقايق، وخرج من المكتب فرفعت وجهي للسماء وألححت على الله بالدعاء، فإذا بالضابط الإنسان يدخل وعلى وجهه ابتسامة ويعطيني التصريح في يدي ويقول لي: خذ هذا على مسئوليتي، لكن عدني أن يذهب والدك للحج وتحل أنت المشكلة وتأتي لي بـ«المخالصة»، بكيت بشدة من الفرح وأنا أقول شكرا يا رب.. شكرا يا رب.. شكرا يا رب.. شكرت الضابط وهممت بالانصراف فنادى عليّ: هو والدك فين؟ قلت له في الشركة اللي أنا بشتغل فيها في شبرا، قالي مسافة كبيرة فيه تليفون هناك؟ قلت له أيوا رقم المكتب، قالي طيب اتصل من هنا وفرح والدك.
ألوووو.. أيوا يا أبا.. لم ينبس ببنت شفاه، كان يوقن أنني لا يمكن أن آتي بالتصريح، فكررت ألووو.. يا أبا أنا جيبت التصريح.
وللحديث بقية