الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سيدي بشر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تلوح مياه البحر بلونها الأزرق المائل إلى البياض حيث أجلس اسفل مظلة بألوان قوس قزح تنعكس عليها أشعة الشمس البراقة استمتع برؤية البحر ومتابعة أمواجه الهادرة وهي تتطاير هنا وهناك فيبتعد طائر النورس إلى السماء.
في تلك اللحظة لا أعرف لماذا أسترجع ذكريات الطفولة تلك القابعة في ذاكرتي لا تغيب عنها أبدا، فعلى بعد كيلو مترات من هنا يقبع شاطئ سيدي بشر بمدينة الإسكندرية، تلك المدينة الساحرة التي شيدها الإسكندر الأكبر فكانت منارة الشرق، كل شيء هنا بسيط وجميل، أذكر تلك المرة التي اصطحبني أبي فيها لنشتري لباس البحر؛ حيث أتلفت القديم من كثرة السباحة وكنّا على عجل، وها أنا ذا الطفلة التي تحمل وجنتين ممتلئين الأمر الذي دفع الجميع لتلقيبي بأم الخدود، بالطبع كانت هناك ضريبة لذلك وهي الشد مرات والعض في مرات أخرى وقد اعتدت ذلك وقتها مما أصبح أمرا واقعا بالنسبة لي، أبي ينتظر على باب المحل يستعجلني ويصيح "ها جيه مقاسك؟" فقد كان قد ركن سيارته في الجهة الممنوعة، ها أنا ذا أحاول حشر لباس البحر بكل الطرق؛ حيث كان دائما مقاسي أكبر من سني نتيجة تناول الفطائر والحلوى وثمار المانجو العويس تلك التي كان جدي يجلبها لنا كل صيف، أخيرا اشترينا لباس البحر واستطعنا تفادي غرامة الوقوف بالسيارة في الممنوع، ما زلت أذكر لونه حتى الآن فهو ذا حمالتين رفيعتين مزركشتين بألوان عديدة وظهر مفتوح لقد أخذته وأنا في غاية السعادة وذهبت لأبلغ داليا أختي فكانت شريكة لحظات حياتي الجميلة ومغامراتي فكنا نسبح معا ونبني القلاع على الشاطئ وفي مرات أخرى كنّا نتشاجر على أي شيء وكل شيء قصة شعرنا وملابسنا وألوانها وقصاتها فكنا نسختين متطابقتين، كنّا نسبح حتى يصبح لوننا مثل ثمرة التمر الرطب عندما يطيب وكنّا سعداء للغاية لا نبالي ولا نعرف للصان بلوك وأشباهه طريقا نأكل ونعود للسباحة ولا نهتم لفورمة الساحل، أذكر بائع الفريسكا الذي حفظنا شكله عن ظهر قلب فكان يمر كل عام لا يتغير يرتدي قبعة حمراء اللون وشورتا بلون البحر، وكلما أتينا ألاحظ ظهور خطوط عريضة على وجهه ذات البشرة السمراء كنت أظن وقتها أنها خطوط الرمال أو ربما انعكاس الشمس والبحر وعندما كبرت أدركت أنها خطوط الشقاء، نأكل الفريسكا بالعسل فيضيع معها طعم ملح البحر الذي يظل عالقا في شفاهنا حتى نعود إلى المنزل حيث تقف أمي برفقة خالاتي في المطبخ لإعداد وجبة الغداء، كانت الوجبة دائما إما معكرونة مع الدجاج المشوي أو أسماك مشوية على الفحم بجانب بعض السلطة والأرز الصيادية نأكل كثيرا حيث جوع البحر قوي لا يقاوم ورائحة الطعام شهية للغاية تخترق خياشيمنا، ننام قليلا حيث لا يوجد وقت للنوم فالاستمتاع والسهر سيد الموقف نستفيق على أوراق الكوتشينة وبنك الحظ ولعبة الشايب وتبدأ الأحكام التي تنتهي بفضيحة في مدخل العقار الذي نقطن فيه حيث أصرخ بشدة "بحبك" للكائن الفضائي الذي أتخيل وجوده في المنور ومن ثم نذهب لشراء هدايا أصدقائنا التذكارية التي كان يجوب بها البائعون على كورنيش المدينة الساحرة المزدحمة، كانت الهدايا دائما ما تتكون من الأصداف الملونة والرمال الموضوعة داخل الكئوس والسلاسل المطلية باللون الأصفر اللامع كلون الذهب، ونعود حاملين ذكرياتنا الجميلة لنبدأ فصلا دراسيا جديدا متباهين بألواننا الداكنة التي تعبر عن مدى سعادة وجمال إجازتنا.
مرت عشرون عاما ومازلت أتذكر طفولتي السعيدة متمنية أن يحظى أبنائي في المستقبل بطفولة مثلها ولا أكذب عليكم فما زلت أدفع ضريبة وجنتي الممتلئتين ولكن الآن من قبل أبناء شقيقتي اللذين بالطبع توارثوها عني.