الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

العلاقات "الحرام" بين واشنطن وطالبان

طالبان
طالبان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تتكشف يومًا بعد يوم أبعاد المؤامرة الأمريكية الجديدة في أفغانستان، والتي تقوم بالأساس على إبرام صفقة مع حركة طالبان، حتى لو تطلب الأمر تسليم مدن بأكملها للمتشددين، والتضحية بالحكومة المعترف بها دوليا في كابول.

ففي 10 أغسطس، فوجئ العالم بسقوط مدينة «غزني» الاستراتيجية فى شرق أفغانستان، والتى تقع على الطريق السريع، الذى يربط العاصمة كابول بجنوبى البلاد، فى قبضة طالبان، وذلك بالتزامن مع بدء الأخيرة مفاوضات مباشرة مع واشنطن للمرة الأولى منذ الغزو الأمريكى فى 2001

ورغم مسارعة واشنطن، إلى التنديد بهجوم طالبان الواسع على غزني، إلا أن هذا كان فيما يبدو محاولة لذر الرماد فى العيون، لأن مئات من مسلحى الحركة كانوا يحاصرون المدينة لمدة خمسة أيام كاملة، قبل اقتحامها، ولم يفعل الجيش الأمريكى فى أفغانستان شيئا، وعندما سقطت المدينة، زعم أنه يساعد القوات الحكومية لاستعادتها عبر شن غارات جوية

وبالنظر إلى أن سيطرة طالبان على المدينة استمرت حوالى أسبوع، قبل نجاح القوات الأفغانية فى استعادتها بعد معارك دامية، فإنه اتضح أن الغارات الأمريكية كانت "شو إعلامي"، وأنها لم تستهدف بالأساس مواقع تمركز الحركة، بدليل عدم الكشف عن حصيلة هذه الغارات، مثلما يفعل البنتاجون دائما.

ولعل ما يزيد من الشكوك حول التواطؤ الأمريكي، أن هجوم طالبان على غزنى القريبة من كابول، وهى عاصمة لولاية تحمل الاسم نفسه، جاء بعد حوالى ثلاثة أشهر على اقتحام مسلحى الحركة لمدينة «فرح» غربى أفغانستان ليوم واحد، قبل أن يطردوا منها، فى ١٥ مايو الماضي، فى عملية عسكرية مشتركة بين القوات الأفغانية وقوات الناتو بقيادة واشنطن.

ويعكس التحرك السريع لطرد طالبان من مدينة فرح، وعدم اتخاذ الخطوة ذاتها فى غزني، التغييرات المتسارعة فى المشهد الأفغاني، منذ رفض طالبان تمديد هدنة عيد الفطر، وتصعيد هجماتها فى كل أنحاء أفغانستان، ما أربك بشدة إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، التى أصبحت تخشى تطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة بعد ظهور تنظيم داعش أيضا فى أفغانستان.

ولعل إلقاء نظرة على الأحداث المتلاحقة منذ هدنة عيد الفطر، يكشف بوضوح حجم مأزق واشنطن، وأنها لا تزال تخوض حربًا خاسرة فى أفغانستان على كل المستويات، ففى ١٥ يونيو الماضي، تم الإعلان عن أول هدنة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وجرى التوصل إليها لمدة ٣ أيام بمناسبة عيد الفطر المبارك، إلا أن الحركة رفضت تمديدها.

وفى ٢٠ يونيو الماضي، وبعد أيام من انتهاء الهدنة، شنت طالبان هجوما على قاعدة عسكرية للقوات الحكومية فى منطقة «بالا» بإقليم «بادغيس» فى غرب أفغانستان، ما أسفر عن مقتل حوالى ٣٠ من الجنود الحكوميين

ونقلت «رويترز» حينها، عن حاكم إقليم بادغيس، عبدالغفور مالك زاي، قوله إن الحركة استهدفت قاعدة عسكرية فى منطقة بالا، وتدفقت أعداد كبيرة من عناصرها من عدة اتجاهات.

وفى ١٢ يوليو الماضي، كشف السكرتير الصحفى لمحافظ ولاية تخار فى شمال شرقى أفغانستان، صنعت الله تيمور، أن طالبان سيطرت على معظم أراضى البلاد، الواقعة على الحدود مع طاجيكستان

ونقلت وكالة «إنتر فاكس» الروسية عن تيمور، قوله: «إن المتطرفين سيطروا على مواقع القوات الحكومية فى مقاطعة خواجه غار بالقرب من الحدود مع طاجيكستان».

وأضاف، «هناك خطر من سيطرة طالبان الكاملة على مقاطعة خواجه غار، وكذلك مقاطعات أخرى فى ولاية تخار، مثل داركار، وينغى قلعة، ودشت قلعة، الواقعة على الحدود مع طاجكستان.

وجاءت تصريحات «تيمور» بعد أن شنت طالبان أيضا فجر الخميس الموافق ١٢ يوليو، هجوما على وحدة عسكرية حكومية فى قرية بول بمقاطعة مهمند دشت أرشى فى ولاية قندوز فى شمال شرقى أفغانستان، ما أسفر عن مقتل ٣٢ جنديا أفغانيا وجرح ٢٠ آخرين، فضلا عن اغتنام مسلحى الحركة جميع الأسلحة والذخائر والمعدات التى كانت بحوزة الوحدة العسكرية، التى هاجموها».

وفى ٢٤ يوليو، شنت طالبان أيضا هجومين على مقاطعتين فى ولاية بكتيكا فى جنوب شرقى البلاد على الحدود مع باكستان، وذكرت «رويترز» حينها أن مسلحى «طالبان» هاجموا نقاط التفتيش الأمنية فى مقاطعتى أومنا وغايان فى الولاية المذكورة، ما أجبر القوات الأفغانية على الانسحاب وترك كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات.

ونقلت الوكالة عن عضو فى مجلس الولاية قوله، إنه بعد يومين من اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل ٣ عسكريين أفغان وإصابة آخرين، سيطرت «طالبان» فى ٢٤ يوليو على مقاطعتين فى بكتيكا، موضحا أنه فى ولاية زابل المجاورة، قتل أيضا ١٥ من عناصر قوات الأمن الأفغانية وأصيب ١٨ آخرون فى ٢٤ يوليو بعد اقتحام «طالبان» لمقاطعة أتغار التابعة للولاية

وفى ٢٦ يوليو، أعلنت حركة طالبان، كذلك، مسئوليتها عن التفجير الانتحارى الذى استهدف «مديرية الاستخبارات» فى كابول، وأسفر عن مقتل ٥ أشخاص وجرح ٦ آخرين.

وكان شخص يقود سيارة محملة بالمتفجرات، استهدف موكبا تابعا لـ«مديرية الاستخبارات» فى كابول، ونقلت «فرانس برس» عن المتحدث باسم شرطة كابول، حشمت ستانيكزاي، قوله، إن القتلى أربعة من عناصر الاستخبارات إضافة إلى مدني، فيما الجرحى هم خمسة من عناصر الاستخبارات ومدني.

 

مفاجأة «نيويورك تايمز»

 

وبالتزامن مع تصعيد طالبان وتيرة هجماتها، وتحديدا فى ١٦ يوليو، خرج الجنرال الأمريكى جون نيكولسون، قائد عملية «الدعم الحازم» التى يقودها حلف الناتو فى أفغانستان، بتصريحات مفاجئة، قال فيها إن الولايات المتحدة مستعدة للمشاركة فى مفاوضات مباشرة مع حركة طالبان، لإنهاء الحرب المستمرة منذ ١٧ عاما فى أفغانستان.

ونقلت «رويترز» عن نيكولسون، قوله، إن الولايات المتحدة تدرك أن لطالبان دورًا رئيسيًا لإنهاء الحرب فى أفغانستان.

وأضاف «وزير خارجيتنا مايك بومبيو قال إننا مستعدون لإجراء محادثات مع طالبان وبحث دور القوات الدولية»، وتابع «نأمل أن يدركوا ذلك وأن يسهم فى دفع عملية السلام قدما».

وأظهرت تصريحات «ويلز» مأزقا حقيقيا لأمريكا على أرض هذه الدولة، حيث تبدو إدارة ترامب غارقة حتى أذنيها فى أفغانستان، وتبحث عن أى مخرج، حتى لو ضغطت على الحكومة الأفغانية لتقديم تنازلات مؤلمة لطالبان.

وهذا ما ظهر بوضوح أيضا فى تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فى ٢٩ يوليو الماضي، إذ كشفت عن مفاجأة صادمة، مفادها أن إدارة ترامب حثت حكومة كابول على التركيز على حماية العاصمة والمدن المهمة الأخرى، والانسحاب من المناطق الريفية، التى باتت فى مرمى حركة طالبان

وقالت الصحيفة حينها، نقلا عن ثلاثة مسئولين أمريكيين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، إن المراد من هذه الخطوة هو إبعاد القوات الأفغانية عن المناطق الريفية، حيث تتعرض لهجمات متكررة، على أن يتم التركيز كله على حماية العاصمة كابول والمدن المهمة الأخرى، من الوقوع فى قبضة طالبان.

وتابعت الصحيفة، أن هناك تغييرا فى الاستراتيجية العسكرية الأمريكية فى أفغانستان، التى أعلنتها إدارة ترامب العام الماضي، يقوم على سحب القوات الأفغانية المدعومة من واشنطن من مناطق ذات كثافة سكانية منخفضة، وتقترب طالبان من السيطرة عليها.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التغيير يعيد إلى الأذهان الاستراتيجيات التى تبنتها سابقا إدارتا باراك أوباما وجورج بوش الابن فى أفغانستان، موضحة أن انسحاب الجيش الأفغانى من المناطق النائية سيتيح لطالبان وغيرها من الجماعات المتمردة تعزيز سيطرتها على مساحة واسعة من الأراضى فى البلاد، تاركة فى قبضة الحكومة المركزية فقط، العاصمة كابول وعدد من المدن الكبيرة كقندهار، وقندوز، ومزار شريف، وجلال آباد.

وأضافت «نيويورك تايمز» أن هذا التغيير يأتى أيضا بمثابة اعتراف صارخ من قبل واشنطن بأن الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة لا تزال غير قادرة على إدارة شئون المناطق الريفية الشاسعة، وتوفير الحماية لسكانها. وجاءت مفاجأة «نيويورك تايمز» بعد أن كشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية، أن أربعة مسئولين فى طالبان التقوا فى ٢٣ يوليو الماضى بالمسئولة رفيعة المستوى فى الخارجية الأمريكية، أليس ويلز، فى أول جولة من المفاوضات المباشرة، وذلك بعد تراجع البيت الأبيض عن موقفه الرافض للتفاوض المباشر مع الحركة. ووصف عضو رفيع المستوى فى مجلس الشورى التابع لـ«طالبان»، فى حديث إلى «الجارديان»، الاجتماع بأنه كان مثمرا جدا، مؤكدا أن الجولة اللاحقة من المفاوضات، التى من المقرر إجراؤها فى سبتمبر المقبل، ستكون أكثر تفصيلا، مع التركيز على المسائل الرئيسية.

 

«أدلة التواطؤ»

 

وبالنظر إلى لهاث إدارة ترامب وراء صفقة مع طالبان، والتى تزعم أنها أصبحت تسيطر على أكثر من نصف مساحة أفغانستان، فإنه لم يكن مستغربا سقوط غزني، وبسهولة فى قبضة الحركة.

فواشنطن تريد الضغط على حكومة كابول للقبول بالانسحاب من المناطق الريفية، التى باتت فى مرمى حركة طالبان، ولذا تغاضت عمدا فيما يبدو عن تحركات طالبان فى محيط غزنى قبل اقتحامها، خاصة أن طائرات الاستطلاع الأمريكية تحلق ليل نهار فى سماء المدن الأفغانية.

وحتى فى حال لم يثبت أن واشنطن كانت متواطئة، فإنها على الأقل أعطت الضوء الأخضر ضمنيًا لطالبان لتنفيذ الهجوم الواسع على غزني، بسبب توددها للحركة، ورغبتها فى التوصل لتفاهمات بأسرع وقت معها، تضمن المصالح الأمريكية فى أفغانستان، وتوقف فى الوقت ذاته نزيف خسائرها هناك، خاصة المادية منها.

فالهجوم على غزني، وهى من أكبر مدن أفغانستان، ما كان ليحدث لولا ثقة طالبان فى أن القوات الأمريكية، لن تتحرك بسرعة لصدها، وهذا ما شجعها على اقتحام المدينة، فيما بعثت واشنطن للحكومة الأفغانية برسالة ضمنية مفادها أنها لا تزال عاجزة عن السيطرة على الوضع الأمني، ومنع هجمات على نطاق كبير، وبالتالي، مساومتها للقبول بالصفقة، التى يجرى الحديث بشأنها مع طالبان.

وفى ١٠ أغسطس، دخل آلاف من مسلحى طالبان مدينة غزني، بعد أن دمروا نقاط تفتيش أمنية فى محيطها، ما أدى لمقتل عشرات الجنود الأفغان وأفراد الشرطة وقطع الاتصالات والطريق السريع، الذى يربط بين قندهار فى جنوب البلاد والعاصمة كابول.

وفى ١٢ أغسطس، قال محمد رحيم حسن يار، عضو مجلس الشيوخ الأفغانى عن إقليم غزني، لوكالة الأنباء الألمانية «د. ب. أ»، إن معظم مناطق إقليم غزنى خضعت لسيطرة طالبان.

وأضاف حسن يار، أن حركة طالبان أضرمت النار فى معظم المنشآت الحكومية والمواقع الأمنية، وكذلك فى أبراج الاتصالات المتنقلة، وتوقفت جميع خدمات الاتصالات، بشكل كامل بسبب الاشتباكات، ولم يتسن التواصل مع المسئولين فى المدينة عبر الهاتف.

ومن جانبها، أفادت وكالة «باجواك» الأفغانية أن مسلحين من طالبان مدججين بالسلاح هاجموا مدينة غزنى ليل الجمعة الموافق ١٠ أغسطس وأحرقوا نقاط تفتيش تابعة للشرطة وقصفوا منازل ومناطق تجارية وسيطروا على وسط المدينة، قبل أن يُجبروا على الانسحاب بعد حوالى أسبوع.

وتابعت الوكالة، أن اشتباكات دامية اندلعت بين القوات الحكومية ومسلحى طالبان، ما أجبر السلطات على إغلاق الطريق السريع الذى يربط المدينة بالعاصمة كابول الواقعة على بعد ١٥٠ كيلومترا إلى الشمال الشرقي.

ومن جانبه، قال مسئول كبير فى غزنى لـ«رويترز»، إن طالبان أطلقت صواريخ نحو مناطق سكنية وتجارية، فيما قال قائد شرطة غزنى الجنرال فريد أحمد مشعل، إن طالبان سيطرت على عدة مناطق فى المدينة، التى يجرى قتال عنيف فى مناطق محيطة بها منذ أشهر، وهو ما يؤكد أن واشنطن كانت تراقب الأوضاع فى هذه المنطقة، وكانت على علم فيما يبدو بما تخطط له طالبان، فيما نجحت القوات الحكومية فى إحباط هذه المؤامرة، عبر استماتتها فى القتال لاستعادة المدينة. ففى ١٩ أغسطس، هنأ الرئيس الأفغانى أشرف غنى، القوات الحكومية بانتصارها على مسلحى طالبان فى غزنى بعد اشتباكات لحوالى أسبوع أدت إلى مقتل ما لا يقل عن ١٥٠ جنديا و٩٥ مدنيا. ونقلت قناة «طلوع نيوز» الأفغانية عن «غنى» قوله بعد وصوله للمدينة، حيث التقى بمسئولين لتقييم الوضع الأمنى واجتمع بأسر الضحايا: «أنا هنا لمساعدة كل من تكبدوا خسائر، أنا ملتزم ببناء المدينة وببذل كل شيء لحماية غزني»، وأضاف «جنودنا حاربوا ببسالة ونحن لا نزال ملتزمين بإحلال السلام».

وبدورها، قالت وزارة الدفاع الأفغانية، إن القوات الحكومية أفشلت محاولة طالبان للسيطرة على مدينة غزنى الواقعة شرقى البلاد، وأنه جرى طرد المهاجمين.

ومنذ سقوط قندوز، العاصمة الاقتصادية لشمال أفغانستان، لفترة وجيزة بأيدى حركة طالبان فى أكتوبر ٢٠١٥ ثم مجددا فى الشهر نفسه العام ٢٠١٦، ركزت القوات الأفغانية جهودها فى محيط عواصم الولايات، ولذا، فإن ما حدث فى غزني، كان شيئا غير مألوف فى العامين الأخيرين، ويزيد الشكوك حول التواطؤ الأمريكي.

 

مبادرة «غني»

 

ويبدو أن حكومة كابول أصبحت تدرك أبعاد المخطط الأمريكي، ولذا خرج الرئيس الأفغاني أشرف غني بمبادرة جديدة لإحلال السلام، ولكن هذه المرة، من موقف قوي بعد استعادة غزني.

ففي 19 أغسطس، أعلن غني عن هدنة جديدة مشروطة مع حركة طالبان اعتبارا من الاثنين الموافق 20 أغسطس بمناسبة عيد الأضحى.

وقال الرئيس الأفغاني في كلمة للشعب الأفغاني: "سيبدأ وقف إطلاق النار المشروط الاثنين الموافق 20 أغسطس، وسيستمر طالما حافظت عليه طالبان واحترمته".

وحث غني الحركة على الاستجابة لندائه، وقبول الهدنة، بالقول: "ندعو قيادة طالبان إلى الترحيب بآمال الأفغان في حلول سلام حقيقي طويل الأمد".

وسرعان ما خرج ناطق باسم الرئاسة الأفغانية، وأعلن أن هذه الهدنة الجديدة ستستمر ثلاثة أشهر في حال وافقت عليها طالبان، وهو ما يرجح أن حكومة كابول تسعى لتهدئة الأوضاع في البلاد قبل الانتخابات العامة المقررة في أكتوبر المقبل، وبالتالي إجهاض صفقة ترامب مبكرا، التي لن تسفر سوى عن تسليم أفغانستان على طبق من ذهب للمتشددين.

وينتشر في أفغانستان حاليا 14 ألف جندي أمريكي لدعم القوات الأفغانية في مهمات تدريب وإسناد، ويشكلون الغالبية العظمى من عدد قوة حلف الناتو التي تضم 16 ألف جندي، ويقودها منذ عامين الجنرال الأمريكي جون نيكولسون الذي يستعد لتسليم منصبه إلى الجنرال سكوت ميلر، الذي يرأس حاليا "قيادة العمليات الخاصة المشتركة" في الجيش الأمريكي.

وانتهت في 2014 المهمة القتالية لقوة حلف الناتو التي كانت تقودها الولايات المتحدة، عقب إنشاء الجيش الأفغاني وتسليمه المهام القتالية، وفيما تتولى قوات الأمن الأفغانية معظم العمليات القتالية ضد حركة طالبان وغيرها من الجماعات المتمردة، فإن القوات الأمريكية تقوم بتدريب هذه القوات، وغالبا ما تكون إلى جانبها في الخطوط الأمامية في المعارك الحاسمة.

والحرب الدائرة في أفغانستان منذ 17 عاما هي أطول حرب على الإطلاق في تاريخ الجيش الأمريكي وقد قتل خلالها 2400 جندي أمريكي وأصيب حوالى 20 ألف آخرين.

ورغم وجود أمريكا والناتو فى أفغانستان منذ ٢٠٠١، لكن بعد ١٧ عاما من تدخلهما العسكرى للقضاء على حركة طالبان وتنظيم القاعدة، لم يطرأ أى تحسن على الوضع الأمنى هناك، بل ازداد المشهد قتامة، خاصة بعد ظهور تنظيم داعش هناك أيضا.

وتسببت الأخطاء التى ارتكبتها أمريكا منذ الغزو فى زيادة الإرهاب فى أفغانستان، إذ شاب القصور استراتيجيات واشنطن المتتالية، التى ركزت على النواحى العسكرية، وأهملت التنمية، ما زاد الفقر والبطالة فى أفغانستان، وهو ما شكل فرصة كبيرة للجماعات المتشددة لاستقطاب شريحة كبيرة من الشباب الغاضب.

وبعد فشل الاستراتيجية الجديدة، التى أعلنها ترامب فى أغسطس من العام الماضي، وبدلا من معالجة الأسباب، التي أدت إلى تردي الأوضاع في أفغانستان، لجأت واشنطن للتفاوض مع المتشددين، ومحاولة إبرام صفقة معهم.