الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

دراسات المركز العربي

"تركيا - قطر".. حلف الإرهاب

«تركيا - قطر».. حلف
«تركيا - قطر».. حلف الإرهاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كشفت زيارة حاكم قطر الأمير «تميم بن حمد آل ثانى» إلى تركيا فى منتصف أغسطس ٢٠١٨، عن تقارب جديد فى العلاقات بين البلدين، خاصة بعد إعلانه منح تركيا ١٥ مليار دولار توجه بشكل مباشر للاستثمار فى المشاريع التركية.
وجاءت هذه الزيارة الأخيرة والاستثمارات الموجهة لدعم العملة التركية، على خلفية توتر العلاقات التركية الأمريكية وفرض الأخيرة عقوبات اقتصادية وسياسية على أنقرة، ما يسلط الضوء على طبيعة ونمط هذه العلاقات، التى وصفها السفير التركى فى قطر «فكرت أوزر»، «بأن زيارة الأمير تميم بن حمد آل ثانى إلى تركيا، تأتى فى إطار علاقات الصداقة بين البلدين، مشددًا على وقوف قطر وتركيا مع بعضهما فى مختلف الظروف بما يدعم مسيرة التعاون والصداقة بين البلدين
تقارب سياسى
وكان للتدخل التركى من قبل فى الأزمة الخليجية، الأثر الأكبر فى تحقيق التقارب التركى القطرى بصورته الحالية، بعدما أعلنت الدول الأربع العربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، فى يوم ٥ يونيو ٢٠١٧، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، على الجانب الآخر أعلنت تركيا مساندتها لقطر فى مواجهة الحكومات العربية؛ حيث ساندت تركيا الدولة الغنية بالنفط فى مواجهة هذه العقوبات التى شملت أيضًا إغلاق المجالات الجوية والبحرية أمام الطائرات القطرية.
وأكد الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان»، دعم بلاده لقطر من الناحية العسكرية والاقتصادية، وعلى ذلك أرسلت تركيا سفينة محملة بالأغذية بعد نفاد البضائع من المحلات التجارية فى الإمارة الصغيرة التى تستورد ٨٠٪ من احتياجاتها الغذائية. 
كما وافق البرلمان التركى على إرسال آلاف من الجنود إلى القاعدة التركية فى قطر والمشاركة فى تدريبات مع القوات القطرية، ولم تكن الموافقة على إرسال القوات التركية إلى قطر إلا بعد المقاطعة الخليجية مباشرة علمًا بأن نشر القوات جاء تنفيذًا لاتفاقية بين البلدين تم توقيعها عام ٢٠١٤، فى إشارة إلى التلويح بالقوة عبر نشر قوات عسكرية تركية داخل الأراضى القطرية، عوضًا عن استعداد القطاع الخاص التركى للمشاركة فى تنفيذ مشاريع بطولة كأس العالم فى كرة القدم فى قطر ٢٠٢٢. 
الانقلاب فى تركيا
وكانت الدوحة سارعت بمساندة أنقرة بعد محاولة الانقلاب مباشرة، ففى الساعات الأولى والانقلاب المزعوم فى تركيا؛ أصدرت قطر أول موقف عربى يندد بالانقلاب قبل التأكد من فشله. وفى اليوم نفسه تلقى الرئيس التركى أول اتصال هاتفى دولى من أمير قطر. وبعد أسبوعين قام أول مسئول دولى بزيارة إلى أنقرة لتأكيد وقوف بلاده إلى جانبها، كان وزير الخارجية القطرى «محمد بن عبدالرحمن آل ثانى».
ويمكن الجزم بأن الموقف القطرى سيكون أساسًا لتحالفات تركيا الجديدة فى المنطقة، لا سيما فى ظل تطابق المواقف فى القضايا المتعلقة بالإقليم، بعد أن أشار «أردوغان» إلى أن أول موقف عملى كان من قبل قطر، التى تعتبر اليوم أقرب حليف لتركيا.
وفى هذا الشأن تشهد العلاقات التركية القطرية تطورًا فى علاقاتهما السياسية والاقتصادية، فضلًا عن تتويج هذا التطور بتكريم السفير القطرى، فى أنقرة نهاية يوليو ٢٠١٦؛ وذلك «امتنانًا على الموقف القطرى تجاه تركيا، وتعامل قطر فى التعامل مع الأزمة التركية خلال فترة محاولة الانقلاب الفاشلة».
وقام وزير الخارجية التركية، «مولود شاويش أوغلو»، بدعوة «سالم بن مبارك آل شافى»، سفير دولة قطر لدى تركيا، إلى مكتبه فى وزارة الخارجية التركية؛ لتكريمه على موقفه وجهوده التى بذلها خلال الانقلاب الفاشل. 
مصالح اقتصادية
كما تشهد العلاقات الاقتصادية القطرية-التركية، نموًا مطردًا فى السنوات القليلة الماضية. وبالرغم من التقدم السريع على صعيد زيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين وزيادة الاستثمارات، فإن حجم العلاقات الاقتصادية لا يزال أقل من المأمول.
ويحاول البلدان منذ عام ٢٠١٤، استثمار جهودهما لرفع حجم التبادل التجارى وزيادة الاستثمارات بما يتناسب مع العلاقات المتميزة بينهم سياسيًا، وقد جرت زيارات متبادلة لقيادات البلدين وللمسئولين على أعلى مستوى (وزراء الاقتصاد والمالية لدى الطرفين) لتحقيق هذا الهدف، كما عملت العديد من الجهات لدى الطرفين بجهد ونشاط من أجل الدفع قُدُمًا بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارات المشتركة ومساعدة رجال الأعمال من الجانبين على استغلال الفرص التجارية والاستثمارية القائمة. وتبدى الحكومة التركيّة رغبتها مؤخرًا فى التوصل إلى اتفاقات بخصوص إمدادات الغاز المسال وهو مشروع ذو طابع استراتيجى، فكلتا الدولتين لديهما إمكانيات أفضل لتوسيع علاقاتهما الاقتصادية فى مجالات، مثل الطاقة والسياحة والعقارات والأغذية والزراعة بالإضافة إلى المقاولات وأنشطة البناء والمنتجات الكيماوية والبتروكيماوية.
عسكريًا.. بلغ مستوى التعاون بين البلدين أعلى مستوى له مع توقيع اتفاقية التعاون العسكرى والصناعات الدفاعية عام ٢٠١٤، والتى تنص على انشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضى القطرية، كما نصت الاتفاقية أيضًا على إمكانية نشر متبادل لقوات تركية فى قطر وقطرية فى تركيا، وترتب عليها تأسيس قاعدة عسكرية تركية فى قطر وهى الأولى من نوعها. 
الإخوان المسلمون العمود الأيديولوجى
كما تمثل جماعة الإخوان الإرهابية، العمود الفقرى فكريًا لمحورية تلك العلاقة بين أنقرة والدوحة؛ فالبلدان يتشاركان نفس الرؤية للدول الإسلامية فى الشرق الأوسط؛ حيث دعمت أنقرة والدوحة «الإخوان المسلمون» الذين وجدوا فى الربيع العربى فرصة للانقضاض على الأنظمة الحاكمة فى المنطقة التى لطالما حظرت هذه الحركة.
وقد دافع رجب طيب أردوغان علنًا عن هذه الحركة فى فبراير ٢٠١٧، مؤكدًا أنها «ليست حركة مسلحة، لكنها فى الحقيقة تنظيم أيديولوجى». كما استقبلت تركيا وقطر على أراضيها كثيرًا من عناصر جماعة الإخوان الفارين من مصر، خاصة يوسف القرضاوى الذى ينظر له على أنه القائد الروحى لجماعة «الإخوان».
وعند حدوث الأزمة الخليجية مع قطر ازداد قلق الجماعة من فقدان الملاذ الآمن فى العاصمة القطرية الدوحة أو الخشية من تسليم قطر عددًا من عناصر «الإخوان» البارزين للأجهزة الأمنية فى بلدانهم كـ«كباش فداء» فى محاولة من الحكومة القطرية لاحتواء غضب مصر والسعودية والإمارات والبحرين وإنهاء المقاطعة التى فرضتها هذه الدول على الدوحة، إلا أنها سمحت بنقل عناصر الجماعة من قطر إلى تركيا، الملاذ الآمن لهم.
ويمثل الإخوان إحدى الأوراق التى تستثمرها قطر وتركيا لصالحهما فى البروز الإقليمى بهدف تحقيق التوازن مع القوى الإقليمية الرئيسية.
كما أن العلاقة بين تركيا وقطر وجماعة الإخوان لا تقوم فقط على الروابط القوية التى تجمع النخبة السياسية الحاكمة فى تركيا مع مختلف جماعات الإسلام السياسى فى المنطقة العربية، وفى مقدمتها جماعة الإخوان، وإنما تتأسس أيضًا على ذلك النمط من الروابط التى تتجاوز الإطار السياسى إلى النسق الأيديولوجى الذى يجعل الجانبين ينتميان إلى تيار عقائدى واحد، وذلك منذ أن أقدم نجم الدين أربكان على تأسيس الجناح التركى لجماعة الإخوان.
وبالتالى فإن العلاقات التركية القطرية تمثل طابعًا مميزًا، ليس فقط على المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية فحسب، بل إن الدولتين يجمعهما ترابط أيديولوجى داخلى وعلى مستوى التصورات الخارجية، إلا أن هذا التوافق بينهما يعكس ريادة تركيا فى التوجهات العامة للعلاقات بينهما لما تمثله من وجهة نظر الدوحة بأن تركيا هى الدولة الإسلامية الوريثة للدولة العثمانية، وما يتعلق برمزيتها الدينية، ما يسمح لأنقرة مساحة توجيه الإمارة الصغيرة فى المسار الذى يخدم مصالحها فى الأساس، وهو ما تؤشر عليه كل المعطيات السابقة.